تعدُّ دراسة السيرة النبوية أمرًا مهمًّا للغاية، فبدونها لا يتصور المسلمُ الحقيقة الإسلامية في مجموعها؛ تلك الحقيقة التي تتجسّد في حياة النبي ﷺ، الخاصة والعامة، كما لا يمكن للمسلم أن يفهم شخصية النبي ﷺ إلا من خلال دراسة حياته وظروفه، فدراسة السيرة وتحليل غزوات النبي ﷺ وسراياه تفيد في:
– أن يجد المسلم صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة، هذه الصورة تتجسّد بوضوح في شخص النبي الأعظم ﷺ الذي يعد بحق النموذج الأكمل على طريق التربية والتعليم.
– أنها تعين على فهم كتاب الله تعالى، وتفسِّر العديد من آياته، وهما معًا يمثلان السجل التاريخي الخالد لدعوة الله التي اختارها تعالى دينًا خاتمًا للعالمين.
– أن يتجمع للمسلم أكبر قدر من الثقافة الصحيحة الموثقة، التي تعد منطلقًا له نحو الفهم الصحيح للدين، وخدمته على أسس سليمة وقواعد متينة.
– أنها زادٌ نافعٌ للمسلم، تشحذ الهمة وتقوِّي العزيمة، وتوصِّل إلى الطريق الصحيحة لعزِّ الإسلام.
– تعرِّفنا قدر نعمة الهداية وشرف الانتساب إلى الإسلام، ومعرفة المؤهلات التي هيأت الصحابة رضوان الله عليهم لقيادة البشرية.
– المساعدة في التعرّف على الأحكام الفقهية، والدروس التربوية، والسياسة الشرعية، ومعرفة أسباب النصر والهزيمة.
– معرفة شرف النبي ﷺ، وكيف عصمه الله، وأيده بجنوده من عنده.
مآثر الآباء
وهذه الفوائد الجمة لدراسة السيرة النبوية واستدعاء العبر والعظات من أحداثها، هي التي دفعت صحابة النبي ﷺ إلى تدريسها لأبنائهم وتحفيظهم إياها، فقال بعضهم: «كنا نعلِّم أولادنا مغازي رسول الله ﷺ كما نعلّمهم السورة من القرآن»، وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: «كان أبي يعلِّمنا المغازي ويعدُّها علينا، ويقول: يا بَني هذه مآثر آبائكم فلا تضيِّعوا ذكرها».
وعلى الآباء أن يرفعوا قدر النبي ﷺ في نفوس أبنائهم؛ بتعظيمه وإجلاله، وذكر محاسنه وصفاته، وفضله على العالمين، وكثرة الصلاة عليه، والدعاء له بأن يؤتيه الله الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وأن يبعثه المقام المحمود الذي وَعَدَه، وإظهار الحب له، والغيرة عليه، وبيان مكانته وعلوِّ منزلته بين الأنبياء، وما الصفات التي أهّلته لتلك المكانة العظيمة، وذكر البشارات التي جاء بها النبيون الكرام وأشاروا فيها إلى مبعث هذا النبي الخاتم ﷺ.
ويمكن خاصة في ذكرى مولده الشريف، وبطريقة شائقة حَكْي معجزاته، وسرد أخلاقه، وكيف كانت نصرته للمظلومين، وعطفه على اليتامى والمساكين.
كيف نحبِّب أبناءنا في السيرة النبويّة؟
وبإمكان الآباء والمربّين تحبيب السيرة إلى أبنائهم بالعديد من الوسائل، منها:
– عرض كتب السيرة بعد قراءتها، ومناقشتهم فيها، واستقبال تساؤلاتهم واقتراحاتهم، والإجابة عنها بما يجعلهم متعاطفين مع صاحبها ﷺ، مناصرين لدعوته.
– تسهيلها لهم، بالصورة، القصص، الأفلام.. وغيرها.
– زيارة الأماكن التي جرت فيها وقائعها، إن أمكن.
– الاستماع إلى العلماء المتخصصين في السيرة، وتخصيص جزء من المكتبة لهذا العلم، يحوي كتبًا، ومنشورات، وصوتيات، وفيديوهات، وغيرها من الوسائل.
– أن يكون الوالدان قدوة في قراءة السيرة، والاستشهاد بها، ويمكنهما إجراء مسابقات للأبناء حولها؛ بهدف دفعهم للقراءة والبحث.
لقاء العائلة الأسبوعي
ومما اعتادته بعض البيوت تنظيم لقاء أسبوعي يتدارس فيه الأبوان مع أبنائهما أمور دينهم، يبدأ اللقاء بالقرآن، حفظًا وترتيلًا وتفسيرًا، ثم فقرة السيرة فالفقه فالتزكية، وهو من الأمور المحببة للأبناء إن أُحسنت إدارته وتخللته فقرات ترفيهية أو خبرية أو مسابقات، ولمثل هذا العمل فوائد عدة، منها:
– يحمل الأبناء على حبِّ الله، وحبِّ رسوله ﷺ، ويؤكد في نفوسهم شمولية الإسلام، وصلاحه لكل زمان ومكان.
– يرسِّخ في نفوسهم أن رحمة هذه الأمة في اجتماعها وتعاونها، وأن الفرد وحده لا يستطيع أن يفيد غيره، وإنما لا بد للمسلمين أن يجتمعوا على الخير، وهذا يتطلب وجود جماعات للدعوة، تحمل همّ الإسلام، وتدافع عن شريعته.
– يقوم بدور التذكير الدوري للطفل بالله، ونصحه بأداء العبادات ومحاسبته على ذلك؛ ومن ثم يصنع شابًّا متفجر الطاقات لديه حماس العمل لدعوة الله والسعي لصيانة المجتمع من الفُحش والرذيلة.
– يفيد في تعويد الأبناء الخير، وزرع قيم الدين في نفوسهم، بإقامة مثل هذه الجلسة التي يطلق عليها البعض «بيوت سعيدة»؛ لما لها من نتائج باهرة في زيادة جرعة الحب بين الأسرة الواحدة.
– مهم لتعليم الأبناء أركان الإسلام، بطرق عملية ووسائل إرشادية، صارت الآن سهلة ميسورة التداول.
– يعمل أيضًا على صناعة المسلم المعاصر، الذي يفهم دينه فهمًا صحيحًا، وينطلق خادمًا الإسلام من خلال هذا الفهم الرشيد.
– فرصة للتثقيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وغيره، وهذا يكون سببًا في تكوين فرد مسلم فاهم واعٍ، يتفرع عنه بيتٌ مسلم، ثم يكون المجتمع المسلم، فالدولة المسلمة.