حلبة أسوارها عيون مندهشة.. جمهور متلهف ويترقب لمن النصر.. والمتصارعون قوتان محكوم عليهما البقاء في الأرض إلى يوم الفناء، لديهم قوى خارقة تمكنهم من خوض هذا الغمار، غمار العراك.. هل علمتم عن أي مصارعة أتحدث؟
حلبة أسوارها عيون مندهشة.. جمهور متلهف ويترقب لمن النصر.. والمتصارعون قوتان محكوم عليهما البقاء في الأرض إلى يوم الفناء، لديهم قوى خارقة تمكنهم من خوض هذا الغمار، غمار العراك.. هل علمتم عن أي مصارعة أتحدث؟
إن الناظر لهذه الساحة اليوم من عموم البشر وخواصهم لا يرى سوى مشهد واحد؛ ألا وهو المصارعة، على الرغم من انتشار مصطلحات يقال عنها: “كلمة حق أريد بها باطل”، مثل “سلمية”، “حرية”، “حقوق إنسان”، “تعاون”، “سلام”، وغيرها من المصطلحات التي تجردت من معانيها الحقيقية، ولو بحثت عن تلك الكلمات في معجم الحياة أو معجم ابن منظور سترى في مخيلتك نوعاً من الجنون لما تعنيه تلك الكلمات ولمخالفة معناها واقعها.
إن مصارعة الخيال التي أتكلم عنها هي تلك المصارعة بين حسن الخلق وسوء الخلق.. غريمان اشتركا في الجنس وافترقا في النوع، شمروا عن سواعدهم وتسلحوا أو سلحوا بذخائر منها الفتاك ومنها المدغدغ، استعدوا للمواجهة والمقارعة، وصار الجمهور في بادئ الأمر ولرداءة المواجهة يظنون أن الباطل أو سوء الخلق منتصر لا محالة، وذلك بسبب الأسلوب أو الذخيرة المستخدمة في تلك المصارعة مثل السباب وإلقاء التهم وسوء الظنون والخيانة والغدر، وفي الجهة المقابلة من الحلبة يرى الجمهور سكون المصارع حسن الخلق أو الحق، ويظنون به الضعف والخوار، ويرونه يتلقى الصدمات واللكمات والركلات الواحدة تلو الأخرى بوجع وألم وبتفنن من غريمه سوء الخلق، وفجأة.
وفي غمضة عين وعلى حين غرة تأتي اللكمة القاضية من الحق؛ فيوقع بها الغريم فلا يقوم بعدها أبداً، تلك اللكمة القاضية هي النور المبين، هي الثبات والبصيرة، بل هي الصدق بعينه، تأتي تلك الضربة على الزيف وعلى الكذب، تأتي على الخيانة والغدر، قالها الله سبحانه في محكم التنزيل وأصدق القيل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18}) (الأنبياء).
نعيش حقاً في زمن توالت فيه الضربات الموجعة والطعنات في الخصر على أهل الحق، ولكن سيقول أهل الضلال والكذب وباستفهام وخوف مريع: “أين المفر؟” وسيأتيهم الجواب الصريح: “كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر”.
انتظروا يا معشر البشر، ورددوا في أذهانكم بيت طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود