منعت الحكومة الإسبانية، في 7 نوفمبر الجاري، سفينتين يُعتقد أنهما تحملان أسلحة وإمدادات عسكرية إلى الاحتلال، من الرسو في موانئها، في حين موانئ عربية مطبّعة تستقبل السفن الأمريكية الحربية الصهيونية من أجل الوقود، وتدعم بالوفود الصحفية لمنع انهيار الكيان الصهيوني الهش الذي بدأ يتبخر ويذوب جبله الجليدي المصطنع والمحمي بسياجات وكيانات عربية.
هي سياسة الصهيونية العالمية التي تحاول الحفاظ على الكيان الصهيوني وتحميه من العزلة والانحشار في الزاوية بعد ما حققته غزة من تضامن عالمي شعبي، وإسناد قانوني، ودعم جمعوي واجتماعي وسياسي ودبلوماسي غير مسبوق.
مقابل ذلك، نجد زعيم حزب اليسار المتحد إنريكي سانتياغو في شكوى جنائية قدمها لمكتب المدعي العام في إسبانيا بداية هذا الشهر، أن 1185 سفينة على الأقل غادرت الولايات المتحدة محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى الكيان الصهيوني مرت بالمجال المائي الإسباني خلال سنة.
في غضون هذه الأحداث في إسبانيا، في 7 نوفمبر، بمنع هذه السفن، تأتي ليلة الخميس في هولندا بحدث آخر مهم حين تقوم جماهير «ماكابي تل أبيب» باستفزاز جماهير هولندا في دقيقة صمت مع ضحايا فيضان إسبانيا، حين عم الصفير والشعارات من جماهير «تل أبيب» أثناء الدقيقة الصامتة، بل رفضوا الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا فيضانات فالنسيا الإسبانية، وأشعلوا الألعاب النارية خلال الدقيقة وبقية الجماهير صامتة، وسبب الفعل العنصري حقداً وخنقاً ضد ما تفعله إسبانيا من أجل فلسطين، حين اعترفت بها كدولة ومنعت السفن الحربية الأمريكية والصهيونية في موانئها.
بعد هزيمة -كما العادة- الفريق الصهيوني أمام الفريق الهولندي (المُشَجَّع من الهولنديين والمغاربة والعرب)، اختنق ووصل إلى عنق الزجاجة لتعتدي جماهير «ماكابي تل أبيب» على سائق من أصول عربية، ثم شعارات معادية للعرب وفلسطين والمسلمين، إلى تمزيق الأعلام الفلسطينية بعد الاعتداء على منازل الهولنديين الذين باتوا يتعاطفون مع القضية الفلسطينية ويجعلون بيوتهم موشحة بالعلم الفلسطيني.
حين شاهدت الفيديو المنشور في مواقع التواصل الاجتماعي لأحد جماهير «ماكابي تل أبيب» وهو يتوسل حين سألوه: لماذا مزقت العلم الفلسطيني؟ فقال في مذلة مهينة: خذوا كل مالي، وقال: تحيا فلسطين.
هذا المشهد المعيب، يدعو إلى التفكر والتدبر من فوق، إلى حالة الكيان الصهيوني حين يحشر في الزاوية وحيداً دون أمريكا وقوى غربية وعربية مطبعة تحميه، المشهد هو مختصر لضعف الكيان الصهيوني وجيش الاحتلال لو بقي وحيداً في «طوفان الأقصى» دون تدخل أمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ودول أخرى غربية.. كيف سيكون المصير؟ ربما انتهى به الانهيار في 10 أكتوبر بعد 7 أكتوبر!
لكن ما الذي نستشفه من خلال الأحداث في أوروبا؟
الصهيونية العالمية وفك العزلة
من خلال هذه الأحداث وقبل الإعلان عن مذكرة اعتقال نتنياهو، وغالانت، نستشف الدلالات التالية:
– يبدو أن «طوفان الأقصى» قدمت صفعة كبيرة في وجه الكيان الصهيوني الذي بات يعيش عزلة دولية، وحشر في الزاوية بسبب خسائره في غزة وضعف جيشه المكسور في أوحال الأنفاق ورجال غزة، بل نقلت العزلة من قانونية إلى شعبية تقودها جماهير الشعوب العربية والغربية في الساحات العالمية.
