أغلب الدول العربية تطلق على الوزارة التي تدير شؤون التعليم الأساسي اسم «وزارة التربية»، والبعض «وزارة التعليم»، وهناك عدد آخر يدمج المسميين معاً فتكون «وزارة التربية والتعليم»؛ وهو ما يؤكد أن التعليم والتربية أمران متعلقان ومتداخلان بشكل كبير خاصة في السنوات التعليم التأسيسية الأطفال (التعليم قبل الجامعي).
أهمية التربية
في عام 1990م، عقد في جومتيان بتايلاند المؤتمر العالمي حول التربية للجميع، جاء فيه أن المتطلبات الأساسية المتعلقة بالجود وتكافؤ الفرص والفاعلية في مجال التربية تتحدد في سنوات الطفولة الأولى؛ وذلك مما يجعل الاهتمام بمسألة العناية بالطفولة المبكرة وتنميتها أمراً ضرورياً لتحقيق أهداف التربية الأساسية.
عربياً، ورغم معرفة الجميع؛ حكومات وشعوباً، بهذه الأهمية، فإن الوضع غير مرض بالنسبة لكثير من المراقبين والخبراء، فمع تدهور التعليم تدهورت التربية أيضاً، وباتت المدارس مسرحاً لكثير من التصرفات المخجلة، فضلاً عن تغييب قضايا الأمة الرئيسة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وهو ما يدفعنا إلى السؤال حول ما الذي ينقص مدارسنا تربوياً لكي تكون على قدر المسؤولية في مواجهة التحديات القائمة؟!
علمانية التعليم إحدى وسائل الاحتلال في تغيير ثقافة الأمة
في البداية، يقول د. محمد معوض، المحاضر بكلية التربية جامعة القاهرة، لـ«المجتمع»: إن الجمع بين التعليم والتربية ضرورة لبناء أي مجتمع، بل تأتي التربية قبل التعليم، فما أسهل أن نعلم الأطفال القراءة والكتابة وباقي المهارات التعليمية، لكن ما أهمية كل ذلك إذا تم هذا دون تربية هذا النشء على الأخلاق والمبادئ والخلق الحسن، لافتاً إلى ضرورة عودة هذا الدور إلى المدارس لتكون التربية السليمة قبل التعليم.
التعليم العلماني
المقلق هو لجوء الدول العربية إلى التعليم الأجنبي كنوع من الوجاهة الاجتماعية، لدرجة أن التعليم الأجنبي أصبح ينافس التعليم الوطني، وهو ما له تأثير كبير، بحسب دراسة أعدتها الباحثة نورة محمد عبدالله العويشز، جاءت بعنوان «آثار العلمانية على التربية في العالم الإسلامي»، أشارت فيها إلى الآثار التي تعيشها أمتنا الإسلامية جراء علمانية التعليم، كإحدى وسائل الاحتلال في تغيير ثقافة وهوية الأمة.
وتؤكد العويشز أن العلمانية تعمل على منازعة الإسلام في سلطانه الثقافي، وتسلب المسلمين حقهم في إقامة نظام حياتهم وفقًا للإسلام بوصفه عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وأشارت إلى الاستعمار الذي احتل دولاً عربية لسنوات عديدة كان له تأثير كبير على أنظمة التعليم في هذه الدول، وعلى مناهجها المشبعة بالتطبيع، لافتة في دراستها إلى أن الاحتلال شجع ازدراء التعليم الديني بازدراء معلميه وطلابه، وعُمد إلى إقفال الوظائف الجيدة أمام خريجي الأقسام الدينية وحصر وظائفهم على التدريس أو الوعظ أو المأذونية.
تحديات قائمة
وبحسب الخبير التربوي حسن شحاتة، فإن هناك الكثير من التحديات التربوية التي تواجهها المدارس في الدول العربية، أبرزها انتظام وانضباط الطلاب في المدارس، وغياب الدور الحقيقي للمعلم، مضيفاً أن دور المعلم حالياً اقتصر على تلقين التلاميذ الدروس المقررة في المناهج، لكن دوره كمثل أعلى في الأخلاق الكريمة والقيم الحسنة والتوعية بقضايا الأمة اختفى تقريباً.
