تصريحات ودودة متبادلة، أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير على هامش انعقاد الدورة الثانية للجنة الرئاسية المصرية السودانية المشتركة الخميس 25 أكتوبر الجاري، يرى مراقبون تحدثوا إلى “المجتمع” أنها دواء مر يجب أن يأخذه الطرفان، ضمن خطوة تكتيكية للمرحلة الحالية ولا يوجد ما يدعمها على المستوى الإستراتيجي في ظل تقلبات الأجواء السياسية والاقتصادية في مصر والسودان والمصالح التي تصالحت لظروف مشتركة في الوقت الحالي.
بروتوكولية فقط
من جانبه، يؤكد أحمد سراج الدين، الخبير في العلاقات المصرية السودانية، في حديث لـ”المجتمع”، أن الزيارة الأخيرة للسيسي كانت بروتوكولية ليس أكثر فهي مقررة سابقاً، لختام أعمال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين التي يرأسها رئيسا البلدين في الغالب، بينما كانت الزيارة التي سبقتها في يوليو الماضي هي الأهم للسيسي تحديداً؛ لأنه كان يعول عليها في تحقيق مكسب سياسي من خلال مشاركته في حفل توقيع اتفاق المصالحة الذي كانت ترعاه الخرطوم بين الحكومة والمعارضة في جنوب السودان، ولكن المفاوضات فشلت في آخر لحظة وتم تأجيل التوقيع الذي جرى بالفعل بعد رحيل السيسي.
ويضيف سراج الدين أن النظامين السوادني والمصري في أزمة سياسية واقتصادية، فالبشير يواجه أزمة اقتصادية طاحنة منذ أشهر كادت تقضي على حكومته، وكل المحاولات والمسكنات التي قام بها حتى الآن لم تقدم حلولاً حقيقية لإنهاء الأزمة التي قضت على العملة المحلية، وهو ما يحدث في مصر وإن كان بشكل أقل.
ومن الناحية السياسية، فإن البشير يواجه ضغوطاً دولية متواصلة وعقوبات أمريكية عليه وعلى حكومته، وفي المقابل يعاني السيسي من أزمة سياسية داخلية مع معارضيه، وأزمة خارجية باعتباره أحد أكثر الأنظمة الدموية في العالم.
وطبقاً لسراج الدين، فإن البشير رجل يتفوق في لعبة التوازنات السياسية بشكل كبير، ولذلك فإن حرصه على العلاقات مع القاهرة لها أهمية لديه، خاصة أن القاهرة بوابة مهمة له في تخفيف الضغط الدولي والأمريكي ضده، وهو ما يحاول السيسي القيام به ولكن يبدو أن السودان ليس لديه ما يقدمه لأمريكا التي مازالت تصر على فرض عقوبات ضد نظام البشير، كما أن البشير يعتبر تأمين حدوده الشمالية مع مصر مكسباً كبيراً في ظل اتساع حدوده مع عدد من الدول؛ وبالتالي فمعظمها تمثل حدوداً متوترة.
إلا أن الأهم من ذلك كما يرى سراج الدين أن البشير لم يقدم تنازلاً فيما يتعلق بأهم ملفين لديه مع القاهرة، وهما حلايب وشلاتين وسد النهضة، ففي الملف الأول تم مناقشة الموضوع في اللجنة المشتركة، ولم يتوصل الطرفان لحلول، وهي النتيجة التي يسعى إليها الطرفان، فالبشير، والسيسي يريدان إبقاء الوضع على ما هو عليه وعدم تحريك القضية في التحكيم الدولي لأسباب متعلقة بكل طرف.
من جانب الطرف المصري، فإن التحكيم الدولي سوف يقضي بأحقية المثلث للجانب السوداني، وهو ما لم توافق عليه مصر؛ نظراً لأهمية موقع المثلث في البحر الأحمر، وعلى الجانب السوداني فإنه يريد أن تظل القضية تحتمل التسخين من فترة لأخرى، حيث يستغلها النظام السوداني كورقة ضغط على الجانب المصري من جانب، ومن جانب آخر فهي تحقق له مكاسب سياسية داخلية في إطار حملته ودفاعه عن الأرض السودانية المغتصبة، وفي حال عودة المثلث للسودان فلن يجد هذه الفرصة في مكان آخر.
وفيما يتعلق بسد النهضة، فإن السودان بحسب سراج الدين مازال على موقفه الداعم لإثيوبيا، وهو موقف ثابت باستثناء الفترة التي حكم فيها د. محمد مرسي، حيث تناغم موقف الخرطوم مع الجانب المصري تحرجاً من الرئيس محمد مرسي الذي كان يتخذ موقفاً صلباً من السد، وهو الأمر الذي اختلف مع السيسي الذي وقع على تفاهمات مع الجانب الإثيوبي منحتهم الحق في إنشاء السد، وبالتالي فالسودانيون لن يكونوا أكثر حرصاً على المصالح المصرية من المصريين أنفسهم.
