يوم 15 نوفمبر 2023م، كتب ناشط أمريكي منشوراً على «تويتر» يتهم فيه ضمناً «المجتمعات اليهودية» بنشر الكراهية ضد السكان البيض، وهي نظرية مؤامرة غربية معادية لليهود تحظى بشعبية كبيرة بين المتعصبين للعرق الأبيض.
قال معلقاً على مقطع نشره ناشط يهودي يقول فيه: «إلى الجبناء الذين يختبئون وراء إخفاء هويتهم على الإنترنت وينشرون عبارة «هتلر كان على حق»، هل لديك شيء تريد قوله؟ لماذا لا تقولها في وجوهنا»، قائلاً له: «نعم المجتمعات اليهودية تروج لهذا النوع من الكراهية ضد البيض، فكيف تريد بعد ذلك من الآخرين أن يتوقفوا عن استخدامها (الكراهية) ضدكم»!
To the cowards hiding behind the anonymity of the internet and posting "Hitler was right":
You got something you want to say? Why dont you say it to our faces… pic.twitter.com/WGkwTrXyTF
— Charles Weber (@CWBOCA) November 15, 2023
وكانت المفاجأة هي تعقيب مالك منصة «إكس» («تويتر» سابقاً) إيلون ماسك على ما كتبه الأمريكي من تعليق يدين المجتمعات اليهودية بالقول: «لقد قلت الحقيقة الفعلية»؛ ما فتح عليه أبواب الجحيم الصهيوني والكراهية، حتى اضطر لإعلان أنه سيزور «إسرائيل» لترضيتها.
لم يقم البيت الأبيض فقط بإدانة ماسك وما وصفه بـ«الترويج البغيض» لمعاداة السامية من قبل مالك «إكس»، بعد تبنيه منشوراً ينطوي على نظرية مؤامرة معادية للسامية، ولكن بدأت حملة مقاطعة اقتصادية له ووقف الإعلانات لديه.
وفي منشورات لاحقة، شرح ماسك وجهة نظره بشأن الجدل الدائر بشأن رده، وكتب أنه لا يعتقد أن كراهية الأشخاص البيض تمتد إلى جميع الجاليات اليهودية، لكنه أشار بعد ذلك إلى رابطة مكافحة التشهير، مدعياً أنها تروج للعنصرية ضد البيض.
ولكن ماسك أصبح يواجه حرب المقاطعة بعد نشره منشوراً أيد فيه فكرة كراهية اليهود للمجتمعات الغربية، ومع هذا يطالبونهم أن يدينوا السامية ضدهم، وأعلنت عدة شركات كبرى وقف الإعلانات لديه وبداية حملة لمحاربته.
البيت الأبيض ووسائل إعلام أمريكية اعتبروا أن هذا المنشور يؤشر إلى نظرية مؤامرة قديمة بوجود خطة سرية لليهود لإحضار مهاجرين غير نظاميين إلى الولايات المتحدة لإضعاف هيمنة الغالبية البيضاء تسمى «الاستبدال العظيم»، وهي نفس النظرية التي يتهم فرنسيون المسلمين في بلادهم بتطبيقها ويطالبون بطردهم ويدعمهم الغرب!
«الاستبدال العظيم» اليهودية
الخطة أو نظرية المؤامرة التي أغضبت اليهود ودعمهم البيت الأبيض بشأنها، هي سعي اليهود لتطبيق «نظرية الاستبدال الكبير» الهادفة لإبادة البيض واستبدال اليهود عرقياً وثقافياً بهم.
وقد ذكرت شبكة «CNN»، في 17 نوفمبر الجاري، أن نظرية المؤامرة هذه هي ذاتها التي يؤمن بها الأمريكي روبرت باورز المتهم بارتكاب أكثر الهجمات فتكاً ضد اليهود في تاريخ الولايات المتحدة، باستهدافه كنيساً في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا عام 2018م، ويواجه حالياً احتمال الحكم بالإعدام.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثار اتهامات ضد مالك منصة «إكس» بمعاداة السامية منذ استحواذه على المنصة الاجتماعية في نهاية أكتوبر 2022م.
ففي سبتمبر 2023م، هدد بمقاضاة «رابطة مكافحة التشهير» (ADL) المعنية بمكافحة معاداة السامية والعنصرية، متهماً إياها بتشويه صورة شبكته الاجتماعية.
