شهدت القاهرة عدداً من الفاعليات احتفالاً باليوم العالمي للغة العربية منها الندوة التي عقدها مجمع اللغة العربية وندوة أخرى عقدتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة سيناء، وشارك فيهما لفيف من العلماء والخبراء المتخصصين في اللغة العربية والإعلاميين.
وطالب الخبراء والعلماء في الندوتين بضرورة إنشاء مجمع عربي للغة العربية يضم كل الدول العربية، ووجود إرادة سياسية عربية للتعريب الشامل للغة التعليم في كل الجامعات والمدارس وتنقية لغة الإعلام من الألفاظ غير العربية والعمل علي تجنب مخاطر مزاحمة اللغات الأجنبية للغة العربية علي أرضها من خلال مدارس اللغات الأجنبية.
ففي ندوة مجمع اللغة العربية قال الدكتور حسن الشافعي رئيس المجمع: إن المجمع سيواصل مسيرة العطاء من خلال أعضائه من علماء اللغة العربية وخبرائها وصيانة اللغة العربية وسط المخاطر التي تحيط بها بسبب إهمال ابنائها لها ومنافسة اللغات الأخرى لها علي أرضها، مشيراً إلي أن المجمع حقق انجازات كبيرة في مجال المعاجم وتعريب مصطلحات العلوم المختلفة وعقد الندوات والمؤتمرات التي تستهدف حماية العربية.
وحول قضية “تعريب العلوم في ضوء العبرنة الإسرائيلية” أوضح الدكتور السيد إسماعيل السروي (أستاذ الدراسات العبرية، كلية دار العلوم، جامعة المنيا) أن الصراع الثقافي، الذي يتوسل باللغة، قد اكتسب أهمية كبيرة في العصر الحديث وأدخل في المناهج السياسية، فالنظام العالمي الجديد، على سبيل المثال، يسعي إلي تحقيق فكرة العولمة و الاندماج وفرض النموذج الغربي على حياة الشعوب بما فيها شعوب الشرق الأوسط.
الغزو الثقافي المتستر بالسلام
واشار د. السروي إلي أن هذا النموذج هو أحد روافد الثقافة “الإسرائيلية”، وهو نموذج ثقافي غريب علي البيئة العربية الإسلامية. و إذا كانت ثقافة ما يسمي بالسلام سوف تحقق نوعاً من الغزو الثقافي الغربي للبيئة العربية الشرقية، فإن إسرائيل ستصبح قاعدة هذا الغزو داخل العالم العربي، ويتيح لها أن تلعب هذا الدور وجود أسس للتقارب بين الثقافة الإسرائيلية والثقافة الغربية.
وتابع قائلا : “وإذا كانت إسرائيل حريصة على خصوصيتها وتماسك ثقافتها وإحاطتها بسياج اللغة العبرية، من خلال فرض سيادتها على الحياة الإسرائيلية والعبرنة الشاملة إلى جانب التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، وإذا أضفنا إلي ذلك أن إسرائيل لا تخرج على النموذج الغربي في التفكير.
وأنها مثل الغرب، لا تستغني أبدا عن الصراع المستمد من تراثها ومن تاريخها المستمد من ارتباطها بالحضارة الغربية، حضارة الصراع والتحدي والاستجابة، فإن الأمر على هذا النحو جد خطير، ذلك بأننا لا نستطيع المواجهة بثقافة عربية مخلخلة، أنتجها الانتقاص من السيادة الكاملة للغة العربية في وطنها، وإهمالها وغفلة أهلها عنها “.
وشدد علي ان ما يجب علينا أن نعيه ونحتاط له إزاء إصرار الكيان الإسرائيلي على العبرنة الشاملة أن كثرة التداخل بين اللغة الأجنبية واللغة القومية يخلق ما يسمي بالثنائية اللغوية، التي ينجم عنها مع مرور الزمن اضطراب اللغة القومية وتغيرها بشكل يحطم الفهم المتبادل في المجتمع، فيكون ذلك سبباً لاضطراب الفرد نفسه من الناحية الثقافية، ومن ثم سببا لتذبذبه من الناحية الفكرية.
وحذر من النيل من سيادة اللغة العربية في وطنها، من خلال تنامي اللغات الأجنبية على حسابها، و تهيئة أسباب ضعفها، يؤدي إلي اضطراب ثقافي، ينتج عنه توقف الإبداع و الابتكار، وهذا الأمر لا دواء له إلا تحقيق التوحد اللغوي، أي أن تسود اللغة العربية في وطنها باعتبارها اللغة القومية الوحيدة.
