قدّم الشيخ حسن البنا طرحاً شاملاً للإسلام يغطي جوانب الحياة المختلفة؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وهو ما جعل حركته متفاعلة مع هموم المسلمين وقضاياهم.
وقد عدّ البنا الوطن الإسلامي وطناً واحداً، وأمة الإسلام أمة واحدة، ويذكر البنَّا أن كل أرض يقال فيها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» هي جزء من وطننا، له حرمته وقداسته، ولأن فلسطين كانت أسخن القضايا الإسلامية الحساسة في ذلك الوقت -وما تزال- فقد أولاها البنَّا المقام الأوفى في عنايته واهتمامه.
وحسب البنَّا؛ فإن المسلمين هم أشدُّ الناس إخلاصاً لأوطانهم، ولكن الفارق بين المسلمين وغيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية.
ولذلك، يؤكد البنَّا أن فلسطين وطنٌ لكل مسلم باعتبارها من أرض الإسلام، وباعتبارها مهد الأنبياء، وباعتبارها مقر المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
وفلسطين في فهم البنَّا أرض وقف إسلامي على جميع أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يفرّط أو يتنازل، ولو عن جزء صغير جداً منها، ولذلك فهي ليست ملكاً للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل هي ملك للمسلمين جميعاً، فعلى المسلمين في كلّ مكان أن يساهموا عملياً في تقديم المال والدم للدفاع عنها؛ ففلسطين قطعة من الجسد الإسلامي العام، ولبِنة قيّمة من بنيان الكيان الإسلامي.
ولذلك، رأى البنَّا وجوب الجهاد لتحرير فلسطين ونصرة أهلها، وذكر في رسالة بعثها إلى السفير البريطاني في القاهرة: «أن الإخوان سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلامياً عربياً حتى يرث الله الأرض ومن عليها».
وخاطب البنَّا أهل فلسطين: «أيها الفلسطينيون، لو لم يكن من نتائج ثورتكم إلا أن كشفتم غشاوات الذلة، وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما في صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح لكنتم من الفائزين».
ويربط البنَّا بين عدم القدرة على تحرير فلسطين، وضعف المسلمين وتخلفهم عن دينهم، وبمعنى آخر؛ فإن عملية التحرير مرتبطة بعملية استنهاض الأمة، فيذكر أن قضية فلسطين لم تحل، ليس لأن المسلمين لا يقدرون، بل لأنهم لا يريدون، وهم لا يريدون لأنهم لا يشعرون، وذلك لأنهم مسلمون أدعياء.
كما أدرك البنَّا والإخوان خطورة المشروع الصهيوني على نهضة مصر، والعالم العربي، والنهضة الإسلامية بشكل عام؛ حيث إن وجود الكيان الصهيوني سيعطل مشروع الوحدة، ويمثل خطراً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً على المنطقة.
كما تحدث البنَّا عن الخطر الاقتصادي الصهيوني، وما ينتج عن محاولات اليهود تصريف منتجاتهم في البلاد العربية؛ ما سيؤدي إلى خراب اقتصادي واضطراب مالي.
بالإضافة إلى ذلك، في رأي البنَّا، أن إقامة الدولة الصهيونية سينتج عنها أيضاً خطر اجتماعي يهدد البلاد العربية بالانحلال؛ لأن الصهيونية ستعمل على نشر الإلحاد والإباحية.
لقد دفع البنَّا فاتورة حبه لفلسطين، والتزامه الصادق بنصرتها وتحريرها، كما دفعت جماعة الإخوان فاتورة جهدها وجهادها في فلسطين، استشهد الإمام البنَّا، وحُلّت الجماعة وتعرضت للقهر والمطاردة.
ربح البيع، فلم يخسر البنَّا إذ ربح الشهادة، وكان رجل المواقف ورجل القرار عندما جدّ الجدُّ.
سوف يكتب التاريخ أن الإمام البنَّا كان من رجالات العصر النادرين، الذين أعطوا لفلسطين الكثير؛ فكرياً وسياسياً وإعلاميا وتعبوياً وخيرياً وجهادياً، ومن أبرز من وسّعوا دائرة الاهتمام بقضية فلسطين، وجعلوها محطّ أنظار المسلمين.
ورحم الله البنَّا الذي كان يعجبه بيت واحد في قصيدة طرفة بن العبد وهو:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد(1)!
ما أجل وأعظم همة الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله! وما أحوجنا اليوم لمثل هذا الاهتمام العالمي لقضية فلسطين ومناصرتها وجعلها الأبرز والأهم في قضايا المسلمين!
كما نحتاج إلى رؤية واضحة لقضية فلسطين؛ جهاداً ودعوة ونصرة، فنسأل الله تعالى نصراً مؤزراً وتحريراً عاجلاً للمسجد الأقصى المبارك وفلسطين، كما نسأله سبحانه أن يثبت المرابطين وينصر المجاهدين، وأن يهزم الصهاينة المجرمين ويزلزلهم.
والنصر قادم بإذن الله الواحد القهار، والله أكبر ولله الحمد.
______________________
(1) الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية، محسن محمد صالح، باختصار وتصرف.