تمثل «القصة» أحد أهم أساليب التربية غير المباشرة؛ حيت تستحوذ على انتباه الطفل، فيتابعها بمتعة وشغف وتركيز وانفعال، فتتسلل -بما فيها من قيم ومعان وأفكار وسلوكيات- إلى أعماق نفسه دون استئذان أو مقاومة، فتترك أثراً عميقاً ممتداً في شخصيته.
واستثماراً لهذه القدرة الكبيرة للقصة في التأثير العميق في نفس الطفل، يمكن للآباء أن يحققوا من خلال استخدامها العديد من المهام والوظائف التربوية، التي منها:
1 – غرس القيم النبيلة:
يستطيع الآباء من خلال القصة غرس العديد من القيم النبيلة والأخلاق الراقية لدى الطفل، مثل: الصدق، الأمانة، النظام، النظافة، احترام الكبير، الرفق واللين، التواضع وعدم التكبر، السخاء والكرم، مد يد العون للآخرين، حسن الظن.. إلخ.
2 – تقويم السلوك السلبي:
فالقصة يمكنها أن تساعد الآباء على تقويم سلوكيات الطفل السلبية بعيداً عن العصبية والصراخ والعقاب البدني الذي يتبعه كثير من الآباء؛ وذلك لما للقصة من قدرة على مخاطبة وجدان الطفل وتعديل ما لديه من أخطاء دون الدخول في مواجهات مباشرة معه حول السلوك الخاطئ.
3 – تحسين مهارات الاستماع:
فالطفل دائماً ما يفضل التكلم عن الاستماع، لكن القصة بما تمثله من متعة وإثارة وتشويق تدفعه لأن يكون حريصاً على الاستماع ومتابعة أحداثها، خاصة إذا ما رويت بأسلوب شيق وجذاب؛ وهذا يحسن مهارات الاستماع لديه.
4 – تنمية القدرات اللغوية:
فحكاية القصة للطفل تثري لغته، وكلما كثر عدد القصص التي يرويها الآباء للأطفال؛ زاد عدد المفردات والقاموس اللغوي لديهم، خاصة في مرحلة ما قبل المدرسة.
5 – تطوير مهارات التواصل:
فمتابعة الطفل ومراقبته للتفاعلات التي تحدث بين شخصيات القصة، بالإضافة إلى التواصل الذي يحدث بينه وبين الآباء أثناء رواية القصة، ينمي مهارات التواصل لديه.
6 – تنمية التفكير الإبداعي:
حين يستمع الطفل إلى القصة، فعليه أن يتخيل الأشخاص والأماكن والحوارات والانفعالات، وكل شيء يدور في أروقة القصة، حتى يستطيع أن يرسم صوراً لأحداثها، وهذا بدوره ينمي قدرته على التخيل، الذي يمثل البوابة الرئيسة لتنمية القدرة على التفكير الإبداعي.
7 – تنمية مهارات التفكير الناقد:
فقراءة القصة، وإدارة حوار حولها مع الطفل عما أعجبه من الشخصيات وما لم يعجبه، وحول الدروس المستفادة منها؛ ينمي قدرته على التفكير الناقد.
8 – حب القراءة:
عندما يشب الطفل وهو معتاد على أن يرى أحد والديه ممسكاً بالكتاب، ويحكي منه بعض القصص الممتعة له، فهذا يوجد رابطاً نفسياً إيجابياً بينه وبين الكتاب، كما يدفعه حب التقليد إلى الإمساك بالكتب مثل والديه، وهذا كله مع بعض الجهد من الوالدين يمكن أن يجعله محباً للقراءة.
9 – تعميق الروابط الوجدانية:
فجلوس الآباء بجوار الأولاد، وقص بعض القصص عليهم، وإدارة حوار بينهم حولها، يزيد الارتباط بينهم، ويبني جسوراً من التواصل والعلاقات الدافئة.
10 – شعور بالمتعة:
فجلوس الطفل ليستمع لإحدى القصص يمثل له متعة وبهجة ويدخل على نفسه السرور والسعادة.
