جسد لا شبيه له، جئت إلى هذا العالم بعين واحدة؛ تلك إرادة الله، تخيلوا حين راجعت الطبيب في مرة سابقة أخبرني أن العين الثانية مغطاة بنتوء عظمي ومن يومها ولم تعد به حاجة إلى هذه الكتل من لحم وعظم؛ ﻻ تبين لي ملامح محددة، أشبه بكرة يتقاذفها الصبيان في حارة تسكنها أسراب من البعوض، حتى إن نسوة حارتنا السد يتندرن بي، من فاتها قطار الزواج تدعو الله أن يرزقها بعريس حتى ولو كان الأحدب؛ يبدو أن القابلة لم تحسن شدي من رحم أمي، ضحكت لهذا التفسير؛ كنت متخوفا من الخروج إلى مكان ضيق، الآن صرت أكثر ولعا به؛ شارفت رحلتي على الانتهاء، نصف رؤية ونصف حياة؛ لم أتزوج وربما لن يحدث هذا، فمن ترضى بشبه رجل، ظهره محني، فقر مال؛ هههه وخريف جسد يتداعى.
لم أنتبه لكل هذا إلا الآن، فكرت في أن أعالج تلك التجاعيد التي تشبه خيوط العنكبوت؛ دهن العطار يعيد للوجه نضارته؛ ومن يقوم انحناء ظهري؟
بل ومن يعيدني شابا؟
أخذت أستعيد كتاب عمري صفحة تلو أخرى، بدت لي حياة مملة لا جدوى منها، ذات مرة كنت أدرج في شارع المحطة، حدبتي أشبه بغطاء السلحفاة؛ ربط هؤلاء الصغار حجرا في رقبتي.
غير أن حلما كان جميلا أطل من شرفة عام منسي؛ الأعور يرى بعينه الثانية، جملة أحببتها كثيرا مع مرارتها، نحب من يغير لنا مألوف عاداتنا.
انتظرتها أن تحنو علي، أليس لي قلب وإن كنت بعين واحدة؛ زملائي يسخرون مني: “الرجل بعين حرباء”؛ سامحهم الله؛ وما دخلي في هذا؟
ﻷنها تدور كثيرا في وجهي؛ عوض الثانية؛ تصالحت مع جسدي، أختلف كثيرا عنهم، تحملت مواقف لا توصف مرارتها في بضع كلمات، يسخرون من شكلي وحركة عيني بل ومن عرجتي؛ آه نسيت أن أخبركم أن قدمي اليمنى تقصر قليلا عن اليسرى؛ أمشي كالبطة؛ ذلك لقبي الثاني ” بطة” بالتأكيد تريدون أن تتعرفوا على بقية ألقابي؛ لن أطيل عليكم: الأكتع!
فأنا بيد واحدة؛ تعاكس عيني أبدو شكلا غريبا لجسد أكثر اختلافا عن الآخرين.
قفاي أشبه بمطرحة الفرن، حتى إنني أشعر بأن رأسي تتدلى مخلاة حمار القن السماك الذي يتندر على وقائعه سكان حارة البوطة.
لا يختار أحدنا شكله ولا لونه؛ لكن بعض الناس يتحايلون فيغيرون نوعهم، سمعت أن فتى تحول إلى جنس ثالث؛ تلك عجيبة، بالتأكيد أنا لا أصلح لهذا، ستكون صورة غير متخيلة، رغم أن في الروايات مثل هذا؛ أحدب نوتردام أكثرهم شهرة؛ سمعت بقصته من الإذاعة، ومن يومها وتلك الشخصية تلازمتي.
أثار ذلك فضول فتاة كانت تسير بالقرب مني؛ ربما شفقة أو ولعا برؤية الجديد، على أية حال ابتسمت لي، عرفتني بنفسها، تسكن في حي لا يمر به الغرباء؛ بيوتهم محاطة بأسوار ذات كلاب حراسة؛ دعتني إلى زيارتهم؛ لتكتمل فصول تلك المسرحية العبثية، خايلني شعور بالزهو أنا مدعو لأكون ضيفا، يبدو أنني أتمتع بموهبة لا نظير لها، حين اقتربت من بوابة بيتهم الذي تصدح فوقه طيور جميلة ذات ألوان، تشممني كلب غريب، ثم حرك ذيله، عله لم يجد في ما يثير شهيته؛ ربما زهدا أو سخرية.
تخرج إلى تلك الفتاة؛ يموج عطر مثير، لكنني متبلد، لم أدر أين أنا، تتراقص أنغام موسيقى بيتهوفن، تترقبني عيون من كل مكان، أسمع ضحكات مكتومة.
ثم ماذا بعد؟
حفلة كنت نجمها، لم أشعر بتفاهة جسدي، وجدتها فرصة لأتسول به، وهبوني أطعمة؛ أموالا، معطفا كبيرا، حذاء أشبه بحذاء الجنرال نابليون، التقطوا لي صورة؛ في اليوم التالي وجدتها في صدر صحيفة يومية تعنى بالرغي، صار الجميع يعرفني، تلك الفتاة أنتم لا تتخيلون صارت نجمة إعلانات؛ وأنا بكل تأكيد رفيقها.
تلقي إلي بكلمات تخدر جسدي، أتبعها مربوطا بحبل خفي، صورتي التي كانت موضع تندر صارت الآن باب ثرائي الذي لم أحلم به؛ حساء شهي مخلوط بكسرات خبز، حين استخرجت بطاقة هويتي بعدما تهرأت الورقية كانت أشبه بملف سجين حكم عليه بعقوبة مغلظة، أصر موظف الأحوال المدنية أن يكتفي بلقب شهرتي” الأحدب”.
لم أشأ أن أعارضه؛ شكرت له تعطفه علي؛ فمن الحكمة أن يلوك الواحد مسبته مرغما وإلا سيحرم من عبنه المتبقية، ومن يومها تحولت إلى نجم في عالم الأضواء الزاعقة.