الخبرات الخارجية للابن لها وقتها وهو صغير حيث تكون مرحلة بث المبادئ والقيم والأخلاق التي سيبني عليها تجاربه الشخصية
لو وضعت في عقلك أنك ستنجحين وسيكون أبناؤك أفضل مما تتمنين مع الأخذ بالأسباب ستحصلين على ما ترغبين
استوقفني قائلاً: أمي تريد لقاءك يا دكتورة لتناقش معك بعض المواضيع الخاصة بعلاقتها بنا كأسرة وغيرها.
قلت ضاحكة: ومن أبلغها عني؟
قال مازحاً: التغيير الذي حدث في شخصي من يوم جلست مع حضرتك، ولقد استأذنت إدارة المدرسة في حضورها.
قلت: وأنا في الانتظار على الرحب والسعة.
وفي الصباح دخلت سيدة شابة برفقة ابنها بوجه متطلع طموح، رحبت بها وانصرف الابن تاركها معي.
قلت بعد الترحاب بها والتحية: من الواضح أنك طموحة تتطلعين لتربية أولادك تربية سليمة راقية.
قالت: أبحث وأسأل ولا فائدة ولا نتيجة.
قلت: تفاءلي لأن ما في اعتقادنا غالباً هو ما يحدث في الواقع.
قالت: كيف؟
قلت: أنت حينما تنشغلين بالبحث عن شيء بشدة لو مر عليك شيء مشابه له فماذا سيحدث لك؟
قالت: يلفت انتباهي فوراً.
قلت: فما بالك بما هو كائن في خاطرك؟!
قالت: ممكن توضيح أكثر.
قلت: أي لو أنت في خاطرك مثلاً فستان بلون معين، فكلما مر عليك لون مقارب أو مشابه له يلفت نظرك، أما إذا وجدته هو ذاته فستتشبثين به على الفور، مع أنه قد يكون هناك ما هو أفضل منه بكثير، لكن لا يلفت انتباهنا إلا ما وضعناه في خاطرنا وعقلنا.
قالت: وما علاقة ذلك؟
قلت: لو أنك برمجت عقلك وزرعت معتقداً أنه لا فائدة مهما فعلتِ وشعرتِ بالفشل وعدم الوصول لمبتغاكِ في تربية أبنائك هو الأساس؛ فستجدين هذا بالفعل؛ أي ستكونين مثل البوصلة تجذب ما وضعته في عقلك، أما لو وضعت أنك ستنجحين، وسيكون أبناؤك أفضل مما تتمنين مع الأخذ بالأسباب ستحصلين على ما تتمنين، وهذا أكبر سبب جاء بك إلى هنا.
قالت: بالفعل يا دكتورة هذه أمنيتي.
قلت: إذاً بقي أن تزرعي هذه القناعة داخلك.
قالت: حسناً، لكن كيف أزرعها أحياناً والإخفاق يحيط بابني أو ابنتي من كل جانب؟
قلت: أحياناً نحكم عليهم من منظورنا المثالي المتكامل لا منظور يكون نفسه ويطورها.
قالت: لدي ابن وابنة غير ابني هذا، أشعر كثيراً أنني غير موفقة في حمايتهم من الوقوع في الأخطاء والإخفاقات والتجارب الفاشلة.
قلت: كيف؟
قالت: لا يسمعون كلامي ونصيحتي أنا وأبيهم.
قلت: وهل فعل والداكما معكما هذا؟
قالت: هذا هو، نحن لا نريدهم أن يقعوا فيما وقعنا نحن فيه.
قلت: نعم.. تريدين أن يبدأ أولادك من حيث ما انتهيتما.
قالت: وكيف نوازن إذاً؟
قلت: الخبرات الخارجية لها وقتها وهو صغير؛ حيث تكون مرحلة بث المبادئ والقيم والأخلاق التي سيبني عليها تجاربه الشخصية فيما بعد، ونعطيه من تجاربنا الكثير، ثم يبدأ تدريجياً الشاب والفتاة من سن الطفولة يستغني عن هذه القدم الثالثة الإضافية في حياته الاعتمادية حتى يصير بشكل استقلالي.
قالت: بالفعل؛ لذا هؤلاء دائماً يرددون: لا تعاملونا على أننا أطفال وصغار.
قلت: نعم، وهذه مرحلة التجارب والخبرات الداخلية، هم يريدون التخلي عن القدم الاعتمادية لا التخلي عنكما، ومن هنا يأتي سوء الفهم دائماً بين الآباء والأبناء في الوقت الذي يجب أن تفرحوا بثمراتكم التي أينعت وأصبحت قادرة على النجاح بنفسها لتتمتعوا وأنتم تشاهدونها، فإن لم تفعلوا هذا فأنتم تعدمونها ليخرجوا عديمي الخبرات تائهين سطحيين.
قالت: هل أفهم من كلامك أنه علينا الصمت تماماً؟
قلت: لا بالطبع.. إن وجدتما (الأب والأم) نقصاً واضحاً في الخبرة أو تهوراً، عليكما نصحهم فقط ثم تنبيههم للعواقب وتحمل النتائج دون شماتة أو توعد مقرون يربكهم أكثر، فقمة الأبوة أن تشاركهم إخفاقاتهم دون تأنيب.
قالت: ليس كل التجارب نتركها للأبناء هكذا.
قلت: نعم.. لكن ننسحب تدريجياً من قراراتهم حتى يكن وجودنا في حياتهم استشارياً لا تسلطياً.
وهنا طرق الباب ودخل قائلاً: ألا يكفي هذا يا أمي؟
قالت: نعم بالفعل وهمت بالخروج.
فقلت: وما جئتي من أجله؟
قالت: شكراً لك، حقيقة لقد وضعت يدي على مواطن خطئي.