إنّ هناك خلافاً منذ وقت بعيد بين دعاة الوفرة والعلماء عما إذا كان فرط الاستهلاك في الدول الغنية يمثّل تهديداً خطيراً للبيئة العالمية أم لا.
مارك ساجـوف في مقالته عن حالة كوكبنا: هل نحن نستهلك أكثر من اللازم؟ وقع في خطأ حين أكدّ أنه لا أحد من الطرفين على صواب، وقد أساء بترويجه للفكرة الخطرة التي تزعم أن الإصلاحات التقنية سوف تحل مأزق الجنس البشري.
يزعم ساجوف أنّ القلق من استنفاذ مصادر الثروة الطبيعية ومن آثار استخدامها بالمعدلات الراهنة هو قلق في غير محله، وأنّ المبتكرات التقنية ستداوي أي مشكلات تنشأ عن ذلك، وهي وجهة نظر لا يشاركه فيها المجتمع العلمي بالتأكيد، فهناك، على سبيل المثال، تحذير علماء البيئة للبشرية، والذي جاء فيه أنّ الجنس البشري والعالم الطبيعي في طريقهما إلى الصدام، وأنّ الناس في البلدان المتقدمة ينبغي عليهم أن يخفضّوا استهلاكهم المفرط تخفيفاً كبيراً، إذا كنا نود أنّ نخفض الضغوط على المصادر الطبيعية وعلى البيئة العالمية.
وقد توصلــت أكاديمية العالم الثالث والأكاديميات الأمريكية والبريطانـية والفرنسية والألمانية والسويديـة والروسية والهندية مجتمعة إلى ما يلي: إذا استمرّ سكان العالم في استهلاك الوقود الأحفوري وغيره من الثروات الطبيعية بالمعدلات الحالية نفسها للدول المتقدمة وباستخدام التقنيات الراهنة، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من ضغوطنا التي لم يعد لها سند على المحيط الحيوي، كما أن النمو السكاني المتواصل يعرض البشرية لأخطار كبيرة، وفضلاً عن ذلك فإنه ليس من الحكمة أن نعتمد على العلم والتقنية وحدهما لحل مشكلات النمو السكاني السريع والفقر والاستهلاك المدّمر للثروات الطبيعية.
إن فرضية ساجوف إنما تقوم على سلسلة من المفاهيم الخاطئة، ومنها:
1- فرط الاستهلاك مجرد مسألة أخلاقية: إنه من الخطأ الاعتقاد أن البيئة الطبيعية تضع حدوداً مادية للنمو الاقتصادي، أو حسب صياغة ساجوف في نقطة أخرى فكرة أنّ الاستهلاك المتزايد سوف يؤدي حتماً إلى الندرة والنفاد، والتي تبدو ظاهرياً معقولة، هي فكرة خاطئة من حيث المبدأ وعلى مستوى الواقع.
فطالما المصادر الطبيعية محدودة، فمن الواضح أن الاستهلاك المتزايد سوف يؤدي حتماً إلى الندرة والنفاد.
صحيح أن هناك حالياً موارد ضخمة للغاية لكثير من الثروات المعدنية، بما فيها الحديد والفحم بَيْدَ أن الإجابة عن متى ستصبح هذه الموارد نادرة أو مستنفدة، لا تعتمد على كم المخزون من هذه الخامات بباطن الأرض فحسب، بل تعتمد أيضاً على معدل إنتاجها، وعلى قدرة المجتمعات على الإنفاق على استخراجها واستخدامها بالمعنى الاقتصادي والبيئي الصحيح.
يقول بول إرليك: إن هناك قيوداً اقتصادية وبيئية سوف تحد من الاستهلاك بالنسبة لمعظم الثروات الطبيعية، كما ستظل هناك كميات ملحوظة من هذه الثروات باقية في باطن الأرض.
2- مؤشرات الأسعار سوف تحذرنا من الكارثة: إن قدراً من الارتياح الذي يستشعره ساجوف ينبع من افتراضه الضمني أنّ السعر هو الشيء نفسه كالتكلفة، وأنّ مؤشرات الأسعار سوف تكون بالتالي بمثابة تحذير من أي مشكلات وشيكة، وهو افتراض غير صحيح، وقد أدت التفاعلات المتزايدة بين علماء البيئة وعلماء الاقتصاد البارزين إلى تبريره منذ وقت طويل.
إنّ التكاليف العرضية تُعدُّ سبباً رئيساً لعدم الاعتماد على مؤشرات الأسعار.
3- النمو الاقتصادي من شأنه إنقاذ البشرية: إن الزعم أن النمو الاقتصادي والرخاء علاج للتدهور البيئي زعم قابل للمناقشة، وهو يقوم إلى حد بعيد على منحنيات كوزنيتس، التي لوحظت في دراسة بعض أشكال التلوث.
صحيـح أن النمو قد ساعـد على تخفيف بعض أشكال التلوث الجوي والمائي.
بَيْدَ أن إنتاج الكثير من أهم الملوثات ومن بينها ثاني أكسيد الكربون، يظل في ارتفاع مع ازدياد الرخاء.