استطاعت الدعاية الهندية المدعومة بطيف واسع من أعداء الحل الإسلامي من الشيوعيين والعلمانيين أن تحول مجيب الرحمن، الذي كان متواضعاً في كل شيء إلى «سوبرمان»، قادر على تحويل المستحيل إلى ممكن.
وانخدع الشعب البنغالي بالدعاية المغرضة، وما درى بأن الهدف منها كان فصل باكستان الشرقية عن باكستان الغربية، إمعاناً في تفريق المسلمين، بعد أن قطعوهم من الهند، لتسلم معظم شبه القارة الهندية للهندوس، ويتفرق المسلمون في إقليمين مهمشين.
ظن البنغاليون أنهم سيأكلون المن والسلوى بعد الانفصال، واعتقدوا أن مجيب الرحمن سيأتيهم بالحرية وبالرخاء، الذي سرقه منهم إخوانهم في باكستان الغربية! ولكنهم لم ينعموا لا بالحرية ولا بالرخاء ولا حتى بالكفاف.
فقَدَ مجيب الرحمن شعبيته الجارفة بعد أقل من عامين من تسلم سلطة بنغلاديش المستقلة لسبب بسيط، وهو أنه فشل في تحقيق عشر معشار وعوده البازخة التي تعهد بتحقيقها، فبالإضافة للحرية والاستقلال، وعد مجيب الرحمن شعبه بالرفاهية والتنمية والعدل وإعادة توزيع الثروة، وقد تم تقديم هذه الوعود من خلال العديد من الخطب والرسائل والتصريحات العامة أثناء حرب الاستقلال والسنوات الأولى من وجود بنغلاديش.
مافيا «عوامي»
كان مجيب الرحمن يفتقر إلى الرؤية والوسائل اللازمة لوضع البلاد على المسار الصحيح، وكانت إدارته تفتقر للإداريين الأكفاء والمخلصين بسبب انتشار المحسوبية والرغبة في الانتقام.
لم يكد مجيب الرحمن يتمكن من الدولة حتى تفاقم الفقر وتضاعفت الأسعار وعم الفساد والرشوة والمحسوبية، وارتفعت معدلات الجريمة ارتفاعاً كبيراً، وانتشرت عصابات حزب «عوامي» الحاكم في كل أنحاء بنغلاديش تسرق وتنهب كل شيء، هنا ارتفعت أصوات الناس المطالبين بالحرية والعدالة، فكان الحل تكوين ونشر تنظيمات عصابية منتمية للحزب تغتال وتقتل وتعذب كل من يعلو صوته صارخاً ومندداً بالظلم والقهر والجوع.
وهذه بعض مظاهر القهر التي تعرض لها شعب بنغلاديش في سنوات مجيب الرحمن العجاف:
– القمع الوحشي للمثقفين والإسلاميين:
واجه عدد كبير من المثقفين قمعًا وحشيًا، تاركين وراءهم سلسلة من حوادث العنف والترهيب الموثقة، وكان مجيب الرحمن قد ألغى كل الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية وتعرض كل المعارضين، في عهده، للاضطهاد والسجن والاعتقال والتشريد.
فقد اغتيل سراج سيكدار، الزعيم الماركسي اللينيني البارز، زعيم حزب بوربا بانجلار ساربهارا في بنغلاديش، في 2 يناير 1975م، بسبب انتقاده للفساد والاستبداد.
وبين عامي 1973 و1974م، وقعت سلسلة من الهجمات الوحشية والقتل، استهدفت الأساتذة والمثقفين، فقد قُتل البروفيسور جليل ميا (1973)، أستاذ الفيزياء في جامعة دكا على يد مافيا الحزب الحاكم، واغتيل البروفيسور عبدالحسين عام 1973م، وهو أستاذ شهير في الاقتصاد في جامعة دكا برصاص مهاجمين مجهولين، وتم تعذيب وقتل البروفيسور مجيب الرحمن في عام 1974م، أستاذ كيمياء في جامعة راجشاهي على يد عملاء الحزب الحاكم.
واختطفت قوات الأمن البروفيسور ظفر إقبال، أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة دكا، ولم يتم العثور عليه أبدًا، وفي عام 1974م قُتل البروفيسور أبو القاسم أستاذ للفيزياء في كلية أدامجي كانتونمنت على يد نشطاء عوامي.. وغير هؤلاء كثر تم قمعهم وقتلهم وتشريدهم عندما رفعوا أصواتهم طلباً للحق والعدل.
– اضطهاد العلماء والدعاة وتهميش الإسلام:
وخلال نظام مجيب الرحمن، واجهت العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة أقصى درجات القمع والاضطهاد، ومن الأمثلة البارزة على ذلك مولانا عبدالحميد خان باشاني، وهو زعيم إسلامي وسياسي بارز، فعلى الرغم من أنه لم يُقتل، فإنه تعرض للقمع السياسي والتهميش من قبل نظام مجيب الرحمن.
كما واجه مولانا عبدالرحيم، وهو عالم إسلامي وسياسي، مضايقات وتم تهميشه سياسياً، واعتقل مولانا عبدالمنان، وهو عضو سابق في الجمعية الوطنية الباكستانية، وواجه اضطهادًا سياسيًا، وبالإضافة إلى ذلك، تم تهميش مولانا محمد الله حافظي، وهو زعيم إسلامي، بسبب القمع السياسي، كما تعرض مولانا نور الإسلام فاروقي، وهو واعظ وزعيم إسلامي، للمضايقات وتلقى تهديدات خلال تلك الفترة، مما يوضح بشكل أكبر حملة النظام على الشخصيات الإسلامية.
– معاناة عامة الشعب:
شكل مجيب الرحمن قوة شبه عسكرية أطلق عليها «راخي باهيني» (الحرس الوطني)، قوة قوامها 25 ألف فرد مدربة عسكريًا، وترتدي زيًا عسكريًا يشبه القمصان البنية النازية، وتمتلك أسلحة أوتوماتيكية حديثة، وقد تورطت تلك القوة في 2035 عملية قتل سرية، و4925 عملية اغتيال، و337 عملية اختطاف، و190 عملية اغتصاب، و4907 عمليات سرقة تم الإبلاغ عنها بين يناير 1972 ويونيو 1973م، حسب الإحصاءات الرسمية للدولة.
وكانت العصابات المسلحة واللصوص يتجولون بحرية في العاصمة دكا، وينهبون محلات المجوهرات، ويرتكبون جميع أنواع الجرائم، وقد تم نهب الأسلحة والذخيرة من 60 مركزاً للشرطة، حسب تقارير رسمية؛ مما ترك عامة الناس عرضة للخطر.
هذا غيض من فيض مما تعرض له الشعب البنغالي على يد عصابة «عوامي» الإجرامية بقيادة مجيب الرحمن الذي يلقبونه «أبو البنغال».
يقول الرائد فاروق، وهو واحد من الضباط الذين انقلبوا على دكتاتورية مجيب الرحمن: بدا الأمر وكأننا نعيش في مجتمع تترأسه منظمة إجرامية، وكأن المافيا استولت على بنغلاديش، كان الجميع يشعر بخيبة الأمل، فقد كان رئيس الحكومة يشجع على القتل ويبرر الفساد، لم يكن هذا مقبولاً، ولذلك قررنا أنه يجب أن يرحل.
__________________
1- Bangladesh: A Legacy of Blood by Anthony Mascarenhas.
2- Bangladesh: Untold facts by Shariful Haq Dalim.
3- Daily Telegraph January 27, 1975.
4- The Sunday Times September 22, 1974.
5- Guardian, London October 2, 1974.