المراقب لمظاهر الحياة العامة بغينا بيساو لن يخطر بباله أن حوالي نصف سكان هذا البلد الغرب إفريقي يدينون دين الإسلام، فالحضور الطاغي للمظاهر المسيحية كانتشار الكنائس وتعظيم الاحتفال بالأعياد المسيحية و قوة نفوذ الكنسية مقابل ضعف انتشار المساجد ومظاهر الحجاب كلها عوامل تحجب حقيقة التعداد الحقيقي للمسلمين.
خضعت غينيا بيساو للاستعمار البرتغالي لفترة زمنية فتعرضت لموجة من الاستعمار ركزت على طمس هوية البلد وسلخه من جذوره الإفريقية دينيا و ثقافيا كما سعت لغرس مفاهيم كنسية متعصبة معادية للدين الإسلامي ولحضارته وتراثه.
وتعتبر البرتغال من أوائل الدول الأوروبية التي قامت برعاية الأنشطة التنصيرية في إفريقيا عبر الحركة الاستكشافية في الفترة ما بين القرنين الخامس عشر و السادس، و كانت مناطق افريقية من بينها غينيا بيساو وجزر الرأس و البرتغال.
إقبال كبير
و يقبل الكثير من سكان غينيا بيساو في السنوات الأخيرة على اعتناق الإسلام بشكل كبير، حيث تشير الإحصائيات إلي معدلات زيادة كبيرة في مستوي الإقبال على الإسلام، رغم الجهود الحالية للكنسية و تاريخها العتيد في نشر التنصير.
ومع أن الإسلام يعتبر الديانة الأكثر انتشارا بالبلاد (حوالي 50%) وتتبعه المسيحية ثم الوثنية فإن السنوات الأخيرة سجلت ارتفاعا ملحوظا في نسبة الإقبال عليه.
وتلعب بعض المنظمات الإسلامية الخيرية جهودا دعوية وتعليمية وإنسانية لتعريف السكان بالإسلام وتصحيح المفاهيم الأساسية لدي المهتدين الجدد وتثبيتهم علي الإسلام، و لخلق مناخ جديد يتكيف من خلاله هؤلاء المهتدين على بيئة جديدة يحدد الإسلام نمطها و نظامها.
وتتميز على الإقبال على الإسلام بالدخول الجماعي للإسلام بالمدن و القرى، فهناك اقبال واسع على اعتناق الإسلام من قبل كافة شرائح المختلفة المجتمع وقبائله المتعددة.
وترجع دوافع إقبال المعتنقين للإسلام للزيارات الدعوية التي تقوم بها بعض المؤسسات الإسلامية وللاحتكاك بالمسلمين الملتزمين والإعجاب بسلوكهم، كما هناك قبائل كانت بعيدة من الإسلام بسبب ارتباطها بالوثنية من جهة وبالمسيحية من جهة أخري بدأت تقبل على الإسلام بشكل كبير في الآونة الأخيرة كقبيلة “بالانتي” التي تمثل أزيد من 40% من سكان البلاد”.
ضعف الإمكانات
إلا أن المعتنقين الجدد للإسلام يبقون في حاجة ماسة لمؤسسات إسلامية تعلمهم الإسلام و تدرس أبائهم القرآن و اللغة العربية فظروف المسلمين بغينيا بيساو و المتمثلة بالضعف التنظيمي و ارتفاع معدلات الفقر و الجهل في صفوف أبنائهم لا تسمح لهم بتلبية احتياجات المسلمين الجدد.
وتبدوا الجهود التي تبذلها المنظمات الإسلامية الدولية ببيساو مهمة و مؤثرة في تشجيع الناس على الإقبال في دخول الإسلام، غير أنها تبقي محدودة، مقارنة بالنشاط المكثف الذي تقوم به الجمعيات التنصيرية و التي يعود حضورها إلي أزيد من خمسة قرون من الزمن.
وتضخ الجمعيات التنصيرية أموالا هائلة في المشاريع التعليمية و الصحية و الاجتماعية كصرف المنح الطلابية و بناء المؤسسات التعليمية و رعاية المستوصفات و المستشفيات في عموم البلاد تقريبا.
وشهدت البلاد في الأعوام الأخيرة إشهار قيادات سياسية كبيرة لإسلامها من بينها كل من الرئيس الراحل للبلاد “كومبا يالا” الذي يعتبر أبرز متصدري المشهد السياسي حاليا و المنتمي لقبيلة “بالانتي”، و الوزير السابق “إدموند إفورا”.
و تقع غينيا بيساو بغرب القارة الإفريقية على مساحة تقدر ب 36 ألف كلم مربع و يتجاوز سكانها 1.5 مليون نسمة، و تحدها كل من السنغال و غينيا.
و ارتبط اسم البلاد منذ استقلالها عن البرتغال عام 1974 بالانقلابات و الإضرابات السياسية و الأمنية التي أثّرت على استقرارها وأمنها، وساهمت في تحولها إلى أكبر مناطق تهريب المخدرات في غرب إفريقيا.
(*) باحث وكاتب مهتم بإفريقيا
المصدر: “إسلام أون لاين”