يكاد المتابع للإبداع العربي في الآونة الأخيرة يصاب بالحيرة والدهشة في آن؛ أما سبب الحيرة فمرده لذلك الركام من الكتابات التي تملأ الأرفف وتعج بها دور العرض؛ روايات مملة لا تجد فيها غير تكرار لما قدمه جيل الرواد، اهتراء في السرد وأخطاء في المعالجة حتى تجد نفسك في موضع اتهام لعقلك؛ هل هؤلاء مبدعون حقا أم تراك لا تحسن قراءة ما يعرضون؟
القلم حرفة وبوح جراح، ينطلق منه السارد لعوالم رحبة؛ يكفي أن يخاطب الفئة المهذبة، تلتقي أفكاره، ويضع للغد لبنات طاهرة، الكلمة تلك الجميلة حين تخطو في رحابة تتعالى بها على البؤس فتجمع ولا تفرق، تنشر الفضيلة، يكفي الكون تعاسة من شر الغواة، ما ضرنا لو كتبنا التي هي أحسن؟
الفن جمال حين يهذب النفس ويرتقي في معارج السمو!
أما الدهشة فلأنك واجد اختلاطا بين الفنون ومحاولة تدليس متعمدة؛ هذا يدعي بنثره أنه شاعر فيأتي بكلمات مرصوصة مرصوفة فيخادع بها ظنا بأنها شعر يغرب في مفرداته، وتترهل تراكيبه، ويدعي الحداثة وما بعدها من تهاويم أزخمت بعطن المورد وعبث المشهد الإبداعي؛ وثالثة الأثافي من يأتي قومه بعامية مقيتة ثم يراهن ويدعي بأنها شعر؛ أي عبث هذا؟
ويمكن أن تضيف وجود تجمعات شعرية تمنح شهادات حول أجود النصوص، وعند النظر في تلك النصوص تشك أن هناك مؤامرة لهدم الذوق الرفيع لصالح صبيانيات شعرية وسطحية؛ فالمشهد مليء بالذوق الهابط والفوضى التي ابتلي بها الأدب العربي المعاصر؛ ثقافة الاستلاب والنزوع نحو الفوضى؛ بحجة التجديد والبحث عن عوالم متخيلة وما هي إلا الفراغ والتيه يضرب بأطنابه في وجوه تشبه الثقوب السوداء.
للفن في كل أدب قواعد يجب أن تراعى، وحدود يلتزم بها المبدعون، وإلا كان ذلك تشظيا وانقطاعا عن ثقافة الأمة وانبتاتا لها من جذورها.
لقد أقاموا مقاعد للدرس في الجامعات للأدب الشعبي ظانين أن التدريس بالعامية تقرب من الموضوع وحسن مدخل لمنهج عاجز.
لم نكن نفرغ من العبث بالفن والدخول في مسارب التجريب ليزداد المشهد عبثية تفوق حد التصور.
كثير من تلك الأوراق المنشورة يدغدغ مشاعر الصغار بله المتصابين؛ حتى عد أحد النقاد الرواية مضيعة للوقت ولا تبني عقلا ولا تنمي فكرا؛ قارن لو شئت منجز نجيب محفوظ أو عبد الرحمن منيف تجد البون شاسعا في اللغة والحبكة؛ أستعير مفردة الصنعة فأجدها تنطبق على أعمال الرواد، أما هؤلاء الخالفون فعبث ما يقدمون وضال من شايعهم من دور نشر من علب بئر السلم.
بالفعل تبلغ بك الدهشة موضعها من كم الإصدارات التي تستنفد المال وتبلغ أرقاما فلكية؛ فوضى نشر وميوعة تأليف؛ حتى مؤسسات الدولة الثقافية باتت مجالا للمجاملة والمحسوبية؛ لقد توارى الكتاب القيم خلف سدف من إصدارات لا تقرأ ولا يعنى بها أحد.
هل رأيتم في الإنجليز من تهجم على شكسبير وفنه، أو لدى الجرمان جوته وشعره؛ أو الروس تشيكوف أو دبستوفسكي؟
إنهم يمجدون أعلامهم ويراعون آدابهم.