“مع نمو شعور الانتماء للمجتمع الذي ولدت ونشأت فيه، ووجود العديد من التحديات في الحياة الاجتماعية؛ كان لا بد من أخذ زمام المبادرة للقيام ببعض الأنشطة والأعمال في المجتمع الإيطالي”.. بهذه الكلمات، أكدت الناشطة المسلمة الإيطالية نبراس بريغش، العضو بالعديد من المؤسسات الإسلامية الإيطالية، في حوار مع “المجتمع”، أن استشعار الانتماء الوطني، واستحضار التحديات المجتمعية المحيطة سببان كافيان لتحفيز أي مسلمة لأخذ زمام المبادرة والقيام بدور إيجابي في المجتمع.
مارست نبراس بريغش دوراً إيجابياً في العديد من المؤسسات الإسلامية الشبابية والنسائية والدعوية الإيطالية، فقد ساهمت في تأسيس جمعية الشباب المسلم الإيطالي، وتأسيس جمعية المرأة المسلمة الإيطالية، كما كان لها مشاركة فعالة في تأسيس الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين (والمرشدات)، وفي ذات الوقت تمثل الجمعية أمام الحكومة الإيطالية.
وفي مساحة التعريف بالإسلام، كان لها حضور واسع في وسائل الإعلامية الإيطالية للحديث عن الإسلام والرد على الشبهات التي تثور حوله، كما نظمت وشاركت في الكثير من الندوات واللقاءات المجتمعية.
- في بداية حوارنا، نرجو تعريف أنفسكم للقراء تعريفاً إنسانياً واجتماعياً ومهنياً.
– نبراس بريغش، من مواليد إيطاليا عام 1976م، من أبوين سوريين، أمّ لابنتين أعمارهما 17 و19 سنة، أنهيت مراحل التعليم قبل الجامعي بمدينة ترينتو (Trento) في شمال إيطاليا.
درست ثلاث سنوات بالمعهد الأوربي للعلوم الإنسانية في فرنسا، ثم أكملت دراستي وحصلت على ليسانس في اللغة العربية والحضارة والأدب العربي من الجامعة الحكومية (لوميير) في ليون بفرنسا، بعدها حصلت على ماجستير “لغات وثقافات آسيا وأفريقيا الشمالية” من جامعة البندقية بامتياز مع مرتبة الشرف، إضافةً لما سبق حصلت على دورات وشهادات أخرى في مجال التعليم والترجمة.
أعمل حالياً في المدارس الحكومية الإيطالية كمدرسة لغة إيطالية للطلاب الأجانب، وكوسيط ثقافي وكمترجمة من وإلى اللغة الإيطالية والعربية والفرنسية، وكمدرسة لغة عربية لغير الناطقين بها (للجيل الثاني من المسلمين والإيطاليين الراغبين بتعلم اللغة العربية).
- قبل الحديث عن واقع المشاركة المجتمعية للمسلمات الناشطات في إيطاليا، نود التعرف واقع المرأة بشكل عام سواء المسلمة أو غيرها فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية والتحديات التي تواجهها.
– المرأة الإيطالية عموماً وإن حصلت مبدئياً منذ حوالي أربعين سنة على نفس حقوق الرجال؛ فإنها تعاني من مثل ما تعانيه المرأة في المجتمعات الغربية وغير الغربية عموماً، مثل صعوبة الحصول على عمل، خاصة عندما تكون في فترة عمر الإنجاب، والتمييز في الحقوق التي تخص فرص العمل والتوفيق بين العمل والأمومة، بالإضافة إلى التمييز في الرواتب، ففي إيطاليا رغم تأديتهن نفس العمل وبنفس الدرجة، فإن رواتب النساء في إيطاليا أقل من رواتب الرجال في بعض الأحيان.
كما تعاني المرأة الإيطالية من ظاهرة العنف ضدها وخاصة في المحيط الأسري ولانتشار هذه الظاهرة، ففي عام ٢٠١٦م قتلت في إيطاليا ١٢٠ امرأة من زوجها أو عشيقها، و٧ ملايين من النساء في إيطاليا تعرضن للعنف خلال حياتهن، بالإضافة إلى الظاهرة المقلقة لاستخدام جسد المرأة للأهداف التجارية المعروفة وتجارة البغاء.
أما المرأة المسلمة فإنها تعاني أحياناً من التمييز بسبب انتمائها الديني وحجابها، في الموقع الإلكتروني المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة efomw.eu هناك أبحاث حديثة قامت بها مؤسسات أوروبية ناشطة في مجال ضد العنصرية متل ENAR تحوي إحصائيات مقلقة حول وقائع تمييز و”إسلاموفوبيا” تعاني منها المرأة المسلمة في أوروبا عموماً وفي إيطاليا خاصة.
