«مقدسيون صنعوا تاريخاً»، كتاب مهم يسلط الضوء على شخصيات فلسطينية بارزة من القدس ساهمت بشكل كبير في تاريخ المدينة، للمؤلفين الفلسطينيين عزيز العصا، والبروفسور عماد الخطيب.
يستعرض الكتاب الذي يضم 260 صفحة، و10 فصول، سير حياة 10 شخصيات ساهموا في المحافظة على هوية القدس، ويتميز بأسلوب سردي يجمع بين المعلومات التاريخية والقصص الشخصية.
يقول المؤلفان: إن إصدار هذا الكتاب يأتي تكريماً لأعلام مقدسية حملوا على عاتقهم أمانة الدفاع عن القدس وواجهوا الاحتلال وغطرسته، فكان ليقظتهم وعطائهم وتفانيهم في خدمة المجتمع المقدسي أثرها الملموس في مواجهة عمليات التهويد و«الأسرلة» وحماية وبناء مؤسسات القدس.
يشير الباحثان إلى أنهما اعتمدا منهجية العمل الميداني مع عائلات الشخصيات الـ10 وأسرهم وأصدقائهم دون الاعتماد على ما نشر عنهم من مؤلفات.
1- إليزابيث ناصر:
ولدت في نابلس عام 1906م، هي من أوائل من حمل الدرجة الجامعية من الفلسطينيات، وأول امرأة تشغل منصب مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في القدس.
أنشأت داراً للفتيات المشردات وبدأت مشروعها هذا في منزلها المستأجر، مكتفية بركن منه لها وأسمت الدار «جمعية روضة الزهور».
2- أمين صالح مجج:
أول طبيب أطفال في فلسطين، ولد برام الله عام 1921م، عرف بانتمائه لوطنه وأمته ومهنيته إلى حد انتقاده اللاذع لذاته قبل انتقاد غيره، دافع عن وطنه دفاع الأبطال؛ فبنى مؤسسات مقدسية حتى ضمن ديمومتها وما زالت شامخة حتى يومنا هذا.
لم ينزو بعد تخرجه في عيادته؛ كي يلتقط الأموال من أيادي مرضاه ومراجعيه، وإنما انطلق طبيباً باحثاً يفتش عن الحقائق العلمية، فيقيمها ويعدلها ويصوبها، عبر مقالات في المجلات الطبية في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا.
في عام 1995م أصدر الراحل ياسر عرفات قراراً بتعيين أمين مجج أميناً للقدس.
3- أنور الخطيب التميمي:
محافظ القدس السابق، ولد في مدينة الخليل عام 1917م، كان والده أزهرياً ووجيهاً بارزاً من وجوه الخليل، حيث كان خطيباً للحرم الإبراهيمي، ومفتياً للمدينة، كما عمل رئيساً لبلديتها ومتولياً لوقف تميم الداري.
عُرف برجل المهمات الصعبة، فتولى رئاسة مجلس بلدية القدس في أحلك الأوقات، وسفيراً للأردن في مصر، ومحافظاً للقدس، وقاد وزارات في عدة حكومات.
التقى التميمي في حياته مع الصف الأول من قادة العرب والعالم، لم يكن قيادياً في منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنه كان يحظى باحترام وتقدير كبيرين من أبي عمار، وأبي جهاد، فيستمعان له ويأخذان برأيه عندما يشتد الخطب.
شارك مجموعة من المقدسيين الغيارى على قدسهم؛ بأبعادها: الدينية، والوطنية والسياسية، في اتخاذ القرارات المهة والجريئة للمحافظة على المقدسات الإسلامية وإدارة المؤسسات المقدسية وحمايتها من عملية التهويد.
يذكر الكتاب أن من بين القضايا الكبرى التي تمكن الخطيب من إنجازها:
– استمرار عمل مستشفى المقاصد الإسلامية بالقدس؛ الذي كانت سلطات الاحتلال تنوي تحويله إلى مقر للشرطة «الإسرائيلية»، بعد اقتطاع جزء منه كإسطبل.
– تأسيس وتثبيت المدارس والمعاهد والكليات التعليمية العربية المقدسية.
4- حسني الأشهب:
تربوي مقدسي، ولد أواخر عام 1915م، قاد صراعاً مريراً مع الاحتلال ورموزه وأعوانه حتى تمكن من تخليص التعليم في القدس من براثن التهويد الذي شرع به الاحتلال من اللحظة الأولى لاستكمال احتلال القدس بشطريها؛ الغربي والشرقي.
قائد وطني مخضرم، شرع في العمل النضالي والسياسي منذ نعومة أظفاره، التي بدأت مع معركة «البراق» في العام 1929م.
عندما اشتعلت «ثورة البراق» عام 1929م لم يكن حسني الأشهب قد بلغ الرابعة عشرة من عمره، فانتقل كباقي طلاب جيله من طالب متظاهر إلى حامل للسلاح دفاعاً عن نفسه وأهله ومقدساته ووطنه.
ونتيجة لمشاركته في المسيرات الدينية والمظاهرات ضد المحتل البريطاني و«الإسرائيلي» وهو في شبابه المبكر، اكتسب القدرة على تنظيم وقيادة الفعاليات الوطنية من مظاهرات وإضرابات.
وكان لافتتاح مدارس عدة على يد مدير مكتب التربية والتعليم في الأوقاف الإسلامية حسني الأشهب الأثر في ازدياد نزوح طلبة المدارس الابتدائية الرسمية إلى هذه المدارس، وكان لهذا النزوح أكبر الأثر في اتخاذ المعارف «الإسرائيلية» قرار تدريس المنهاج الأردني في مدارسها.
