جعل الإسلام للعلماء مكانة خاصة باعتبارهم أكثر الناس إيماناً وفهماً فقال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر28)، وقد وضعت الثقافة الإسلامية الرجل مع المرأة على قدم المساواة أمام أمره بتلقي العلم بكافة مجالاته، فعن جابر بن عبدالله قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة. (رواه البخاري).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الدري رضي الله عنه: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا»، فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ»، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوِ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ» (البخاري ومسلم).
ومن قيمة تعليم المرأة جعل مهرها تعليمها في إحدى الزيجات، كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم لسهل بن سعد: «اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن» (أخرجه البخاري).
منهجية تعليم المرأة في الثقافة الإسلامية
في مقارنة بسيطة تستطيع أن تجريها بقليل من الجهد للمقارنة بين منهجية تعليم المرأة النابعة من الأصالة الإسلامية، تجد أن إنصاف المرأة والاهتمام بها ومكانتها السامية التي تقترب من درجة القداسة الأخلاقية والحقوق الكاملة المستمدة من جملة التشريعات الإسلامية، كل ذلك لم تحظ به المرأة المعاصرة في ظل قيم النسوية والعولمة وحريتها في العمل والخروج من البيت مختلطة بالرجال في المؤسسات التعليمية، بل ومقتحمة عليهم مجالاتهم العملية تحت دعاوى المساواة الكاذبة.
وظلت تلك الثقافة تظلل المرأة في فترات ازدهار دولة المسلمين، أما في ظل انحطاط الحكم فلم ينعم لا المرأة ولا الرجل بأي حقوق تذكر كما تتسم فترات الضعف عادة.
وقد سبق المسلمون الغرب في تعليم المرأة بقرون طويلة، وقد خص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يوماً ومكاناً لتعليمهن، أما أوروبا فلم تنتظم في تعليم المرأة إلا منذ قرنين أو أكثر قليلاً.
وكان للإسلام منهجية وضوابط لتعليم المرأة التزمت بها الأجيال المتعاقبة حتى ضعفت الأمة من آثار الغزو الثقافي الذي استطاع ولو بشكل مؤقت تقويض ملامح الثقافة الإسلامية.
ضوابط تعليم المرأة في التاريخ الإسلامي
استند تعليم المرأة في الإسلام إلى عدة ثوابت:
أولاً: التكاليف الشرعية للرجل والمرأة واحدة إلا في بعض الأمور الخاصة التي تتعلق بالفروق الطبيعية بينهما، وكافة التشريعات المذكورة في كتاب الله تذكرهما معاً، يقول تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36)، ويقول تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 35)، ويقول سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71).
ثانياً: المساواة بينهما في الحساب، فيقول تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) (النساء: 124)، ويقول تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195).
ثالثاً: تعليم المرأة واجب إسلامي كما هو واجب على الرجل تماماً، يقول تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (التوبة: 122)، ويقول تعالى في لفت الانتباه لأهمية دراسة التاريخ والجغرافيا: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (محمد: 10).
رابعاً: إذا كان التعليم واجب على المرأة، فما هو أوجب منه أن تتخير ما ينفعها ويعينها على مهمتها المنوطة بها، وهناك في الشرع ما هو فرض عين، وما هو فرض كفاية، فالعلوم البحتة مثل الطب فرض كفاية على البعض لتكفي نساء الأمة التعرض للتكشف عند أطباء رجال، وليس على جميع النساء أن يصرن طبيبات، وأما العلوم الإنسانية وما يتعلق بعلوم الدين فهو فرض عين على كل مسلمة أن تأخذ منها قسطاً يعينها على العبادة الصحيحة، وعلى تربية أبنائها وحسن تبعل زوجها، وأن يكون هناك فروض في المناهج التربوية والتعليمية التي تتلقاها المرأة تختلف تماماً عن تلك التي يتلقاها الذكور، وإن كان ذلك لا ينفي أن تتعلم كافة أنواع العلوم الأخرى.
خامساً: على مدار التاريخ الإسلامي كان تعليم المرأة أمراً خاصاً، بمعنى أنها لا تحضر دروس الرجال أو جلساتهم ولو كانت في المساجد وعلى يد علماء، وإنما كانت هناك دروس خاصة بهن في القصور والبيوت والمساجد في حلقات خاصة وأيام منفردة بعيداً عن كافة مظاهر الاختلاط.
ظاهرة الاختلاط وأثرها على المجتمع
أجريت العديد من الدراسات على مستوى العالم من غير المسلمين حول خطورة الاختلاط في المؤسسات التعليمية، وفي بحث للدكتور محمد بن عبدالله الهبدان حول تلك المسألة تحت عنوان «الاختلاط في التعليم مفاسد أخلاقية وأضرار تربوية»(1)، يقول فيه: ولقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة من جامعة هارفرد بأن المدارس النسائية وبمقارنتها بالمختلطة تحقق الآتي:
– أهداف تربوية أعلى.
– يحقق الطلبة فيها درجة أعلى من القيم الذاتية ودرجة أفضل لنوعية الحياة.
– درجة أفضل في العلوم والقراءة.
– التخلص من النظرة النمطية التقليدية تجاه العلاقة بين الجنسين.
– درجة أقل من التغيب الدراسي ومشكلات عدم الانضباط السلوكي.
– مراجعة منزلية أفضل ودرجة أقل من ضياع الوقت في مشاهدة التلفزيون.
كما أن الباحثة بوني فير بويست، من جامعة غرب أونتاريو في كندا، تقول: إن التعليم المختلط يغش النساء بشعارات المساواة، بينما الحقيقة تؤكد أن المساواة الحقيقة هي بالفصل وذلك لتمتع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركز عليها المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانيات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات.
وبعد مراجعة الكثير من الدراسات التي تؤكد مثل النتائج التي توصلت إليها تقول: إن الجامعات والمدارس النسائية تحقق درجة أفضل في شتى العلوم وخاصة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا.
ويصل إلى نفس النتيجة العديد من الباحثين والباحثات مثل ليزا رايرسون، رئيسة جامعة ولز، التي تزيد على النتائج السابقة بقولها: إن الجامعة النسائية تزيد الثقة بالنفس والطموح عند طلبتها بعكس الجامعات المختلطة.
وتضيف البروفيسورة نانسي بيدي، في دراستها المقارنة لمصادر النجاح في أكاديميات القرن التاسع عشر والمنشورة في «المجلة الأمريكية للتربية» في العام 1999م، أن سر النجاح يكمن في وجود المدارس غير المختلطة؛ وبناء عليه تقترح زيادة الدراسة في إمكانية قيام مدارس على هذا النمط في الوقت الراهن بناء على معطيات متطلبات السوق.
وليست تلك الدراسة الغربية الوحيدة في هذا المجال التي خلصت لخطورة التعليم المختلط على الجانب الأخلاقي والاجتماعي وكذلك العلمي، بل هناك مئات من الدراسات العلمية التي توصلت بشكل محقق للنتائج الكارثية للاختلاط بين الجنسين.
________________________
(1) منشورة بموقع «نور الإسلام»، 15 أكتوبر 2009م.