إن أول درس في النظرية الاقتصادية هو أننا نعيش في عالم شُحّ الموارد، الشح هو الحالة التي تتجاوز فيها متطلبات الإنسان وسائل توفيرها لمن يرغب فيها.
إن الناس يرغبون في الحصول على المزيد من أي شيء سواء كانت سيارات أكثر أو أكلاً أو حباً أو سعادة، أو سِلماً أو عناية صحية، أو هواء أنقى، أو عطاء خيرياً أكبر.. إن قدراتنا ومواردنا لتلبية جميع رغبات الإنسان محدودة بالفعل، هنالك فقط كميات محدودة من الأرض والحديد والعمال وسنوات العمر.
إن الندرة تسبب عدة مشكلات اقتصادية: ماذا يجب أن يُنتَج؟ ومن الذي سيحصل على ما يُنتَج؟ وكيف السبيل للإنتاج؟ ومتى يجب أن يُنتَج؟
بكل بساطة، لا يوجد ما يكفي لتلبية الرغبات والاستخدامات المنافسة.
هذا يعني أنه يوجد نزاع، فلو كانت رغبات الإنسان محدودة، ولو كانت الموارد اللازمة لتلبيتها غير محدودة؛ لما كانت هنالك مشكلة اقتصادية، ولما نشأ نزاع.
وكلما كان هنالك نزاع؛ وَجبَ إيجاد الوسائل اللازمة لحله.
إذن ما أفضل الطرق لحل النزاعات الناشئة عن مسألة ماذا يجب أن يُنتَج؟ كيف ومتى ينتج؟ ومن هو الذي سيحصل عليه؟ هل هي آلية السوق، القوانين الحكومية؟ الجواب هو أن النظرية الاقتصادية لا تستطيع الإجابة عن مسائل تقييمية.
حاول أن تسأل أستاذ الفيزياء: ما الحالة الأفضل أو الأسوأ؛ الغاز المجمد أم الغاز السائل أم حالة البلازما؟ إنه، على الأغلب، سوف ينظر إليك وكأنك معتوه! إنه سؤال سخيف لا معنى له، ومن ناحية أخرى، إذا سألت أستاذ الفيزياء ما أرخص وسيلة لدقّ مسمار في لوحة، فإنه ربما يجيب بأنه الحالة الصلبة، إنها الحالة ذاتها بالنسبة للنظرية الاقتصادية، ونعني بذلك أنه لو سألت معظم الاقتصاديين: أي وسيلة لحل الخلافات ينتج عنها الخير والرخاء الأعظم؟ فإنهم، على الغالب، سوف يجيبون بأن تلك الوسيلة هي آلية السوق.
جواهر الموضوع هو أن النظرية الاقتصادية موضوعية وغير تقييمية، ولا تستطيع أن تعطي أحكاماً تقييمية، النظرية الاقتصادية تعالج ما كان، وما هو الآن، وماذا سوف يصبح، وعلى النقيض من ذلك، فإن المسائل المتعلقة بالسياسة الاقتصادية هي تقييمية وغير موضوعية، وتعطي إجابات تقييمية.
قال أحدهم يوماً: إنه لو جمعنا علماء الاقتصاد في العالم وصففناهم جنباً إلى جنب، فإنهم لن يستطيعوا أبداً التوصل إلى نتيجة موحدة، علماء الاقتصاد هم مثل سائر الناس، وبالتالي فإن لهم آراء وقيماً، وبذا، فإن معظم الخلافات بين رجال الاقتصاد تنبثق من الأحكام التقييمية، وخلافاً لذلك، هنالك اتفاق واسع حول جوهر النظرية.
يقول البروفيسور وولتر وليامز، في مطلع كل فصل من فصول التعليم: فإنني أقول لتلامذتي بأن موضوع النظرية الاقتصادية سوف يعالج النظرية الاقتصادية الموضوعية وغير التقييمية، كما أنني أقول لهم: إنهم إذا سمعوني أتحدث عن بيان تقييمي دون أن أكون قد بدأت بالملاحظة بـ«أنه في رأيي»، فيجب عليهم في تلك الحالة أن يرفعوا أيديهم وأن يقولوا بروفيسور وليامز: نحن لم نقرر أخذ هذا الدرس لكي تعبئ عقولنا بآرائك الشخصية، وأن تُسمي تلك الآراء نظرية اقتصادية، مثل ذلك هو تزييف أكاديمي، كما أنني أبلغهم بأنه في اللحظة التي يسمعونني أقول «في رأيي»، فإن عليهم التوقف عن كتابة الملاحظات؛ لأن آرائي ليست ذات علاقة بموضوع الفصل ألا وهو النظرية الاقتصادية.
إن الاقتصاد موضوع مثير وذو قيمة، أكثر من أي شيء آخر، هو أسلوب في التفكير، الناس الذين وجدوا موضوع علم الاقتصاد في دراستهم الجامعية حلماً مزعجاً هم ببساطة لم يكن لهم أستاذ اقتصاد جيد.