5- الشيخ حلمي المحتسب:
أحد أركان الأوقاف والمقدسات الإسلامية، تحلى بشخصية سياسية وإدارية مسلحة بالإيمان.
ولد في مدينة الخليل عام 1906م، سافر في أواسط العشرينيات إلى القاهرة ودرس في الأزهر الشريف، وحصل على شهادتين؛ الأهلين والعلمية للغرباء، وهي دراسة متخصصة في الشريعة الإسلامية.
ساهم الراحل في تأسيس الهيئة الإسلامية في القدس لمواجهة الاحتلال ومنعه من إدارة شؤون المسلمين في القدس والضفة الغربية ولحماية المقدسات الإسلامية من الاعتداء والمحافظة على استمرارية عمل المؤسسات وخدمة المواطنين.
بعد حرب عام 1967م، تقلد الشيخ المحتسب عدة مناصب، أبرزها رئاسة مجلس الأوقاف الإسلامي الأعلى، ورئاسة الهيئة الإسلامية، بالإضافة إلى رئاسة مجلس إعمار المسجد الأقصى والصخرة الشريفين.
6- الشيخ سعيد صبري:
ولد في قلقيلية عام 1910م، وقد تخرج في الأزهر بتخصص علم الميراث عام 1928م، وهو والد الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس.
تقلد عدة مناصب، أبرزها قاض شرعي للقدس، وعين عضواً في محكمة الاستئناف الشرعية، وعضواً في مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، فخطيباً للمسجد الأقصى المبارك، وكان من مؤسسي الهيئة الإسلامية العليا، ثم عين عضواً للجنة التنفيذية لإعمار المسجد الأقصى على إثر حرقه على يد العصابات الصهيونية.
ويشهد المسجد الأقصى المبارك للمرحوم الشيخ سعيد صبري مواقفه من الاحتلال ومن بيع الأراضي ومن المحافظة على المقدسات وقول الحق وإسداء النصح والإرشاد.
والجدير بالذكر أنه آخر من وقف خطيباً على منبر صلاح الدين في الأقصى قبل الحريق المشؤوم الذي وقع في 21/ 8/ 1969م، ثم استمر في إلقاء خطبه ودروسه على المنبر المؤقت إلى أن لقي وجه ربه.
7- فيصل عبدالقادر الحسيني:
لقب بـ«أمير القدس»؛ لما بذل من أجل حماية القدس والدفاع عنها، حفيد موسى كاظم الحسيني، ولد في بغداد عام 1940م، حيث كان والده المناضل عبدالقادر الحسيني يربض في معتقلات الانتداب البريطاني.
انتسب لحركة القوميين العرب وهو في السابعة عشرة من عمره، وأسس المنظمة الطلابية الفلسطينية قبل بلوغه العشرين، ودرس الهندسة في الأكاديمية العسكرية، وبعد تخرجه عمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس، ثم انضم لقوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سورية عام 1967م.
كان من بين الوطنيين الفلسطينيين الأوائل الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال «الإسرائيلية» بعد حرب 1967م مباشرة بتهمة تشكيل مجموعات عسكرية وحيازة أسلحة، وقد حكم عليه بالسجن لمدة عام.
8- محمود أبو الزلف:
إعلامي مقدسي ولد في مدينة يافا عام 1924م، أسس صحيفة «القدس» وواكب تطورها وتقدمها، حتى أضحت مؤسسة إعلامية مقدسية، تعكس عن فلسطين صورة مشرقة للعالم.
وأما بخصوص العلاقة مع الاحتلال، فإن محمود أبو الزلف قد أعلن منذ العدد الأول رفضه التعايش التطبيعي معه، ورفضه القبول بهذا الاحتلال، والمطالبة بمغادرته الفورية للأراضي التي احتلها إثر عدوانه.
9- نهاد أبو غربية:
تربوي مقدسي ولد عام 1913م، وعاش بين جنبات القدس نحو قرن من الزمن، ودافع عنها في نكبتها ونكستها بما استطاع، فأرسى دعائم صرح تربوي؛ يشكل معلماً من معالم عروبة القدس.
وصفه الكتاب باسم حُفر باللغة العربية الفصحى في صخور القدس وعلى أعالي جبالها وهضابها، فكل القدس تشهد له تربوياً، فهو الذي أرسى واحداً من أهم أعمدة القدس وهي «الكلية الإبراهيمية» التي تدرس عن القدس بأقصاها وقيامتها وصخرتها فتحفظ لها عروبتها وفلسطينيتها.
10- هند الحسيني:
الفصل الأخير من الكتاب تحدث عن رائدة العمل الإنساني المقدسية هند الحسيني التي ولدت أثناء الحرب العالمية الأولى، وغيرت الحرب العالمية الثانية مجرى حياتها، وما بين الحربين كانت المقدسية الحسيني تعد نفسها للحصول على العلم والمعرفة في أعلى مستوياتهما.
عاشت آلام النكبة وعذاباتها، وتجرعت مرارة النكسة وما آلت إليه القدس، وما بين هاتين الكارثتين وما بعدهما، شمرت عن ساعديها وكرست حياتها لأولئك الأطفال الأيتام الذين كانت ترى في البسمة على وجوههم السعادة في أوجها.
كان لها الدور الكبير في العناية بالأطفال بعد مذبحة دير ياسين عام 1948م، فأسست جمعية دار الطفل العربي في القدس.