تعد الطاقة الإيجابية هي القوة المحفزة للبشر على مواصلة الحياة، وهي العين البصيرة بعيداً عن النظارة السوداء. إنها القوة التي تحرك مشاعرنا وسلوكنا نحو التقدم وتجاوز العثرات، فلا روح ثقيلة، ولا سماء ملبدة بغيوم القلق، ولا عالم ننظر إليه من ثقب إبرة، بل كون فسيح وقلب شكور!.
ويمثل جسم الإنسان وحدة متكاملة يتأثر بعضها ببعض، الروح والبدن، ويخبرنا الأطباء كيف أن المشاعر والأفكار السلبية المتشائمة تدفع بضغط الدم للارتفاع، وللأنفاس وضربات القلب بالتسارع، وتثبط المناعة، وتزيد معدلات الأمراض كنوبات القلب والسرطان، وترفع من نسب المواد الخطرة في الدم وتنشر آلاما غير متوقعة.
وبحسب كتاب “ماذا تعرف عن الطاقة الإيجابية” للدكتور منصور العور، فهناك هرمونات تحفيزية للغدد يصدرها المخ حال توقعه للمخاطر وهي المسئولة عن أعراض الطاقة السلبية والتي تؤدي بصاحبها لانعدام الاهتمام بالنفس والطموح والعمل والأسرة، التصرفات الهوجاء، اضطرابات النوم، وغيرها من المشكلات.
هل علمت لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا: “تفاءلوا بالخير تجدوه”! فقوة التفاؤل وتوقع البشرى يحفز سعيك ومشاعرك وسلوكك ومن ثم حياتك، وهو من أفضل العبادات المرتبطة بحسن الظن بالله.
ومهمتنا الآن هو التعرف على كيفية التخلص من تلك الطاقة السلبية وإحلالها بطاقة أخرى معينة على مواصلة رحلة الحياة.
كيف نحفز أفكارنا الإيجابية؟
تحفيز المشاعر الإيجابية يبدأ أولا بالتخلص من نظيرتها السلبية، والتي تبدأ من الوعي وتقييمك الذاتي للأمور، وهناك في علم النفس ما يعرف بـ”الميل للسلبية” داخل الجهاز العصبي لبعض الأشخاص؛ فهم يهتمون بالأخبار المثيرة للخوف، وهذه الميول العصبية – كما يشير الخبير النفسي آدم برادي مؤلف كتاب “الطريق للسكينة الداخلية” – جزء منها نافع وقد تعلمها الإنسان عبر ملايين السنين خلال خطته النفسية لتفادي الأخطار، لكن مع الأسف فإن التمادي بها هو السبيل لتدمير النفس.
وللتخلص من تلك الطاقة عليك أولا تفعيل وقت للتأمل الإيجابي ما يقلل هرمونات التوتر، أو ردود الفعل المسماة بـ”المواجهة أو الفرار”، وهذه الهدنة النفسية من شأنها أن تسمح لك باختبار أفكارك خلال تدفقها، وبالتالي الدخول لمرحلة التفكير الواعي في مشكلاتك بلا تضخيم ولا تهويل وبواقعية أكبر، وروح أعلى، بعيداً عن التشاؤم.
صباح السعداء
في هذا المقام دعونا نكون شاكرين لأننا كمسلمين لدينا فترة سكينة طبيعية مع كل صلاة فجر صباحية؛ والتي يتخللها التأمل في السماء والذكر والعبادة وتلاوة القرآن، وهو أمر يتكرر عمليًا خمس مرات يوميا مع كل صلاة، وعلى مدار اليوم، من الصحو للمنام، فهو وقت مستقطع من صراعات الحياة تلجأ فيه لركن الله وتفرغ شحنات عديدة سلبية عبر السجود وهو أمر مثبت طبياً.
إن الساعة الصباحية في ذكر الله تحفز من قوة التوكل على خالق الكون والصفاء الروحي، كما ترتبط بفكرة التأمل واستنهاض الطاقات داخلنا والتخطيط ليومنا، وهذه كلها من أسرار السعداء.