من التحديات التي تواجهها المرأة المسلمة في أوروبا وإيطاليا الحصول على التكوين المناسب كي لا تخسر الموروث الديني والثقافي، وكي تؤدي الدور المنوط بها لإيصال الصورة الصحيحة عن الإسلام والرد على الشبهات التي تدور حول الإسلام وحول المرأة المسلمة بشكل خاص.
- وماذا عن المشاركة المجتمعية للمرأة المسلمة في المجتمع الإيطالي؟ وما تقييكم لهذه المشاركة؟
– هناك تفاوت بالنسبة للمشاركة المجتمعية للمرأة، هناك نماذج طيبة ونشيطة وفاعلة، وبنفس الوقت هناك بعض الصعوبات والعقبات أمام المرأة المسلمة من قبل بعض المؤسسات الإسلامية لجهلها بدور المرأة في كل المستويات وضرورة فسح المجال أمامها.
ولذا يجب تكثيف النشاط التكويني الثقافي والديني للمرأة المسلمة بشكل علمي وأكاديمي ما أمكن، وذلك مثلاً من خلال الانتساب إلى الجامعات والكليات التي تساهم برفع المستوى المعرفي للمرأة المسلمة مثل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية حيث يمكن الدراسة أيضاً بالمراسلة إن تعذرت الإقامة في المدن التي فيها فروع لهذه المؤسسة.
أما المجتمع الإيطالي ومؤسساته، فلا بد أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المكون الجديد في المجتمع الإيطالي من الأجانب عموماً والمسلمين منهم كأقلية دينية معتبرة، وأن يتقبل خصوصيات المرأة المسلمة وخاصة بما يتعلق بالحجاب، ولا يخفى الواجب المناط بالمرأة المسلمة نفسها لتقتحم الصعوبات وتتصدر النشاط لا تنتظر من يدعوها إليه.
ورغم ذلك تتواجد المرأة المسلمة في كثير من المجالات التطوعية والاجتماعية والثقافية، وخاصة مع نشوء الجيل الثاني ووجود نماذج طيبة من أصحاب الشهادات والتخصصات على مستوى الجامعات الإيطالية وتؤدي دوراً مهماً في الدعوة والتعريف بالإسلام باللغة الإيطالية فهي لغتهم الأم، مع دور بارز لكثير من النساء داخل المؤسسات الإسلامية في تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم.
- كيف بدأتم التفكير في المشاركة المجتمعية، وما الأدوار التي قمتم بها؟
– مع نمو الشعور بالانتماء للمجتمع الذي ولدت ونشأت فيه، ومع وجود العديد من التحديات في الحياة الاجتماعية؛ كان لا بد من أخذ المبادرة في القيام ببعض الأنشطة والأعمال.
فعلى مستوى الاهتمام الأسري: فعندما دخلت ابنتي إلى المدرسة الابتدائية تقدمت للمشاركة في انتخاب ممثل أولياء الطلبة فتم اختياري لهذه المهمة.
بينما على مستوى التعاطي مع التحديات المجتمعية، ومع نمو وتكاثر أعداد الأجانب في إيطاليا ابتداء من التسعينيات من القرن الماضي، ومن بينهم نسبة كبيرة من المسلمين (أصبح عددهم في إيطاليا في الوقت الحاضر تقريباً 2.5 مليون نسمة)؛ أصبح من الواجب وجود وتكوين من يقوم بمهمة الوسيط الاجتماعي والثقافي واللغوي فاخترت التخصص في هذا المجال.
- هل يمكنكم إلقاء الضوء على الإنجازات والنجاحات التي تحققت بلغة الأرقام والتحليل وضرب أمثلة عملية؟
– في مجال العمل الشبابي: فمن الإنجازات التي شاركت فيها المساهمة في تكوين عمل شبابي منظم من خلال بعض الجمعيات ابتداء من التسعينيات من القرن الماضي، فساهمت في تأسيس جمعية الشباب المسلم الإيطالي، وبفضل الله تعالى ازدادت المشاركة الفعالة للفتيات في جمعية الشباب المسلم الإيطالي؛ مما أثمر أن تكون رئيسة جمعية الشباب المسلم الإيطالي اليوم إحدى الفتيات من الجيل الثاني.
وفي مجال العمل النسائي: فقد ساهمت فيها المشاركة بتأسيس جمعية المرأة المسلمة الإيطالية التي تأسست في عام 2001م، والتي تسعى للنهوض بمستوى المرأة المسلمة دعوياً وثقافياً.
بينما في مجال الدعوة والإرشاد: فقد شاركت مشاركة فعالة في تأسيس الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين (والمرشدات)، التي تسعى للنهوض بمستوى من يتصدر للإمامة، والإرشاد والتعليم من الجنسين؛ فالحاجة ماسة جداً لتكوينهم التكوين الخاص كونهم يقومون بهذه المهمة في مجتمع غربي علماني وبين مسلمين يعيشون في هذه الأجواء وشبابه وفتياته تحت تأثير الثقافة العلمانية المادية التي في جوانب منها إباحية أيضاً، وعلى سبيل المثال، كانت آخر دورة في هذا المجال موضوعها “ضوابط الإفتاء في فقه الأقليات”، كما أمثل هذه الجمعية بخصوص العلاقة مع الحكومة الإيطالية بخصوص أوضاع المرشدين والمرشدات والأئمة عامة وللسعي للحصول على الاعتراف الرسمي بحقوق المسلمين بشكل عام.
