أجرى الحوار: سعد النشوان – سامح أبو الحسن
قال الأستاذ بكلية الشريعة في جامعة الكويت د. طارق الطواري: إن التراث المنقول هو المتنازع عليه الآن الذي فيه نزاعات وصدامات وأخذ ورد، مشيراً إلى أن الإسلام كتراث محفوظ.
وأضاف الطواري، في حواره مع «المجتمع»، أن الكم الهائل من الخرافات المحيطة بالتراث الإسلامي لا يمكن أن يتحملها الإسلام، فما لصق فيه من آراء شاذة وانحرافات وإسرائيليات وخرافات هو من عمل بعض المستشرقين.
نريد أن نتعرف على مفهوم التراث الإسلامي؟
– التراث يُطلق على الموروث الذي تركه السابق للاحق، وهذا التراث منه منقول؛ مثل التراجم والأشعار والمخطوطات والإنتاج العلمي والكتب والمؤلفات وغيرها، ومنه غير منقول؛ مثل المباني وكثير من الأشياء الأثرية، وهذا التراث جزء من الحضارة الماضية، والتركيز الآن على ما فيه نزاعات وصدامات وهو التراث المنقول.
هل ترى أن التراث الإسلامي جامد؟
– في الحقيقة ما تركه السابق للاحق كثير، فيه الغث والسمين، وفيه إسرائيليات وتراجم، وفيه ما دس على العالم الإسلامي، وبدع وخرافات وآراء متشددة وأخرى شاذة، فهو مليء بالأخطاء، ودورنا نحن كطلبة علم أو مؤسسات علمية تنقية هذا التراث، ولذلك لا نستطيع تلبيس «طاقية» كثير من أعمالنا إلى الإسلام؛ لأن الإسلام شيء وما نقلته الأجيال السابقة إلى اللاحقة شيء آخر، الإسلام كتراث محفوظ؛ فالقرآن محفوظ، والتفاسير الصحيحة الثابتة المتوافقة مع اللغة العربية وآراء العلماء والسُّنة النبوية الصحيحة الثابتة وفق ما نقله العلماء شيء، والكم الهائل من الخرافات المحيطة بهذا التراث الإسلامي شيء آخر، فلا يمكن أن أحمل الإسلام مسؤولية ما لُصق فيه من آراء شاذة وانحرافات وإسرائيليات وخرافات.
إن هذا كله هو التراث الذي نقلناه، وما نعانيه من انسداد سياسي وفشل اقتصادي بسبب التراث كلام غير صحيح، فكثير من الناس يُرجعون الفشل إلى التمسك بالتراث، ولذلك حينما نريد أن نعود بالناس إلى التراث الأصلي النقي يدَّعون أننا نريد أن نعيدهم إلى الظلام، مع العلم أن الإسلام فيه العدل والتسامح والإنسانية والتعاون مع الأمم الماضية، وقد عاش النصارى واليهود في حقب زمنية تحت حكم المسلمين أفضل من معيشتهم الآن، فدائماً الإنسان ينتقي من هذا التراث ما يوافق هواه.
ما لصق فيه من آراء شاذة وانحرافات وإسرائيليات من عمل المستشرقين
ما ردكم على المحاولات المستمرة للطعن في التراث والسُّنة النبوية؟
– بداية، لا بد أن نعرف أن محاولات الطعن في السُّنة النبوية لأنها الشارحة للقرآن، فقد لا يجرؤ الإنسان على الطعن في القرآن مباشرة؛ لأنه سيثير الرأي العام، ويصطدم بأن القرآن محفوظ في الصدور، كما أنه مفسَّر باللغة العربية تفسيراً علمياً متوافقاً مع جمهور أهل العلم، فالحركة إذاً في الكتب المفسرة للقرآن، حيث إن الأحكام الشرعية التي جاءت في القرآن أغلبها غير مفسر، لذا جاءت السُّنة النبوية لكي تقر وتفسر وتنسخ وتقيد؛ ولذلك الطعن في السُّنة طعن غير مباشر في القرآن؛ حيث نجد أن هناك من يطعن في السُّنة عن طريق الطعن في حملتها الذين نقلوها إلينا، فأكثر من روى الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هم: أبو هريرة، وعبدالله بن عمر، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، وابن عباس، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهم، والآن يتم الطعن فيهم.
