تتمتع دولة الكويت بتاريخ مميز يرجع إلى أكثر من 4 آلاف سنة، كما توضح الآثار التي عثر عليها الباحثون، وتتميز بموقع فريد بين دول الخليج؛ مما جعلها حلقة وصل بين العالم القديم، حيث لها موقع إستراتيجي مهم يتحكم في الممر إلى تلك الحضارات والأسواق القديمة، فقد كانت كاظمة (أحد الأسماء القديمة للمنطقة) محطة للقوافل القادمة من بلاد فارس وما بين النهرين إلى شرقي الجزيرة وداخلها، وكانت -لمدة طويلة- الرابط التجاري بين عالم المحيط الهندي وبلاد الشام وأوروبا، فعندها نقطة التقاء أحد أطول طرق التجارة في العالم القديم وأهمها، كما كانت فيلكا بما تحتويه من آبار ومياه عذبة محطة للسفن التجارية التي تصل بين الموانئ الواقعة عند رأس الخليج وبقية الأجزاء الجنوبية منه في طريقها إلى عُمان والهند وشرقي أفريقيا(1).
وتقع دولة الكويت في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، يحدها شرقاً الخليج العربي، وشمالاً العراق، ومن الجهتين الغربية والجنوبية المملكة العربية السعودية، وتبلغ مساحة الكويت نحو 17.818 ألف كيلومتر مربع، ويتكون سطح الكويت من سهول رملية منبسطة، وتلال قليلة متفرقة، غير أن أبرز مظهر طبيعي يتمثل في وادي الباطن الواقع في الشمال الغربي من البلاد الذي يمثل وسطه الحدود الكويتية العراقية(2).
واحتفظت الكويت بالأصالة والتقاليد العريقة، واستطاع شعبها العربي المسلم الاحتفاظ بهويته وثقافته وهويته الحضارية رغم التطوير الكبير الذي لحق بالحياة اليومية لشعب الكويت، وظل النظام القبلي لأهلها محافظاً على التراث الأصيل والموروث خاصة الأخلاقي منه، ويتجلى ذلك في الاحتفالات الشعبية على مدار العام، وارتباطها بالجانب التاريخي المرتبط بالأمة الإسلامية، وسوف نطرح هنا صور تلك الاحتفالات والمناسبات التاريخية القومية التاريخية والمعاصرة وتأثير طبيعة المواطن الكويتي عليها:
أولاً: المناسبات الوطنية:
– عيدا الاستقلال والتحرير:
تحتفل دولة الكويت سنوياً في مهرجان «هلا فبراير» الذي يقام في فبراير بشكل دوري كل عام احتفالاً بعيدي الاستقلال والتحرير، ويقام الاحتفال طيلة فبراير الذي يعد من أفضل وأنسب شهور العام بالبلاد، حيث درجات الحرارة المعتدلة، وتشمل الاحتفالات مجموعة من مظاهر البهجة حيث الترفيه والحفلات الغنائية ومهرجانات التسوق والفعاليات الثقافية في الأمسيات الشعرية والأدبية التي تنظمها الدولة والمؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية.
– الاحتفال بعودة الغواصين:
يعتبر من الاحتفالات القومية، حيث يتم الاحتفال برجوع الغواصين الذين خرجوا لمدة عدة أشهر للبحر، وأثناء عودتهم يقام مهرجان كبير واحتفالية كبرى على الشاطئ يشارك فيه أهل المدينة جميعاً من الرجال والنساء والأطفال.
ثانياً: المناسبات الشعبية:
ما زال المجتمع الكويتي يتميز بالترابط الاجتماعي والأسري، حيث ترتبط الأسر والقبائل وتلتقي في مناسبات شعبية واجتماعية فيما بينها، ويتوقف مظهر الاحتفال حسب المستوى المادي والاقتصادي والمعنوي لكل أسرة على حدة، ومن هذه المناسبات:
– مناسبة «النون»:
وهي احتفالية تراثية قديمة ومن الموروثات التي ما زال المجتمع الكويتي يحتفظ بها وإن كانت تضيق شيئاً فشيئاً، وهي احتفالات بسيطة بأحداث متكررة داخل الأسر مثل الاحتفال بظهور أول سن لطفل أو خطوات المشي الأولى لطفل(3)، وغالباً ما يتم الاحتفال في فترة ما بعد الظهيرة ويدعى إليه أطفال العائلة والجيران وتقوم الأم بتوزيع الحلوى على هؤلاء الأطفال ابتهاجاً بمناسبة الاحتفال.
– المناسبات الدينية:
الكويت من الدول التي تحمل طابعاً شعبياً إسلامياً، فالاحتفالات الدينية تكون على المستويين الرسمي والشعبي، ويتعامل الشعب الكويتي معها بنوع من التقديس والاحترام والتبجيل، حيث تغلق المحال التجارية والمدارس والمؤسسات الرسمية طيلة فترات الاحتفال، ويهنئ الناس بعضهم بعضاً ويتزاورون فيما بينهم على المستويات الأسرية والقبلية.
ومنها الاحتفال برأس السنة الهجرية، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكذلك الاحتفال بالأعياد الرسمية للمسلمين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، ويتم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، ومن الاحتفالات الدينية أيضًا احتفال «القرقيعان» الذي يكون في ليالي 13 و14 و15 رمضان، حيث يطوف الأطفال، كما كان يحدث قديمًا، ببيوت الحي في جماعات تغني داعية أن يحفظ الله أطفال البيت الذي يزورونه، وتقدم لهم ربة الأسرة أطباقاً من المكسرات والحلوى(4).
