تعيش المنطقة العربية أجواء من الصراعات السياسية والاجتماعية والطائفية، وطغت على جزء من العالم العربي في السنوات الأخيرة حروب داخلية، وانقسامات سياسية، وتفكّك لبعض هيكليات الدول، وشروخ اجتماعية.
ونتيجة لذلك، أصيب جزء من العالم العربي المحيط بفلسطين بحالة من الصراعات السياسية الداخلية، واختلال الأمن والاستقرار الداخلي، ونشوء محاور إقليمية، واتساع دائرة الاستقطاب بين دول المنطقة.
وانعكست هذه الأزمات على القضية الفلسطينية، فتراجع الاهتمام بها، وزادت وتيرة الضغط على الفلسطينيين بهدف جذبهم نحو المحاور القائمة، وتعرّض الفلسطينيون لعقاب سياسي واقتصادي منها إغلاق المعابر، وتدمير الأنفاق، ورفض المصالحة، وملاحقة الدعم الاقتصادي.
وتأثرت حركة “حماس” بهذه التطورات، فاتُّهمت بالتدخل في الشؤون السياسية الداخلية، وبأعمال تمسّ الأمن والاستقرار، وباصطفاف مع محور ضدّ آخر، ودفعت الحركة نتيجة ذلك خسائر سياسية واقتصادية، وازداد عليها الحصار، وترافق ذلك مع حملة إعلامية للإساءة لـ”حماس” ودورها.
تعاملت “حماس” مع هذه المتغيرات بأسلوب مزجت فيه بين مرتكزات ثلاثة، هي:
1- التمسّك بالأهداف المبدئية والمشروع الأساسي لحركة “حماس”.
2- التقليل من الخسائر، ومحاولة حماية العلاقات المختلفة التي حققتها “حماس” طوال السنوات الماضية.
3- معالجة التوترات الناشئة، والحرص على إبقاء نوافذ الحوار والمصالحة قائمة.
وتنفيذاً لهذه المرتكزات، عملت “حماس” على مستويين:
المستوى الخارجي، حيث عملت على وقف التوتر ومعالجة الخلافات، وحسن إدارتها، ورفضت سياسة المحاور والاصطفافات السياسية والطائفية، وإبقاء التواصل قائماً مع جميع دول الأزمة، واستمرار اللقاءات، والتخفيف من التجاوب مع المطالب السياسية لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك لإصدار مواقف إعلامية تخدم أي طرف من أطراف الأزمة، وأكدت “حماس” على الابتعاد عن حالة الاشتباك الإقليمي الحاصلة، وأبقت على التواصل مع جميع الدول من أجل فلسطين والقدس ودعم المقاومة ومواجهة الاحتلال، ودعم انتفاضة القدس.
كما حرصت “حماس” على تفنيد الاتهامات التي تعرضت لها والرد عليها بحكمة، وامتصاص موجات الإساءة، وتمسّكت “حماس” بمطلبها الحصول على أدلة عن ما تُتهم به الحركة، وواصلت توسيع علاقاتها الدولية، وحاورت أطرافاً أوروبية وآسيوية فاعلة.
وعلى المستوى الداخلي، تمسكت “حماس” بإيجاد مناخ فلسطيني هادئ، وبحماية المشروع الفلسطيني والهوية والأولويات، فواصلت الحوار مع السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل، وأجرت محادثات لإتمام المصالحة، وطرحت فكرة تشكيل حكومة وحدة، واشتغلت من أجل حماية الوجود الفلسطيني في سورية ولبنان، وتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين في قطاع غزة.
سياسة حركة “حماس” هذه لقيت ارتياح عدد من الأطراف، لكنها قوبلت بضغط وسخط أطراف أخرى، سعت إلى أخذ حركة “حماس” لصالحها، خدمة لأهدافها الخاصة.
لكن “حماس” ترى نفسها – من خلال هذه المواقف – منسجمة مع نفسها ورؤيتها الإستراتيجية ومبادئها، وهي تشعر بشيء من الاطمئنان لأنها لم تتورط في معادلة المحاور والتجاذب.
في زمن الاختلافات والصراعات، ترى “حماس” نفسها تدور في دائرة الحكمة والهدوء، وحسن إدارة الأزمات، وهذا ثمن مكلف، لكنه أقل كلفة من الذهاب إلى دائرة الاقتتال والصراعات القائمة.