خلق الله الإنسان وخلق معه حقوقه التي لا تستقيم الحياة إلا بها، فالإنسان المظلوم والمغتصبة حقوقه سيعيش ناقصاً في إنسانيته، مرتبكاً في حركته، معطلاً في طاقته، فقد أُخِذَ منه جزء من كيانه، وصنع له الظلم واستلاب الحقوق حالة عقلية ونفسية واجتماعية استثنائية، تجعله غير مستقر العقل والقلب والنفس والروح والحركة، ولا يزاول حقوقه ولا أدواته وميزاته التي منحه الله إياها، حتى يستحيل إنساناً بائساً حانقاً يزداد بؤسه وحنقه كلما زاد وقع الظلم عليه واستلاب الحقوق منه.
إن قضية وقوع الظلم على الأفراد والمجتمعات والتجمعات وحتى الدول ليست محصورة في بيان حرمة الظلم وجريمته الكبرى شرعاً، وأن الظلم ظلمات يوم القيامة فقط، بحيث تقول للظالم: اتق الله، وللمظلوم: اصبر على الظلم كما يتوهم الظالمون والمظلومون، فالظلم حالة تخرج الإنسان عن طبيعته بغير اختيار منه، وتجعله يتطلع دائماً إلى العودة إلى حالته الطبيعية واستعادته لحقوقه وممارسته لها، كالجائع حين يبقى مضطرباً لا يهدأ حتى يسد جوعته، بحيث مهما قيل للمظلوم: اصبر فصبر لكنه إذا سنحت له الفرصة لاستعادة حقه سارع إلى ذلك بوعي أو غير وعي، بزهرة احتجاجية أو بطوفان عارم، بطريق سلمي أو بثورة عاصفة، بضوابط أو بانفلات عن الضوابط لا تحمد عقباه، والسبب في كل ذلك أن العدل ليس مطلباً أقرته كل الأديان والشرائع السماوية والأرضية بل لأنه حاجة فطرية ونفسية واجتماعية وحتى عضوية وجسدية تدفع صاحبها للتحرك بدافع شعوري أو لا شعوري.
وهذا عين مقصد من قال: إن “الدولة الكافرة العادلة تتغلب على الدولة المسلمة الظالمة”؛ لأن العدل أكبر مقوم للدول والمجتمعات والمؤسسات وحتى الأسر.
إن أناساً ظنوا أن الوعظ بحرمة الظلم أو الصبر على الظلم أو أن تقييد المظلوم والسيطرة عليه كاف في ضبط حركة الإنسان المظلوم في هذه الحياة، وما دروا أنه يتقلب كجمر ملتهب تحت الرماد توشك أن يظهر مع أول ريح هادئة أو عاتية تكشف عنه وتظهره، وأن دوافع المظلوم لمقاومة الظلم ستفعل فعلها وتظهر أثرها مهما كبتها الظالمون.
إن من حصافة الحاكم للدولة أو المسؤول عن المؤسسة أو الأب لعائلة أن يبحث عن المظالم ويطفئ لهيب الجمر الخفي قبل أن يحرق كل شيء، ولات حين مندم.