بدأ الإسلام باكرًا معركته النبيلة لتقرير حقوق الإنسان الشاملة بحربه المتدرجة على الرق والعبودية وامتهان الكرامة، وبإعلاء قيم العدالة والحرية وغيرها من القيم الإنسانية. لكن قصر فترة انتشاره وما واجهه من تحديات وحروب استئصال وتشويه من أتباعه قبل أعدائه
بدأ الإسلام باكرًا معركته النبيلة لتقرير حقوق الإنسان الشاملة بحربه المتدرجة على الرق والعبودية وامتهان الكرامة، وبإعلاء قيم العدالة والحرية وغيرها من القيم الإنسانية. لكن قصر فترة انتشاره وما واجهه من تحديات وحروب استئصال وتشويه من أتباعه قبل أعدائه، فقد ضعف تأثيره الحقوقي وانحصر في رقعة جغرافية محدودة، تهدر فيها الكثير من حقوق الإنسان باسم الدفاع عن الدين أو مواجهته والحرب عليه..
وبعد انتهاء الحرب الكونية الثانية التي استمرت خمس سنوات، وراح ضحيتها قرابة خمسة وسبعين مليون إنسان، وجدت البشرية نفسها أمام وضع كارثي تسببه هذه الحروب التي تشتعل بدافع نهم الإنسان ورغبته في التفرد والقضاء على الآخر، فاتجهت إلى التفكير بطريقة مختلفة، وهي الوصول إلى مشتركات يقرها الجميع، وتضمن الحد المعقول من مبادئ العيش المشترك، ليعلن على إثر ذلك الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٤٥، وبه تشكل ما يسمى بالجيل الأول لحقوق الإنسان أو الجيل الليبرالي ..
استمر التدافع بين الشرق والغرب أيديولوجيًا هذه المرة، حيث قدس المعسكر الشرقي مبدأ العدالة الاجتماعية، فيما قدس الغربي مبدأ الحرية، وبالتالي دفع الشرق باتجاه تعزيز الوعي بالعدالة الاجتماعية، وعزز الغرب الوعي بالحقوق المدنية والسياسية، لينجم عن الحراكين ما يسمى بالجيل الثاني لحقوق الإنسان، أو جيل العدالة الاجتماعية..
وكنتاج لتراكم الوعي الحقوقي بدأت الأقليات والكيانات المهدورة حقوقها بفعل حروب الكبار، بدأت بالتفكير في حقوقها الجمعية مثل حق التعبير والتنمية وتقرير المصير، ليدخل معها الإنسان مرحلة الجيل الثالث أو المرحلة الجماعية..
ارتقى تبعًا لذلك وعي الناس وارتفع سقفهم بالمطالبة بمصفوفة أخرى من الحقوق مثل التعليم النوعي والراتب المجزي والمسكن المناسب، إضافة إلى حقوق رعاية البيئة والمحيط بما يضمن حياة أفضل للإنسان، وهو ما يسعى لتكريسه الحراك الحقوقي العالمي في الوقت الراهن، كجيل رابع من حقوق الإنسان..
من البديهي قول أن هذا التطور في مسيرة حقوق الإنسان لا يشمل كل سكان الكرة، ففي وقت تتصدر أوروبا وأمريكا الشمالية وبعض دول آسيا وأستراليا، نجد ترديًا واضحًا في معظم دول أفريقيا وبعض دول آسيا، ينسحب هذا التردي على المنطقة العربية، مع بعض الاختراقات في أكثر من دولة عربية، تتمثل في الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير..
اليمن،وبعد تخلصها من الحكم الإمامي الفردي وسلطة الاستعمار المباشرة، مرت في حقبة استمرت لنصف قرن تحت النظام الجمهوري الذي أحدث بعض التقدم في تعزيز حقوق الإنسان، وقد كانت ثورة فبراير الحدث الشعبي الأبرز في هذا الجانب بما قدمته من مبررات لقيامها وأهداف تسعى لتقريرها، الأمر الذي أنعش آمال الناس بعهد جديد من الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير والمساواة والعدالة الاجتماعية..
لكن هذه الآمال لم تعش كثيرًا وهي ترى تحالف قوى الاستبداد القريب والبعيد تخوض معها معركة الفناء، وتطوّح بكل الجهود التي بذلت في سبيل بناء اليمن الجديد، لتحيله يمنًا أقدم من القديم، حيث لا دولة ولا قانون، وإنما مليشيا، هي السلطة والجيش، الأمن والقضاء، وهي كل شيء . مليشيا جاءت من مهملات التاريخ، لتعيد حقوق الإنسان اليمني إلى جيل ما قبل الصِّفر.