قال الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28) ونحن حين نبدأ يومنا مع أدعية النبي التي تحمل الامتنان والرجاء والتفاؤل والتوكل. وكأننا نضبط طاقة عقولنا وقلوبنا الإيجابية، أو نتخذ قرار السعادة.
شماعة الظروف
يقول الامام ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ: ﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﻓﺮﺣﺘﻚ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ، ﻭﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﻋﻘﻠﻚ ﺑﺎﻟﺘﺸﺎﺅﻡ، ﻭﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﻧﺠﺎﺣﻚ ﺑﺎﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﺗﻔﺎﺅﻝ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺈﺣﺒﺎﻃﻬﻢ، ﻭﻻ ﺗﻔﺴﺪ ﻳﻮﻣﻚ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﺲ.
إن الشكوى هي آلية تلقائية تقدمها لك الطاقة السلبية، كشماعة لتعليق إحباطاتك فوقها؛ فأنت لا تحصل على مكافأة لأن مديرك يضطهدك، وأنت غير سعيد في حياتك الأسرية لأن شريكك لا يتفهمك، وهذه أمور يمكن اعتبارها أوهاما أو أنصاف حقائق، لأنها تتجاهل دورك أنت فيم أنت فيه، فهل سعيت بإخلاص لتغيير الواقع المؤلم، هل أبدعت بعملك وسعيت لتطوير مهاراتك بدأب، هل دعمت التفاهم مع عائلتك وتلك النقاط المشتركة، هل علمت أن حال المؤمن خير إن صبر أو شكر أيضا؟!
والاعتماد على الشكوى ينطوي على تجاهل حقيقي لآلاف النعم التي تحيطك، وبالتالي دفع العقل والقلب للمثيرات المستفزة المحبطة، والسقوط في دوامة القلق والندم، إضافة لأن الشكوى عملياً لن تغير واقعك، بل هي طبقة إضافية من السلبية وإحياء للمظلومية الدائمة لجذب تعاطف الآخرين!
بالتالي فإن التحرر من الشكوى وعقدة الكمال وجلد الذات وتهويل المشكلات، هو اتجاه نحو الحياة بمسئولية ومحبة وبلا تذمر، وبوعي أيضا بطبيعة الحياة التي لا تكون دائماً مثالية وتحتاج للمرونة، ولن تنتهي أبداً أحمالها الثقيلة، والتي نرتقي رغمها بفضل عزيمتنا.. ووفق كتاب “قوة التفكير الإيجابي” للخبير بريان ترايسي، فالحوارات الداخلية التي تديرها مع نفسك تؤثر كثيراً في سلوكك؛ بإمكانك مثلاً أن تقول “سأجرب” بدلاً من “لا أستطيع القيام بذلك!”.
سلسلة الإدراك والسلوك
يخبرنا “تريسي” بكتابه السابق، أن أفكارنا تجاه أي حدث تصوغ مشاعرنا وسلوكنا ومن ثم وعينا على نحو كبير، فالمشكلة غالباً ليست في أحداث الحياة بقدر تفاعلك معها. وفي الواقع قد لا يكون لنا دخل كبير في حدسنا المبدئي تجاه أي حدث، لكن المهم هو الاستمرار فيه أو تجاهله، وتكمن قوة التفاؤل في تلك الروح الحامدة الممتنة في داخلك والتي تركز على الجيد في الحياة وعلى ما يمكن القيام به وليس العثرات.
إن التفكر في خلق الله من أوسع أبواب العبادة وأكثرها عمقًا، واوصلها بتصفية النفس من أمراضها، وفيها آيات لأولي الألباب، كما أن الدعاء هو جوهر العبادة وفيه تحرير لكوامن نفوسنا نحو من خلقها، لكن على أن نفعل ما يرضيه ونحسن الظن به ونوقن بالإجابة، علينا السعي بشروط عصرنا الذي يتغير في كل لحظة ويحتاج لدأب في ثقل الخبرات والنفس، والعمل بحب وتفاؤل، وزرع الخير والتطوع، ثم التوكل على الله وانتظار الثمرة بابتسامة ينشرح لها الصدر.. ابتسامة ثقة ورضا أيضا بكل طريق يرسمه الله لنا!.