في الأخير، فإن العلاقة بين السيسي، والبشير كما يقول الخبير في العلاقات المصرية السودانية، أشبه بعلاقة الدواء المر لكلا النظامين، الذي بات عليهما تناوله لتخفيف آلامها الخاصة، مع الوضع في الاعتبار الدور الذي مارسه رئيس المخابرات المصرية عباس كامل منذ تولي إدارة هذا الملف، الذي رفع شعار تهدئة الحدود الساخنة سواء من الناحية الشرقية مع “حماس”، أو من الناحية الجنوبية مع السودان، وفي كلاهما لم تقدم مصر شيئاً مقابل ما حصلت عليه بتهدئة هذه الحدود الساخنة.
ترضية وترقب
حسين عبدالقادر، القيادي بحزب الحرية والعدالة، يرى في حديث لـ”المجتمع”، أنه من حيث المبدأ فالعلاقة بين مصر والسودان قديمة أزلية لا ترتبط بنظام، ونريد لها الاستمرارية والنماء، حتى تظل مصر والسودان قلباً واحداً مشتركاً في الشرايين والأوردة.
لكنه يرى أن التقارب الحالي وليد ترضية السودان بعد مطالباتها المتكررة من عام 1958م حتى الآن بحقها في حلايب وشلاتين تزايد بعد تفريط النظام الحالي في كل شيء، فما المانع؟ وبسبب الحاجة الملحة لتضافر الجهود بعد تمرير سد النهضة والبدء الفعلي في مشكلات المياه وضعف الشريان الأساسي للحياة في مصر، ويرتبط هذا أيضاً بمشروع الربط الكهربائي الحالي بعد تأييد السودان لمشروع السد لحاجته للكهرباء.
المصالح تصالحت كذلك بين مصر والسودان، بسبب –والكلام لعبد القادر- بناء ميناء على البحر الأحمر في بادرة للتعاون بين السودان وتركيا وخشية النظام المصري من التقارب بين الخرطوم وأنقرة.
السياسي المصري الذي يرى أن ما حدث في مصر في 3 يوليو 2013 انقلاباً عسكرياً يؤكد أن هذا التقارب شكلي سطحي لتجميل وجه “الانقلاب”، الذي يعتقد أنه فشل في كل مشروعاته الداخلية وفشل في تأمين حياة كريمة لمواطنيه، في كل المجالات، بداية من الحرية إلى لقمة العيش والعمل الكريم، وبالتالي لن يستطيع دعم السودان فيما فشل فيه داخلياً، واصفاً ما يجرى بأنه بحث عن اتفاقات هزيلة ضعيفة بعد ثماني عشرة زيارة متبادلة خلال وقت قصير.
إشارات رسمية
الإشارة إلى ضرورة التصالح بعد فترة التأزم والتراشق كانت حاضرة في خطاب الجانبين المصري والسوداني، حيث حرص الطرفان على الإشادة بالتطورات الإيجابية التي شهدتها تلك العلاقات خلال الفترة الأخيرة، والتأكيد على أن اللقاء مؤشر مهم للخط الصاعد في العلاقات الثنائية والإرادة السياسية المتبادلة لتحقيق مصالح شعبي وادى النيل، نحو الانطلاق بتلك العلاقات لآفاق أرحب ومجالات أوسع للتعاون البناء والمثمر، مع تأكيد الثقة الآخذة في التنامي بين البلدين، بحسب البيانات الرسمية من البلدين.
المشهد من حيث الشكل إيجابي، بحسب مراقبين موالين للنظام المصري، فالرئيس السوداني عمر البشير كان على رأس مستقبلي الرئيس المصري لدى وصوله مطار الخرطوم، وعقدا الرئيسان جلسة مباحثات ثنائية، تلاها اجتماع اللجنة الرئاسية المصرية السودانية المشتركة، صدرت عنهما تصريحات متوازنة عما يربط الشعبين المصري والسوداني من مصير مشترك، وما يجمع البلدين من علاقات تاريخية وممتدة.
وفي هذا الإطار، أكد رمضان قرني، الخبير في الشؤون الأفريقية، عبر فضائية “dmc”، المحسوبة على النظام المصري، أن مصر والسودان في مرحلة بناء شراكة إستراتيجية، وتم تأسيس شكل جديد للعلاقات بين البلدين، في ظل وجود تهديدات أمنية مشتركة تواجه مصر والسودان خاصة من قبل الحدود الغربية.