10 فوائد لسلامة الصدر

روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح، عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ».

ففي هذا الحديث الشريف تأكيد أن سلامة الصدر تبلغ بصاحبها أسمى المنازل.

وها هي 10 فوائد لسلامة الصدر:

أولاً: راحة البال:

فليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقرّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقرَ عبادهِ إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحداً من خلق الله رَثَى له، ورجا الله أن يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضياً عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى⁽¹⁾.

ثانياً: تجعل صاحبها من أفضل الناس:

ففي سنن ابن ماجه بسند صحيح عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ ‌مَخْمُومِ ‌الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا ‌مَخْمُومُ ‌الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

ثالثاً: الله يمدح سليم الصدر:

لقد أثنى الله تعالى على الأنصار، ومن جاء بعدهم، ممن تحلى بسلامة الصدر، فقال: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}‏ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحشر).

رابعاً: من أفضل الأعمال التي تنال بها الأجر والثواب:

في سنن أبي داود بسند صحيح، عن أبي الدَّرداء، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبِرُكُم بأفضَلَ من درجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَة؟»، قالوا: بَلَى يا رسولَ الله، قال: «‌إصلاحُ ‌ذاتِ ‌البَينِ، وفسادُ ذات البين الحالِقَة».

ولا يقع إصلاح ذات البين إلا بسلامة الصدر، وهي التي تجعل المسلم يحصل الأجر الكبير، حتى وإن كان عمله قليلاً، قال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير: أَخْبِرْنِي عَنْ أَعْمَالِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؟ قَالَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ يَسِيرًا وَيُؤْجَرُونَ كَثِيرًا، قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: ‌لِسَلَامَةِ ‌صُدُورِهِمْ⁽²⁾.

خامساً: سببٌ من أسباب قبول الأعمال الصالحة:

في صحيح مسلم عَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ ‌حَتَّى ‌يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ ‌حَتَّى ‌يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ ‌حَتَّى ‌يَصْطَلِحَا».

وفي مسند الإمام أحمد، عن عبدالله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطَّلعُ الله عَزَّ وَجَلَّ إلى خلقه ليلةَ ‌النصف ‌من ‌شعبان، فيغفر لعباده، إلا لاثنين: مشاحنٍ، وقاتِلِ نفسٍ»، فإذا تطهر القلب من الشحناء وتخلى عن الخصومة فإنه يكون أهلاً لقبول الأعمال الصالحة.

سادساً: علامة على كمال الإيمان:

في صحيح البخاري، عَنْ ‌أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ‌مَا ‌يُحِبُّ ‌لِنَفْسِهِ»، فإن حب الخير للناس دليل على سلامة الصدر، وهو سبيل إلى بلوغ كمال الإيمان.

سابعاً: تقي صاحبها من كثير من الآفات والأمراض القلبية:

سليم الصدر لا يحسد ولا يحقد ولا يحمل الضغينة في قلبه لأحد من الناس، كما أنه لا يغتاب الناس، ولا يتحدث عنهم بسوء، بل لا يحرص على سماع شيء عنهم يمكن أن يتغير به قلبه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ففي مسند الإمام أحمد بسند حسن، عن عبدالله بن مسعود قال: خرجَ عليْنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: «ألا لا يبلغَنَّ أحدٌ مِنكم عن أحدٍ من أصحابي شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليهم وأنا سليمُ الصدرِ».

ثامناً: سبيل إلى قوة الأمة الإسلامية:

إن الأمة المتنازعة محرومة من الوحدة والقوة، بل هي مطمع لعدوها، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ‌رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46)، وإن الشيطان يحرص على التحريش بين المسلمين من خلال إيغار صدورهم من بعضهم، ففي صحيح مسلم عَنْ ‌جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي ‌التَّحْرِيشِ ‌بَيْنَهُمْ».

تاسعاً: سبيل إلى حسن الخاتمة:

في صحيح الكتب التسعة، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ابْنِ أَبِي دُجَانَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ؟ قَالَ: مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقَ عِنْدِي مِنَ اثْنَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الْأُخْرَى: فَكَانَ ‌قَلْبِي ‌لِلْمُسْلِمِينَ ‌سَلِيمًا.

عاشراً: سبيل لدخول الجنة:

لا ينفع الإنسان يوم القيامة شيء إلا إذا كان سليم الصدر، حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ {87} يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء)، كما أن أهل الجنة يتميزون بنزع ما في صدورهم من الغل، حيث قال عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {45} ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ {46} وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {47} لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ (الحجر).

إن سلامة الصدر نعمة عظيمة تجعل صاحبها ينعم براحة البال وصلاح الحال وقبول الأعمال وحسن المصير والمآل.

__________________

(1) خلق المسلم: الشيخ محمد الغزالي، ص 79.

(2) الزهد: هناد بن السري (2/ 600).