لم تكن حكومة الاحتلال بحاجة لشخصية على شاكلة “أفيغدور ليبرمان” لتعبر عن تطرفها، إذ إن سياسات حكومة نتنياهو في قتل الفلسطينيين, وقتل أمل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العودة إلى المفاوضات واضحة للعيان.
إلا أن انضمام ليبرمان هذه المرة للحكومة وزيراً للحرب، جعل من التشكيلة الجديدة توصف بـالحكومة الأكثر تطرفاً منذ نشأة دولة الاحتلال، وهو للمفارقة أمرٌ لم يرقْ لوزير الحرب السابق موشي يعلون.
“التطرف والعنصرية يهددان المجتمع الإسرائيلي ويتسللان إلى الجيش”، هكذا علق يعلون على تعيين ليبرمان، يوم الأربعاء الماضي، إثر اتفاق نتنياهو مع حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني المتطرف.
ورغم أن الفرق بين الوزيرين هو مستوى التطرف، حيث تاريخ كليهما حافل بالجرائم وقتل الفلسطينيين، إلا أن وصول ليبرمان هذه المرة ألقى بظلاله على الشارع الفلسطيني الذي يعتقد بأن الأراضي الفلسطينية لطالما كانت ساحة الاختبار لتوجهات حكومات الاحتلال المتعاقبة.
الفصائل الفلسطينية
من جانبها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن انضمام ليبرمان لحكومة الاحتلال وزيراً للجيش،”دليل واضح على ارتفاع وتيرة الفاشية في صفوف قادة الاحتلال”، مشددةً على أن “الرد على التعيين يكون باستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة التمسك بالحقوق وبالمقاومة طريق للعودة”.
أما حركة حماس فقد دعت على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري، المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه ارتفاع وتيرة العنصرية في المجتمع الإسرائيلي وفي حكومة الاحتلال.
وقال: إن “ليبرمان وجميع وزراء وقادة كيان الاحتلال الإسرائيلي مجرمون وقتلة، لكن تعيين ليبرمان وزيرًا للحرب، فهذا دليل واضح على أننا الآن أمام كيان عنصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
جدل صهيوني
أما في أوساط دولة الاحتلال، فقد أثار نبأ خلافة أفيغدور ليبرمان لموشي يعلون، عاصفة من التحليلات ووجهات النظر على طرفي النقيض، فبينما حذّرت فيه شخصيات سياسية إسرائيلية ممّا وصفتها “حماقة نتنياهو” المتمثلة أحدث مظاهرها بتوسيع ائتلافه الحكومي من خلال ضم زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المتطرّف إلى الحكومة، وتوليه منصب وزير الجيش، طالبت الشخصيات ذاتها حكومة تل أبيب بـ “النأي” بالجيش عن الخلافات القائمة بين نتنياهو ويعلون.
فالكاتب عاموس هرئيل، استعرض في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، تداعيات الخلاف بين نتنياهو ويعلون، ملمحاً إلى أن استقالة الأخير “جزء من خطة منظمة أحسن نتنياهو إحكام تفاصيلها، لتوسيع ائتلافه الحكومي مع “المعسكر الصهيوني” و”إسرائيل بيتنا”، ويأتي بليبرمان بديلاً عن يعلون”.
ومن جهته، ذكر المراسل العسكري بموقع “ويللا” الإخباري أمير تيفون، أن ليبرمان يدعم اتفاق سلام إقليمي، وفي الوقت نفسه يدعو إلى احتلال قطاع غزة، الذي عارضه في حرب غزة عام 2012 قبل أن يعود ويطالب به في الحرب الأخيرة 2014، كما يدعو إلى ترحيل جماعي للفلسطينيين.
وقال تيفونإن: “الغريب في تعيين ليبرمان أنه خدم في صفوف الجيش الإسرائيلي مدة عام واحد فقط، وخلال العقدين الأخيرين وجد نفسه منغمساً في عالم السياسة”، مستعرضاً قائمةً من المواقف السياسية الإشكالية له.
آخر هذه المواقف، كان إعلانه قبل شهر أنه لو كان وزيراً للحرب فإنه “سيمنح إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إنذارا لمدة 48 ساعة لتسليم جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزة في غزة”، وهو ما لاقى رفضاً في أوساط جهاز الأمن الإسرائيلي العام الشاباك والجيش الإسرائيلي.
إمكانية التصعيد
ودفع ضم ليبرمان إلى حكومة الاحتلال بالتأكيد على أن المنطقة ستشهد بيئة من التصعيد السياسي والعسكري سيقودها ليبرمان، الذي سيكون على رأس مركبات هذه البيئة، إذ إن انضمامه وحزبه للحكومة سيضعها تحت تأثير “حزب الليكود” الذي يضم الصقور، وحزب “البيت اليهودي” الذي يمثل المستوطنين، بالإضافة إلى “إسرائيل بيتنا” حزب ليبرمان.
تحالفٌ يضع قضية مواجهة المقاومة في غزة على رأس أولويات الحكومة، انطلاقاً من دعوات ليبرمان المتكررة إلى إسقاط حكم حركة حماس لغزة، فضلاً عن اعتقاد بعض المحللين في دولة الاحتلال بسعي الأخير للمساهمة بتهيئة الظروف أمام عودة دحلان لدائرة الأحداث وصولاً إلى التسلق إلى رئاسة السلطة.
إضافة إلى ذلك، فإن البيئة الدولية قد تساعد في الدفع بالتصعيد إلى المنطقة، انطلاقاً من كثرة القضايا التي تشغل اللاعبين السياسيين في المنطقة نأياً عما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي من احتماليات انفجار.
ليس على إطلاقه!
وعلى النقيض، فإن جملة من الظروف قد ترجّح كفة الهدوء مقابل بيئة التصعيد، حيث إن أنماط السلوك الفلسطينية تلعب دوراً مهماً في تقليص فرص التصعيد الصهيوني أو تبريرها، فالضفة الغربية وقطاع غزة لكل منهما طريقته في إشغال الاحتلال وجعله يدفع ثمن أي تصعيد محتمل.
كما أن خلافاً واضحاً بين المستوى السياسي والعسكري بشأن الملف الفلسطيني سواء تجاه غزة أو الضفة، سيجعل من الصعب على ليبرمان تمرير قرارات بالتصعيد في حال كانت هناك معارضة أو تحفظ من المؤسسة الأمنية.
وإن أضفنا إلى ذلك حالة الرمال المتحركة التي تشهدها المنطقة، فإن تخوف دولة الاحتلال من أن تسفر بعض التحولات الإقليمية عن تهديدات تجعل دولة الاحتلال تعيد النظر في أي توجه للتصعيد ضد غزة أو الضفة، أما الثابت فسيتجلى في واقع بيئة صنع القرار في دولة الاحتلال تبعاً لتطرف عقلية ليبرمان وحزبه.