إجراءات مطلوبة بشكل عاجل
وطالب د. السروي بعدد من الإجراءات العاجلة لتستعيد اللغة العربية عافيتها وعالميتها منها :
أولاً- توفر الإرادة السياسية لدى الزعماء العرب لاتخاذ قرار التعريب الشامل، بحيث تتربع اللغة العربية على العرش في كل نواحي الحياة في الوطن العربي من أقصاه إلي أقصاه، باعتبارها اللغة القومية الوحيدة المعبرة عن الإنسان العربي، فيلغي بذلك التداخل اللغوي الذي سببه تنامي أشواك اللغات الأجنبية في كرم اللغة العربية، ويتحقق من الوحدة اللغوية انسجام فكري يؤهلنا للإبداع والابتكار، بوضع علوم العصر ومعارفه في وعاء اللغة العربية عن طريق الترجمة. باعتبار التعريب الشامل هو المشروع القومي الأهم والأخطر في بناء الدولة العصرية .
ثانياً: إنشاء جهاز قومي للترجمة علي مستوى الوطن العربي، يضم عدداً هائلاً من المترجمين ذوي الخبرة المتخصصين في العلوم المختلفة، وتموله الدول العربية وتنفق عليه بسخاء. وإذا لم تتوفر الإرادة السياسية العربية في هذا الشأن، فلابد أن تبادر مصر بإنشاء جهاز قومي للترجمة، يقوم بنقل العلوم والمعارف من أية لغة إلي اللغة العربية، بحيث تكون الترجمة حركة أمة مثلما كانت أيام حكم دولة بني العباس ومثلما فعلت أوربا ومثلما تفعل اليابان و الصين وروسيا و أمريكا وسائر الأمم التي تحافظ علي هويتها و شخصيتها وتعني بملاحقة التطور الفكري والعلمي.
ثالثاً: إنشاء مجمع عام للغة العربية، تعتبر المجامع اللغوية المختلفة في البلاد العربية فروعاً له وتصب جهودها فيه، ويضع علي رأس اهتماماته توحيد المصطلح، ويعتبر مؤسسة علمية عليا يعتمد قراراتها وتوصياتها وزراء التعليم في الوطن العربي، وتعتبر هذه القرارات والتوصيات بمجرد توقيعها سارية المفعول لدي سائر الأجهزة والمؤسسات وجميع قطاعات الحياة في الوطن العربي.
رابعاً- اهتمام الدوائر الرسمية في الوطن العربي بمسألة التعريب الشامل، ففي مصر علي سبيل المثال، لابد أن تعنى بهذه المسألة دوائر مثل: المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للأزهر، والمجلس الأعلى للثقافة، واتحاد العمال، والبرلمان ومجلس الوزراء.
خامساً- تبني وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية، الدعاية والترويج لحتمية التعريب الشامل وضرورته، والتوعية بأهمية أن تسود اللغة العربية حياتنا بوصفها اللغة القومية الوحيدة التي تحقق لنا انسجاما فكرياً يؤهلنا للإبداع والابتكار.
سادساً- تبني العلماء، وبخاصة علماء اللغة، والكتاب والمفكرين والقيادات في مواقعها المختلفة فكرة التعريب الشامل ونشر الوعي بها في كل مكان ووضع التصورات التنفيذية في سبيل إنجازها.
لغة عالمية
وحول “قضية عالمية اللسان العربي” اوضح الدكتور خالد فهمى أستاذ العلوم اللغوية، بكلية الآداب، جامعة المنوفية، والخبير بالمجمع ان كتاب ( اللغة بين القومية والعالمية، للدكتور إبراهيم أنيس ، دار المعارف، القاهرة، 1970م) يؤكد علي عالمية اللغة العربية منذ القرون الهجرية الاولي لاحتوائها علي عدد من المحددات .
واشار إلي هذه المحددات وعلي رأسها تميزها بصفة الديمقراطية؛ بمعنى المساواة في لغة الخطاب بين أبناء المجتمع كله واتساع الانتشار واصطناع شعوب متعددة لها وانفتاحها المعجمي على غيرها من اللغات، ومرونتها في الاقتراض في المجالات الحضارية على مستوى المفردات من اللغات الأخرى .
وأضاف بأن “دخول اللغة العربية إلى قائمة اللغات الرسمية لأعمال الأمم المتحدة ” يعد أهم حدث في تاريخ العربية منذ عصور الازدهار بوصف ذلك اعترافاً بعالميتها مقروناً بثقة في تشغيلها العملي، والقابلية للإثراء والتطور مما جعلها لغة مشتركة جامعة على المستوى الدولي تتبوأ منزلتها في مصاف اللغات الدولية، تكتب بها الوثائق، وتترجم إليها وثائق اللغات الأخرى، وتترجم منها إلى تلك اللغات”.
وأكد أن عالمية اللسان العربي – وإن أحاط بها نوع تراجع من المنظور الكمي / والكيفي مقارنة بوضعها العالمي في عصورها السابقة من جانب، ومقارنة بوضع غيرها من اللغات العالمية الأخرى المعاصرة – لم تغب غياباً كلياً، وأنها تمتلك عدداً من المحددات الكبرى التي تعين على إمكان استعادة مكانتها، ووضعها العالمي.
