التواضع صفة محمودة، وسبيل لنيل رضا الله، سبحانه وتعالى، وقد جعلها الله، عز وجل، سنّة جارية في خلقه أن يرفع المتواضعين لجلاله، وأن يذل المتكبرين المتجبرين، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، أما الذي يسلك مسلك المتكبرين، فقد باء بشؤم العاقبة؛ يقول الله، عز وجل: (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر: 72).
وقال تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان:18)، قال ابن كثير: لا تتكبّر فتحتقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. (وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً)، أي متكبّرًا جبّارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال تعالى: (إنّ الله لا يُحِبُّ كُلَّ مُختَالٍ فَخُورٍ)، أي مختال مُعجَب بنفسه فخور على غيره.
وضرب لنا النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، أفضل المثل في التواضع، فعن عائشة قالت: سأَلها رجُلٌ: هل كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعمل في بيته؟ قالت: نعم كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
وكان، صلى الله عليه وسلم، يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز، ويزور المريض، ويعطف على المسكين، ويصل البائس، ويواسي المستضعفين، ويداعب الأطفال، ويمازح الأهل، ويكلم الأَمة، ويؤاكل الناس، ويجلس على التراب، وينام على الثرى، ويفترش الرمل، ويتوسد الحصير، يكلم النساء بلطف، ويخاطب الغريب بود، ويتألف الناس، ويتبسم في وجوه أصحابه، يقول: (إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد).
وكان، صلى الله عليه وسلم، ينهى أن يُقام له، وأن يوقف على رأسه، وكان يجلس حيثما انتهى به المجلس، وكان يختلط بالناس كأنه أحدهم، ويجيب الدعوة، ويقول: (لو دُعِيتُ إلى ذِراعٍ أو كُراعٍ لأجَبْتُ، ولو أهدِيَ إليَّ ذِراعٌ، أو كُراعٌ لقَبِلتُ).
وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع. وقال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: من تواضع لله تخشُّعًا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظُّمًا، وضعه الله يوم القيامة. وقال الشافعي، رحمه الله: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبُّر من شيم أخلاق اللئام.
ومن الوسائل المعينة على التواضع:
أولًا: تقوى اللَّه:
وهي من أهم الوسائل التي تعين المرء على التواضع، وتردعه عن أخلاق أهل السفه والكبر؛ لأن التقوى وقاية من كل ما يغضب الله تعالى.
ثانيًا: التَّفكُّرُ في أصل الإنسان:
فإذا عرف الإنسان نفسه علم أنه أذل من كل ذليل، ويكفيه نظرة في أصل وجوده بعد العدم من تراب، ثم من نطفة خرجت من مخرج البول، ثم من علقة، ثم من مضغة، فقد صار شيئًا مذكورًا بعد أن كان لا يسمع، ولا يبصر، ولا يغني شيئًا.
ثالثًا: معرفةُ الإنسان قَدْره:
قال تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء: 37)، أي: أنت، أيها المتكبر المختال، ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين أنت عاجز عن التأثير فيها.
رابعًا: تطهيرُ القلب:
فالقلب إذا صلح صلح العمل كله بإذن الله تعالى، فعلى من أراد اكتساب خلق التواضع أن يُطهر قلبه من الأمراض التي عصفت به من حقد، وحسد، وعجب، وغرور؛ لأن القلب هو موطن هذه الأمراض كلها.
خامسًا: أن يعلم أن التواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين، فيجتهد في الاقتداء بهم:
قال السَّمرقندي: (التواضع من أخلاق الأنبياء والصالحين. وقد مدح الله عباده المؤمنين بالتواضع، فقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (الفرقان: 63)، يعني: متواضعين، ومدحهم بتواضعهم، وأمر نبيه، صلى الله عليه وسلم، بالتواضع، فقال: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤمِنِينَ).
نقلًا عن صحيفة “الشرق”