وكتب ماسك عبر «إكس»: «من أجل إزالة الشبهات عن اسم منصتنا فيما يتعلق بمعاداة السامية، يبدو أن ليس لدينا خيار سوى مقاضاة رابطة مكافحة التشهير بتهمة التشهير.. يا لها من مفارقة!»، محملاً إياها مسؤولية خسارة منصته قسماً من الإيرادات.
وكانت الرابطة قالت: إن معاداة السامية ارتفعت على منصة «تويتر» منذ استحواذ ماسك عليها.
وزعمت «رابطة مكافحة التشهير» اليهودية أن أمريكا شهدت في عام 2021م عدداً قياسياً بلغ 2717 من الأعمال المعادية للسامية من اعتداءات وهجمات كلامية والتسبب بأضرار مادية، بزيادة نسبتها 34% على مدى عام.
وأحصت المنظمة نفسها 3697 عملاً معادياً للسامية في عام 2022م، بزيادة نسبتها 36% خلال عام واحد وغير مسبوقة منذ عام 1979م، حسب صحيفة «واشنطن بوست».
ويعيش في الولايات المتحدة أكبر عدد من اليهود في العالم بعد «إسرائيل»، وأفاد معهد «بيو ريسيرتش سنتر» أن عدد اليهود البالغين في الولايات لمتحدة بلغ نحو 5.8 ملايين في العام 2020م، يضاف إليهم 2.8 مليون بالغ آخر أحد والديه يهودي.
«الاستبدال العظيم» الإسلامية
برغم اتهام ماسك وكل من يدعم الفلسطينيين بأنه «معاد للسامية»، وأنه يروج لنظرية الاستبدال العظيم اليهودية، فإن النظرية ذاتها يجري الحفاوة بها في فرنسا لمحاربة المسلمين هناك!
وخلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022م، انتشرت خطابات التحشيد والهجوم العنصرية من المرشحين الرئاسيين ضد المسلمين، واستحضارهم لنظرية عنصرية تتهم المسلمين المهاجرين بأنهم سيحتلون فرنسا بدل المسيحيين البيض؛ ما تسبب في اعتداءات ضدهم، أحد أسباب هجرتهم، هي «الاستبدال العظيم».
آنذاك، روج المرشح المتطرف إريك زمور لنظرية «الاستبدال العظيم»، زاعماً أن أجزاء من فرنسا يتم «استعمارها» من قبل المهاجرين المسلمين، وتعهد بطردهم من فرنسا.
ودعم أفكار زمّور المعادية للمسلمين، الرئيس السابق اليميني المتطرف دونالد ترمب، واتصل به لإسداء النصح له، في مكالمة هاتفية، ودعاه للتمسك بأفكاره الرجعية ضد المسلمين.
J’ai eu un entretien chaleureux avec Donald Trump. 🇫🇷🇺🇸 pic.twitter.com/luJwracxcl
— Eric Zemmour (@ZemmourEric) February 15, 2022
ولم يكن زمور فقط من هدد المسلمين واستخدم نظرية «الاستبدال العظيم» التي تشبه نظرية هتلر في التعامل مع الأقليات، في الدعاية ضدهم، وأثار مخاوفهم.
فالمرشحة المحافظة فاليري بيكريس استخدمت أيضاً خطاب اليمين المتطرف وأشارت إلى نظرية المؤامرة «الاستبدال العظيم» في أول تجمع انتخابي كبير لها، في 13 فبراير 2022م.
Marianne n’est pas une femme voilée.
Pour moi, le voile n’est ni un vêtement comme les autres ni une prescription religieuse. C’est un signe de soumission de la femme. Moi Présidente de la République, aucune femme ne sera soumise. Je crois à la liberté. #NouvelleFrance pic.twitter.com/0QcLm93LGx
— Valérie Pécresse (@vpecresse) February 13, 2022
تعمدت بيكريس القول: إن ماريان ليست امرأة محجبة؛ لكي تقول: إن فرنسا ليست للمسلمين.
وماريان شخصية لسيدة تعتبر رمزاً للثورة الفرنسية تُرفع تماثيلها في فرنسا أو على عملتها، وتظهر عارية الصدر؛ ما يتعارض مع الحجاب الإسلامي، ويعتبرها الفرنسيون رمزاً لهويتهم المعادية للحجاب والإسلام عموماً.
وقد اعتبر خبراء سياسيون استخدامها هذا الشعار العنصري، يسلط الضوء على تحول فرنسا إلى اليمين، والتأثير الساحق للأفكار اليمينية في هذه الحملة، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، في 15 فبراير 2022م.