ومنهم من يطعنون في السُّنة ويقولون: لماذا دُوِّنت السُّنة النبوية بعد 150 سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه الفترة كفيلة بدخول الكذابين والملبِّسين والمضللين؟ ولكن هذا الأمر لا يمت للحقيقة بصلة؛ لأن السُّنة مرت بمراحل منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحابة لما رأوا أن الناس بدؤوا يتكلمون وينقلون سُنناً غير مشهورة أخذوا يستحلفون الإنسان، حتى إن معاوية حينما استقسم الرجل قال: والله ما استقسمتكم بالله ريبة، وتطور الأمر إلى أن يطلبوا الشهادة، وبدؤوا يسألون عن إسناده، وهذا التطور في استخدام قواعد الجرح والتعديل كان يتواكب مع خروج السُّنة النبوية.
والسبب المباشر لتأخير تدوين السُّنة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم وقال: «لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن»، وقال: «من كتب عني شيئاً فليمحه»؛ لعدة اعتبارات، منها قلة أدوات القراءة والكتابة، وقلة من يقرأ ويكتب، وخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداخل القرآن مع السُّنة؛ لأن المتكلم واحد، واللوحة واحدة.
فظل الصحابة يحفظونها في صدورهم، خاصة أن العرب كانت ذاكرتهم قوية، فكانوا يحفظون ما يسمعون، حتى لما مات كبار الصحابة اجتهد أبو هريرة في جمع السُّنة النبوية ممن تواجد ثم دُوِّنت بعد ذلك.
يقوم البعض بتفسير الآيات وفق منظوره، ما رأيكم في ذلك؟
– النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر القرآن كاملاً ليعطي مجالاً لإعمال العقل؛ لذا تجد لكل مفسر طعماً في التفسير، ولو فسر النبي صلى الله عليه وسلم القرآن تفسيراً كاملاً من «الفاتحة» لـ«الناس» لأغلق الباب على الآخرين؛ لذلك تجد أن الشيخ الشعراوي له طعم في التفسير، والإمام الرازي له طعم آخر، وكذلك القرطبي، لكن أن تلوي عنق النص حتى تتوافق مع فكرة ذهنية في رأسك لا تتوافق مع اللغة والشرع فهذا غير مقبول.
كثير من الناس يعزو فشله إلى التمسك بالتراث
هناك من يتهم التيارات الإسلامية بأنها سبب ظهور الجماعات المتطرفة بسبب التراث، ما قولكم؟
– التراث هو مجموعة ما تركه السابق للاحق، ونحن بدورنا علينا أن نصفي هذا التراث، ولذلك المستشرقون كان لهم دور في هذا التراث، فبعض التراث مضر، وبعض المستشرقين يتعمدون إخراجه لعلمهم بأن هناك من يستفيد منه، فلست مسؤولاً عن تراث مليء بالآراء الشاذة، ويدعو إلى إلغاء الآخر وتهميشه، فإذا وجدت رأياً متطرفاً لعالم من علماء الأحناف أو الحنابلة؛ لماذا أقوم بتحميله للإسلام؟!
كيف يمكن نقل التراث إلى الأجيال القادمة؟
– الخطوة الأولى تنقية التراث، فنحن نتحدث عن كتب وتراجم ومخطوطات وتفاسير تحتاج إلى من ينقيها، وهي أحد المشاريع التي نقوم بها في جامعة الكويت، خاصة الكتب المتداولة التي تحتاج إلى عناية؛ لأن إخراج هذا الكتاب على علاته فيه إضرار أكثر مما فيه نفع؛ لذلك يقدم هذا التراث من خلال التنقية والدراسة، ومن خلال المؤسسات الموثوق فيها، أما نقل التراث بعلاته ففيه الغث والسمين، والإسلام لا يتحمل الآراء الشاذة، فهناك كتاب «زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء» جمع فيه آراء العلماء، وقال: إن هناك آراء شاذة في التعامل مع الحكماء والعلماء والأمراء والنساء، فمن اتبع هذه الرخص قد أضر بالإسلام.
ما الشروط الواجب توافرها فيمن يقوم بتنقيح التراث؟
– أولاً الأمانة العلمية، ثم القدرة على النقد، ثم المُكنة العلمية، ثم ما الذي ستستفيده الأمة من الكتاب؟ وما الإضافة العلمية؟