وفي مساحة التعريف بالإسلام: فقد قمت بالعديد من الأنشطة مثل تنظيم المحاضرات وهي كثيرة جداً، بجانب المداخلات الإعلامية في الراديو والتلفزيون، وبالإضافة للمقابلات الصحفية مع وسائل الإعلام المتنوعة، وهذا ليس للحديث فقط عن دور المرأة ومكانتها في الإسلام، ولكن أيضًا لدحض الشبهات الكثيرة التي تدور حول هذا الموضوع، بل للحديث عن مبادئ الإسلام وقيمه ونظرته للحياة، فعلى سبيل المثال كانت آخر محاضرة قمت بها حول حقوق الإنسان في الإسلام في جامعة بيزارو الإيطالية، هذا بالإضافة لمجالات الحوار والتعاون مع الجمعيات النسوية الإيطالية بمختلف مشاربها وتوجهاتها مما كان له الأثر الكبير في توعية المجتمع الإيطالي.
- ما أبرز العقبات والتحديات التي واجهتكم أثناء دوركم المجتمعي؟ وكيف تغلبتم على بعضها؟ وما العقبات التي لم تستطيعوا التغلب عليها، وأسباب ذلك؟
– العقبات والتحديات التي واجهتنا وتواجهنا كثيرة خاصة أننا نعيش حقبة من الزمن لا تخفى عليكم صعوبتها وخطورتها بالنسبة للشعوب كافة وللمتدينين أتباع الأديان منهم والمسلمين خاصة.
وهذه التحديات منها العامة ومنها ما يتعلق بالمسلمين خاصة.
فأبرز التحديات العامة:
1- انتشار ثقافة الاستهتار بالقيم الدينية والأخلاقية عند الكثيرين مسلمين وغير مسلمين، والسعي وراء المادة والمصالح الشخصية.
2- الجهل بالإسلام ومبادئه السامية وقيمه العظيمة، أيضاً هذا بين المسلمين وغير المسلمين. فكم من المسلمين كان سبباً في إثارة الحقد والكراهية للإسلام والمسلمين، دون أن نعمم طبعاً لأنه بالمقابل كم من المسلمين كانوا سبب هداية لغير المسلمين.
3- خطورة الذوبان التي يتعرض لها أبناء المسلمين.
بينما أهم الصعوبات الخاصة:
1- عدم وجود اعتراف رسمي حتى الآن بحقوق المسلمين، فنحن مواطنون إيطاليون ديننا الإسلام؛ مما يسبب صعوبات كثيرة، الخاص منها بالمرأة وهو صعوبة التزامها بالحجاب في أماكن العمل لضيق أفق كثير من أرباب العمل.
2- ضعف الناحية المادية عند الكثيرين وعند المراكز الإسلامية مما يعرقل بعض المشاريع التوعوية.
- بناءً على خبراتكم العملية السابقة؛ ما أبرز توصياتكم المستقبلية التي تنصحون بها الناشطات المسلمات والمؤسسات المعنية للأخذ بها لتحقيق أداء أفضل لدور المرأة المسلمة المجتمعي في إيطاليا؟
– منه ما أشرت إليه سابقاً، وهو رفع المستوى المعرفي والثقافي للمرأة المسلمة سواء من الناحية الدينية العامة أو الشرعية والعلمية، وهذا لا يكون إلا بتضافر جهود جميع المشاركين في العمل الدعوي والاجتماعي من أولياء الأمور والمراكز الإسلامية.
ولا يخفى علينا جميعاً دور الإعلام في تسهيل وصول المعلومة بشكل صحيح وفعال وسريع إذا كان بأيدي أمينة وخبيرة، لذلك أتمنى أن ننهض بأنفسنا في هذا المجال، ولعل ممن يقرأ هذه الأسطر يساهم في مساعدتنا عملياً ومادياً في هذا المجال.
ومنها إتقان اللغة الإيطالية؛ فهي لغة التواصل مع المجتمع، وهي التي تعرفنا على ما يجري حولنا، بالإضافة لأهمية اللغة كواسطة للدخول إلى أعماق ثقافة المجتمع عموماً، أقول هذا لأن الكثير من الأزواج يمنعون زوجاتهم من تعلم اللغة المحلية بحجة عدم الحاجة لها أو لأنهم يخافون من الاختلاط أو غير ذلك، وكذلك لأن الكثير من النساء لا تضحي بالوقت والجهد لتعلم اللغة المحلية بشكل جيد.