ويؤكد شحاتة، في حديثه لـ«المجتمع»، ضرورة أن يكون هناك معلمون مخصصون في كليات التربية، ولديهم خبرة طويلة في التعامل مع الأطفال وتربيتهم تربية حسنة، فالمدرسة والمعلم لهم تأثير كبير على التلميذ ربما يفوق في أحيان كثيرة دور البيت نفسه.
دراسة: بعض المناهج تعمل على تحقير العرب
وهو أيضاً ما يذهب إليه الخبير التربوي وأستاذ علم الاجتماع وليد مدني، الذي يؤكد لـ«المجتمع» أن أبرز التحديات التربوية التي تواجهها المدارس في الدول العربية غياب المعلم بمعناه الحقيقي، كمعلم وموجه ومرشد، والاعتماد على معلمين غير تربويين، إذ يقومون بإساءة معاملة الأطفال، ومن بين أسباب الأزمة أيضاً، بحسب مدني، إلغاء حصص الأنشطة في بعض المدارس، وعدم تفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي والنفسي الذي كان له دور مهم جداً في تصحيح سلوك التلاميذ.
بينما يشير د. محمد معوض إلى أننا في الماضي كنا نطلق على المدرس مصطلح «المربي الفاضل»، وهو ما يشير بشكل واضح إلى أن الدور الأساسي للمعلم هو التربية؛ وعليه فغياب هذا المربي يعني أننا أمام أجيال قد تكون متعلمة لكن ينقصها التربية.
ويرى معوض أن غياب هذا المربي الفاضل وإن كان السبب الرئيس لكنه ليس الوحيد، فعدد كبير من الدول العربية تقريباً لا تدرس لتلاميذها الدين كمادة أساسية، وحتى المدارس التي تجعله مادة فالطالب يدرس قشوراً فقط، وبالتالي يكون التلميذ بعيداً عن أخلاق وقيم ومبادئ الإسلام الحنيف.
وأشار معوض إلى أخطار التعليم الأجنبي على هويتنا الثقافية، مؤكداً أن هناك دراسات أجريت على تحليل محتوى بعض مناهج المدارس الأمريكية في مصر، لافتاً إلى الباحثة التي أعدت الدراسة واسمها بثينة عبدالرؤوف، فوجئت بأنّ بعض تلك المناهج تعمل على تحقير العرب، في وقت يواجهون فيه معركة شرسة لتدمير مقدساتهم في فلسطين المحتلة، مع غياب تدريس مواد الدين والتاريخ والتربية القومية، بينما تدرس مواد تتعلق بالحرية الشخصية والجنسية والشذوذ الجنسي!
غياب تدريس الدين والتاريخ يؤثر على هوية الطلاب
تربية سليمة
ويتفق الخبراء الذين تحدثت معهم «المجتمع» على ما يمكن اعتباره وصفة لتحسين تربية التلاميذ في المدارس، حيث يقول الخبير التربوي حسن شحاتة: ضرورة أن يتم تعديل مناهج المدارس والاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، بكل ما فيها من عوامل إبهار وجذب حتى يرتبط التلميذ بالمدرسة، وبالتالي تكون استجابته لما يقدم له كبيرة، مقترحاً أن يتم اختيار المناهج الدراسية بعناية كبيرة، ويجب أن يكون هناك توظيف للتكنولوجيا التي تساعد على تحقيق متعة وبهجة التعليم سواء أيام الدراسة أو بعدها.
ومن جانبه، يؤكد الخبير التربوي أستاذ علم الاجتماع وليد مدني، ضرورة الاهتمام بالمعلم وأسس اختياره، قائلاً: «لا يمكن أن نربي أجيالاً جيدة دون أن يكون لدينا مدرس جيد».
بينما يؤكد د. محمد معوض ضرورة أن يتم النظر إلى حل المشكلة بشكل متكامل وليس جزئياً، موضحاً أنه يجب الإقرار بأن التعليم الديني ودراسة الدين وتاريخ الأمة والقضية الفلسطينية في المدارس ضرورة أخلاقية وتربوية، وكذلك إعداد مناهج تساعد على تربية التلاميذ بشكل سليم ليخرج منهم جيل النصر المنشود.