هذه العزلة ستدفع الحاضنة للكيان الصهيوني عالمياً (وهي حاضنة الصهيونية التلمودية العالمية) للتحرك لفك العزلة عن كيانها الصهيوني من خلال 4 سياسات:
1- توظيف الصهيونية العالمية للطرف الثالث وهو الغربي خصوصاً الفرنسي لتنزيل الرواية الصهيونية والادعاءات المزيفة التي تعيش ضعفاً ونفوقاً، وهذا ما شهدناه في البرلمان المغربي بعد خطاب ماكرون وشيطنته للمقاومة في أرض رجال التحرير المغاربة، ثم ما شهدناه من إرسال وفود صحفية مغربية من مطار شارك ديجول الفرنسي إلى الكيان الصهيوني لتدريبهم وتجنيدهم لاختراق خبيث في المغرب.
2- إدخال جماهير الكرة «الإسرائيلية» في لعبة وسياسة فك العزلة العالمية عن الكيان الصهيوني، لذلك جنحت الصهيونية العالمية إلى السياسة الثانية وهي توظيف الجماهير «الإسرائيلية» الكروية لتتحرك في أوروبا وشوارعها وتفعل ما تشاء من عربدة وتمزيق الأعلام الفلسطينية واستفزاز وإذلال العرب دون تدخل للشرطة.
نظن أن هذه كانت خطة «الموساد» والصهيونية العالمية، لتظهر أن الكيان ما زال قوياً في الغرب رغم انحشاره في الزاوية وحصاره في المنطقة والعالم، لكنهم صدموا لأن الخطة الخبيثة لإظهار قوة الصهيونية تصدى لها أشاوس وأبطال أوصى بهم صلاح الدين الأيوبي وهم المغاربة.
فأبطل المغاربة مشروعهم الصهيوني لتنزيل الرواية الصهيونية والادعاءات المزيفة في أوروبا والغرب، خصوصاً بعد اهترائها مع قوة المسيرات في شوارع باريس ولندن وهولندا وألمانيا وإسبانيا ودول أخرى غربية.
3- توظيف الصهيونية العالمية لمشروع التطبيع في أقصى حده، كمال قال أحد المطبعين في زمن من الأزمان، لذلك شهدنا تسول الكيان الصهيوني الوقود والرسو في موانئ عربية بعد طرده من موانئ إسبانية، وهو ما رصدناه من سفن حربية أمريكية متجهة للكيان الصهيوني بأسلحة لتكون موانئ مصر والمغرب محطة الرسو والتزود.
من الممكن أن ترسو هذه السفن الحربية في موانئ غربية، لكن الرسو مقصود في دول عربية، لإظهار أن الأنظمة العربية تساند الكيان الصهيوني، وأن غزة وحيدة ومعزولة ومهمشة حتى من العرب، لكن الشعب المغربي بمسيراته الكبيرة مزقت هذه المقاربة وهذه الادعاءات، وأظهرت الكيان الصهيوني كمتسول ولص يطلب الوقود والرسو من موانئ عربية ضعيفة بعد طرده من موانئ إسبانيا.
4- توظيف الصهيونية العالمية لسياسة العقاب الجماعي للرافضين للكيان الصهيوني في أوروبا خصوصاً المغاربة بهولندا بعد أحداث أمستردام، وهي كانت بتحريض من نتنياهو والتطرف الصهيوني لكبح جماح مناصري «طوفان الأقصى» وغزة في أوروبا.
وفي الشهر نفسه من حدث أمستردام، تم استهداف نشطاء من أصول مغربية يعملون في فرنسا، خصوصاً محاولة محاكمة صحفية مغربية بدعوى أنها «تعادي السامية»، لكن في غضون سياسة تنزيل العقاب الجماعي ضد المغاربة من أجل اعتقالهم وعقابهم في أوروبا، تحول الاعتقال من اعتقال المناهض المناصر لغزة إلى اعتقال المحرض أوروبا على اعتقال المغاربة وهو نتنياهو، فخرجت مذكرة اعتقال نتنياهو وكانت صفعة كبيرة، وأبدت هولندا إمكانية تنزيل القرار لاعتقال نتنياهو.
عجباً، أمس كان نتنياهو يحرض وأوروبا للانتقام من المغاربة واعتقالهم وباقي العرب والنشطاء الغريين المناصرين لغزة، فكانت اليوم محاكم وبرلمانات أوروبية مستعدة لتعتقل نتنياهو!