وأشار إلي أن من الأسباب الحاكمة لدعوى بقاء اللغة العربية لغة عالمية في الوقت الراهن، وهو الوضع المرشح للثبات، والنمو في المستقبل هي سمة الاشتقاقية وهي سمة تمكن مستعملي اللغة من توليد الصيغ الجديدة لمواجهة التحديات الطارئة.
وتابع قائلاً: ” ويرتبط بهذا الوضع الحراك المتزايد في الدول غير العربية؛ من جانب قطاعات المسلمين بها؛ لأجل إدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، أو المعتمدة أو المسموح تعليمها لأبناء الجاليات العربية والإسلامية.
كما أن تعداد الناطقين الرسميين من أبنائها بها يقترب من نصف المليار فضلاً عن غيرهم.
إن قابلية الانتشار بما هو مفهوم يشير إلى المؤهلات التي تجعل اللغة العربية قادرة على اكتساب جغرافيات جديدة، وجذب مستعملين جدد، والتقدم نحو مناطق تشغيل جديدة، والحقيقة أن هذه المحددات يمكن أن تضع اللسان العربي- على الرغم من كل التهديدات والتحديات التي تواجهها الآن – في وضع اللغة المؤهلة للتقدم في المستقبل”.
خالدة بفضل القرآن
وفي الندوة التي عقدتها رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع جامعة سيناء قال الدكتور إسماعيل شاهين –الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية: إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم هي لغة التخاطب والكتابة منذ 16 قرناً أو يزيد والقرآن الكريم، هو الذي أبقى على اللغة العربية وحافظ عليها، لأن الإسلام دين الإنسانية كلها، وباللغة العربية حفظت علوم السنة والمعارف الإسلامية من قديم وحديث وبها ترجمت العلوم الإسلامية إلى اللغات الأخرى.
وأوضح أن انتشار الإسلام تم عن طريق هذه الترجمة، وبها ترجمت علوم الغرب الحديثة فاستفاد منها الإسلام والمسلمون أيضاً واسهموا من جانبهم في تطوير هذه العلوم وكانت جهودهم العلمية في كل المجالات سبباً في نهضة أوروبا المعاصرة.
وأرجع سبب تردي اللغة العربية إلي عدم الاهتمام بمعلم اللغة العربية، وعدم تأهيله تأهيلا صحيحاً، كما أن اللغة العربية تشوهت ألفاظها على يد أهل اللغة أنفسهم، وعلى يد الإعلام الذي يستخدم ألفاظاً غير مقبولة.
وأكَّد علي أن من خصائص اللغة العربية أنها لغة متطورة ومتجددة وثابتة، فرغم انتشار اللهجات المحلية الكثيرة في كل دول العالم الإسلامي؛ إلا أنها تبقى الوحيدة التي يفهمها كل المسلمين دون استثناء، كما أنها اللغة الوحيدة التي لم تندثر بظهور لغات أخرى؛ لأنها تعتمد على الحروف لا على الأصوات، ومن ثم بقيت ولم تندثر كاللغة اللاتينية التي اندثرت باللغة الإنجليزية، واللغة الآرية التي اختفت تماما؛ لأنها كانت تعتمد على الأصوات لا على الحروف..
وشدد علي أن اللغة العربية ستبقى ما بقي القرآن الكريم وسنة رسول الله –صلَّى الله عليه وسلم- والمعارف الإسلامية، وخاصة التراث الإسلامي، ويكفي أن عدد الناطقين باللغة العربية الآن يقارب على المليار مسلم في كل أنحاء العالم.. كما أن هناك أكثر من مائتي قناة تلفزيونية أجنبية تتحدث باللغة العربية.
ومن جانبه أوضح الدكتور إبراهيم الهدهد –رئيس جامعة الأزهر السابق- أن ثراء اللغة العربية وألفاظها الأصيلة، يؤكد حقيقة أن اللغة العربية هي أصل اللغات وأنها متفردة في ألفاظها ومعانيها، مدللاً علي ذلك ببعض الأمثلة التي توجد في اللغة العربية وما يشابهها في اللغة الإنجليزية، مبيناً على أن العربية تتميز عن غيرها من اللغات، حيث تحتوي على 28 حرفاً، وتملك من خلالهم 40 مليون معنى أصيل.
وفي كلمته أكد الدكتور سامي الشريف –عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة ومقرر لجنة الإعلام بالرابطة- علي ضرورة الاهتمام باللغة العربية من خلال وسائل الإعلام، وطالب بالتخلي عن ما يسمى بلغة “الفرانكو آراب”، والتي انتشرت في قنوات تلفزيونية عديدة، واستشهد على بعض ما يجري على ألسنة الطلاب والعوام من إسفاف وألفاظ لا تمت للغة العربية بصلة، ومن ثم طالب بضرورة التمسك باللغة العربية لغة القرآن الكريم.