ووصف فيليب كوركوف، الخبير في اليمين المتطرف بمعهد السياسة في ليون، استخدمها تعبير ماريان على أنه دليل عنصرية واضح ضد المسلمين، ومؤشر لأنه سيتم التمييز بين الفرنسيين وفقًا للمعايير العرقية.
ونظرية «الاستبدال العظيم» (Le grand replacement)، طرحها رونو كامو، وهو كاتب فرنسي يميني متطرف، في كتابه «الاستبدال الكبير»، وتدور حول غزو المهاجرين القادمين من أفريقيا لفرنسا؛ ثقافياً ودينياً واجتماعياً.
و«الاستبدال العظيم» (بالفرنسية: le grand remplacement) نظرية مؤامرة يمينية، تنص على أن السكان الفرنسيين الكاثوليك البيض، والسكان الأوروبيين المسيحيين البيض عمومًا، يجري استبدال غير الأوروبيين بهم بشكل منتظم، خاصة السكان العرب المسلمين.
وتزعم هذه النظرية بأن الحضارة المسيحية يجري استبدالها عمدًا باستخدام الهجرة الإسلامية من أفريقيا، بحسب صحيفة «ديلي ميل»، في 27 أكتوبر 2021م.
باحثون يرون أن نظرية الاستبدال الكبير نظرية قديمة تبنتها الحركة النازية التي كانت تروج للتهديد بقرب اندثار الشعوب الأوروبية البيضاء وخطر اليهود على العرق الآري.
وكل ما فعله كامو واليمين الفرنسي المتطرف أنهم استبدلوا المسلمين باليهود في نظرية الاستبدال، بحسب إذاعة «مونتي كارلو»، في 17 مارس 2019م.
وترجع جذور الفكرة لفترة العصور الوسطى المسيحية، التي اعتبرت المسلمين واليهود تهديدًا، وروجت حينئذ لنظرية «غرق» فرنسا في فيضان «غازي أجنبي» مفترض، بحسب صحيفة «لوموندك، في 31 يناير 2022م.
وقد استند سفاح نيوزيلندا برينتون تارونت الذي قتل 50 من المصلين في مسجدين، في مارس 2019م، لهذه النظرية كمبرر لارتكاب جريمته، وعنون البيان الذي نشره على الإنترنت قبل المجزرة بنفس عنوان رونو كامو «الاستبدال الكبير».
لكن المفارقة أنه بينما يشجع الغرب نظرية الاستبدال العظيم ضد المسلمين في الغرب خاصة فرنسا ويتهمونهم بأنهم يريدون أن يحلوا محل الجنس الأبيض الغربي المسيحي، فهم يعتبرون نفس النظرية حين تتعلق باليهود «معاداة للسامية»!
وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «هاريس إنتر أكتيف» الفرنسي، في 20 نوفمبر 2021م، أن ثلثي الفرنسيين تأثروا بهذه الدعاية السوداء ضد المسلمين، ويعتقدون أن المسيحيين البيض مهددون بالانقراض بسبب هجرة المسلمين؛ لذلك يرغبون في إبعادهم ويضيقون عليهم ليتركوا فرنسا.
والمثير أن دراسة نشرتها صحيفة «لوموند»، في 15 أكتوبر 2021م، أكدت أن فرنسا بعيدة كل البعد عن هذا «الغزو»، حتى ولو كانت الهجرة لفرنسا (من قبل المسلمين) تتزايد.
أوضحت أن نسبة المهاجرين 10.2%، وهي أقل من المتوسط في فرنسا، ولا تستدعي مطالبة السياسيين بوقف الهجرة أو منعها، وحديث بعضهم عن تقديم خطة كاملة للسيطرة على الهجرة.
«لوموند» أكدت أنه يوجد اليوم 6.8 ملايين مهاجر مقابل 67.3 مليون نسمة؛ أي 10.2% من السكان من المهاجرين، مقارنة بـ4.7% في عام 1975م، و5% في عام 1946م.
ونقلت «لوموند» عن خبراء، منهم جان كريستوف دومون، رئيس قسم الهجرة الدولية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن هذا المعدل أقل بكثير في دول الخليج، حيث يصل المهاجرون إلى 70%.
وأنه معدل أقل من إسبانيا (13.3%)، وهولندا (13.5%)، والمملكة المتحدة (13.7%)، وألمانيا (16.2%)، وبلجيكا (17.3)، وكندا (20.3%)، فكيف يقال: إن المسلمين يغزون فرنسا ونسبتهم 10%؟!