مكتب الوفاء- عادل العصفور:
يتدفق نهر الحياة كل لحظة بنفوس وليدة، تستقبل الحياة وتبدأ رحلة لا يعلم إلا الله متى وأين منتهاها، ففي لحظات تنبت لنا الحياة غصناً نضراً ذا أصل طيب مبارك، وفي اللحظات نفسها تقتطف براعم ثمار نابتة، فنرى نفوساً قد أفل نجمها، واستوفت أجلها، فرحلت عن دنيانا لتستقبل الآخرة، وتبدأ معها رحلة المستقر الأبدي، نفوساً اتخذت من دنياها مجداً لأخراها وزاداً لسفرها وبلوغ الآخرة.
نشأ الشاب عبدالهادي عبدالله عامر العجمي في عبادة الله؛ فتخلق بأخلاق بالقرآن، وعاش بالقرآن، ومات وهو يستمع القرآن.
صفاته
لقد بلغ عبدالهادي السادسة عشرة من عمره، لكنه كان ابن الستين في رجاحة العقل والوعي والفهم والدين، فكان باراً بوالديه، محسناً إليهما، وإلى كل من يتعامل معه، تمسك بالفضيلة ومكارم الأخلاق والتزم وظائف الشريعة، فكان غرة في جبين أسرته رغم حداثة سنه وشبابه.
كان شمعة تضيء الظلام بين إخوانه، نجماً يهدي بسلوكه شباباً حائرين، ونسمة باردة في قيظ شديد امتلأ قلبه بحب الله ورسوله وحب العلم الشرعي، إضافة إلى كونه في الصف الثالث الثانوي العلمي، وقد عرف بين أقرانه بدماثة الخلق والعمل الجاد المخلص، كان مع أقرانه يمثلون جيلاً واعياً يحمل همّ الدعوة والعمل لبناء الوطن، فكان المسجد بيته.
دوره الدعوي
كان يرفع الأذان ويوقظ الشاب والشيخ الكبير لصلاة الفجر، يسعى لمجالس العلم أينما كانت، ملأ عمره القصير بالكثير من العمل والاجتهاد وطلب العلم حتى قبل وفاته ورحيله عن الدنيا.
ما أثقل الشاب الصغير يتزود في دنياه القليلة لآخرته، فأدى مناسك العمرة، ذهب ليحرر نفسه من قيود الدنيا وأغلالها، ذهب ليغسل روحه وقلبه وعينه بماء زمزم يتطهر به ليلقى رب العالمين في أكمل صورة، عاد الشاب الصغير من العمرة خفيف الروح، يكسو النور وجهه، فكأنه تنسم نسيم الجنة وعبيرها.
وفاته
قصد عبدالهادي المسجد يوم الجمعة 22 المحرم 1407هـ/ 26 سبتمبر 1986م، ورفع الأذان الأول للصلاة، فجاء صديق له وعرض عليه الذهاب للصلاة عند الشيخ الجليل أحمد القطان، فذهب معه وكأنه على موعد، فقد حان وقت الرحيل، وما هي إلا دقائق ركبها في السيارة، وانطلقا وقد حانت من الصديق التفاتة إلى عبدالهادي، فداعبه متسائلاً عن سر النور الذي يغطي وجهه!
فتبسم عبدالهادي وطلب من صاحبه وضع شريط قرآن يستمعان إليه في الطريق، وما هي إلا لحظات صدح فيها المقرئ بالقرآن حتى اختلت عجلت القيادة من الصديق، ووقع حادث أليم وانطفأ نور الحياة من عبدالهادي، لكن نور الإيمان لم ينطفئ أثره من على وجهه، فإن غيبه الموت فما زال حياً في نفوس الكثير من الأهل والأصدقاء والشيوخ.