– احتفالات الاستعداد للزواج:
تدخل حفلات التحضير للزواج في إطار التراث كذلك والموروث العربي الأصيل، وتحمل دلالة كبيرة على الترابط المجتمعي بين الأهل والجيران والأصدقاء والمقربين، حيث يقوم أهل العروس باقتراض بعض حلي نساء العائلة لتزيين العروس بها في تلك الاحتفالات، ومن الأسر من يقوم بإقراض السجاد أو الأسرة أو أطقم الجلوس أو المساعدة في تحضير الطعام.
وبالرغم من أن عادات الاحتفال بالزواج قديمة قدم الكويت، فإن تلك العادات اختلفت في الوقت الحالي لتتم بشكل مبالغ فيه، حيث تتبارى الأسر في الإنفاق، بل وربما تنفق معظم ما تملك لتظهر بصورة مبالغ فيها بشكل كبير، وتتم الخطبة عن طريق «الخاطبة» نيابة عن أسرة العريس لتقرب المسافات، وإذا تم القبول بين الطرفين يأتي دور «الدزة»؛ وهي هدية مقدمة من والد العريس للعروس التي تمنع من الخروج تماماً أثناء فترة الخطبة، ويزف النساء الهدية لبيت العروس في أحد يومي الخميس أو الإثنين حسب العادات الكويتية، وإذا كانت الفتاة مفضلة في بيت أبيها تأتي «الجلوة»، حيث تتزين العروس وترتدي ثوباً أخضر اللون، وغطاء رأس من الحرير الأخضر ثم تنشد الأناشيد وتضرب المعازف ابتهاجاً بها.
وأما في العصر الحالي، فقد أعطت فرصة أكبر للاختيار بعيداً عن نظام الخاطبة أو اختيار والدة الشاب ليختار بنفسه في بعض الأحيان(5).
– تقاليد الجنازة والتعزية:
استمدت الكويت تقاليدها في الجنائز والعزاء من الشريعة الإسلامية التي تشترك فيها مع معظم الدول العربية وبلاد المسلمين، خاصة أن الشعب الكويتي خاصة والخليجي عامة ما زال يحتفظ بروح الالتزام الديني كأصل من أصول التفكير المتعلق بما يخص العقيدة والشريعة، فاتسمت التقاليد الخاصة بالموت بالبساطة وعدم المبالغة، فيدفن الميت في قبر حسب الشريعة الإسلامية ولا يرتفع إلا بضعة سنتيمترات ليعرف الناس مكان القبر.
ويستمر العزاء 3 أيام في بيت عائلة المتوفى، وأما عن زوجة المتوفى إن كانت له زوجة فتعتد عدتها الشرعية 4 أشهر و10 أيام، وتمنع خلال هذه المدة من التزين أو الخروج من البيت أو النظر لأحد أو أن ينظر إليها أحد من غير المحارم، شأنها في ذلك شأن كافة نساء المسلمين، وبعد انتهاء العدة تغتسل المرأة في البحر لتصير حرة في الزواج مرة أخرى إن هي أرادت، والملاحظ أن أحكام الشريعة الإسلامية هي الحكم والفيصل في تفاصيل الجنائز والعزاء، فلم تتبدل إلا قليلاً من تفاصيلها القديمة عن التفاصيل المعاصرة فيما يخص خروج المرأة التي تعمل، فتخرج قبل انقضاء فترة عدتها.
– الديوانية(6):
الديوانية مكان ببعض البيوت الكويتية الكبيرة، وهي عبارة عن مساحة منفصلة عن البيت لاستقبال الضيوف وإقامة المناسبات الخاصة، هي عادة قديمة وموروثة كانت تلحق بالبيوت حسب قدرة أصحابها المادية ومساحة البيت، وما زالت البيوت الحديثة تحتفظ بالفكرة رغم التطور الهائل في العمارة الكويتية، وتظل أبواب الديوانية مفتوحة على مدار اليوم استعداداً لاستقبال الضيوف في أي وقت، ويوجد على جانبيها من الخارج مقاعد لاستراحة المارة إن أرادوا.
وتمثل الديوانية أهمية كبيرة لأهل الكويت فوق أنها من التراث الذي حافظوا عليه، حيث يتم بها اللقاءات المهمة لمؤسسات المجتمع المدني، فتدار فيها الاجتماعات وتتخذ فيها القرارات، هذا بالطبع غير قضاء أوقات الفراغ مع الأهل والأصدقاء، فقد صارت مع الحداثة أقرب للنوادي الاجتماعية التي يلتقي فيها الناس لقضاء أوقاتهم وإدارة اجتماعاتهم السياسية والثقافية والأدبية، واهتم الكويتي بتزويدها بوسائل الترفيه الحديثة كالمكيفات وأجهزة التلفاز وشبكة الإنترنت.
وظهر أخيراً الديوانيات النسائية التي تشبه الصالونات الفكرية والثقافية في بعض البلاد العربية، وتكون الجلسات نسائية خالصة كل حسب الغرض منها.
__________________________
(1) مركز البحوث والدراسات الكويتية.
(2) المرجع السابق.
(3) البوابة الإلكترونية في دولة الكويت تحت عنوان العادات والتقاليد في دولة الكويت، بتصرف.
(4) المرجع السابق.
(5) عادات وتقاليد الزواج في الكويت من «الدزة» إلى «الجلوة»، داليا داود.
(6) الديوانيات في الكويت (النشأة – التطور – التأثير)، دراسة تاريخية، أ.د. عبدالله محمد الهاجري، أستاذ تاريخ الكويت- كلية الآداب- جامعة الكويت.