فنيات رواية القصة
ولكي تؤتي القصة أكلها، وتحقق أكبر قدر من الوظائف التربوية، فمن الضروري أن يهتم الآباء بطريقة وتفاصيل روايتها، التي نذكر ببعضها في السطور التالية:
أولاً: اختيار القصة:
1 – احرص على اختيار قصص مناسبة لعمر طفلك، فمثلاً طفل ما قبل المدرسة يحتاج قصصاً قصيرة وبسيطة ومباشرة، وأشخاصها محدودون، وتعتمد على أشياء يعرفها في بيئته، بينما طفل المراحل التالية لديه القدرة على فهم واستيعاب القصص بغير هذه المحددات.
2 – من الضروري أن تتعرف على اهتمامات طفلك، وأن تكون القصة في إطارها؛ حتى تكون أكثر جاذبية له، فمثلاً إذا كان يهتم بالحيوانات أو بالطيور فاجعل قصصك حولها، وإذا كان يهتم بألعاب معينة فاحك له في نطاقها.. وهكذا.
3 – أن تكون لغة القصة سهلة وبسيطة ومناسبة لعمره ولطبيعته ولقدراته اللغوية، حتى يمكنه استيعابها.
4 – أن تحتوي القصة على بعض القيم التي تريد غرسها لدى طفلك، أو بعض السلوكيات التي تريد تعديلها لديه، وذلك دون أن تشير إلى شخصه من قريب أو بعيد.
ثانياً: استعدادات مسبقة:
1 – اختر الوقت والمكان المناسبين لطفلك، بحيث تتأكد من تركيزه وعدم انشغاله بأمور أخرى، ومن الأوقات المفضلة والأكثر تأثيراً أن تحكي له القصة قبل النوم مباشرة.
2 – احرص على أن تقرأ القصة، وأن تكون على دراية كاملة بتفاصيلها قبل البدء بقصها، ولا تترك نفسك للصدفة التي قد لا تسعفك بحكاية قصة مفيدة ومشوقة لطفلك.
3 – حدد هدفك بوضوح من هذه القصة، ولا تخبر طفلك بهدفها أو بالعبرة الموجودة بها، لكن شجعه على أن يكتشف هو بنفسه الهدف والعبرة منها.
4 – جهز الوسائل التي قد تحتاجها أثناء سردك للقصة، مثل: دمية، صور، قصاصات.. إلخ؛ لتعزيز أحداث القصة.
5 – دوّن أو احفظ بعض الأسئلة التي يمكن أن تسألها للتأكد من استيعاب طفلك للأحداث، وكذلك دوّن الأسئلة والاستفسارات التي تتوقع أن يلقيها هو عليك وحضّر إجاباتها.
6 – تدرب على سرد القصة أمام المرآة أو سجلها لنفسك إذا كان لديك مشكلة في السرد، لتقييم وتطوير أدائك ومهاراتك في هذا الشأن.
ثالثاً: أثناء الحكي:
1 – احرص على حكي القصة ببطء وبكلمات واضحة، حتى يستطيع طفلك استيعاب الكلمات والمعلومات الموجودة بها.
2 – أحسن استخدام نبرات صوتك في توصيل المعنى، وحاول التعبير عن مشاعر الفرح والسعادة والاندهاش والحزن والألم والغضب.. بصوتك وبتعبيرات وجهك ويديك ولغة جسدك، وقلد أصوات الحيوانات وغيرها، وشجعه على تقليد تلك الأصوات والحركات.
3 – استخدم كل وسائل التشويق كي تجذب انتباهه، فمثلاً قل له: ماذا حدث يا ترى..؟ وتوقف بعدها لحظات، أو اشهق وأنت تقول: «ولكن حدثت مفاجأة»، وغير ذلك من الأمور التي تساعده على أن يعيش أحداث القصة معك.
4 – قبل أن تصل إلى نهاية القصة، اترك طفلك يتوقع الأحداث التي يمكن أن تصير إليها، وكيف ستكون نهايتها، فهذا ينمي خياله وتفكيره الإبداعي.
رابعاً: بعد القصة:
1 – أدر حواراً نقدياً مع طفلك حول محتوى القصة، واسأله عن:
– رأيه في القصة بشكل عام.
– ما الشخصيات التي أعجبته، والشخصيات التي لم تعجبه؟ ولماذا؟
– ما المواقف التي أعجبته? وما المواقف التي لم تعجبه؟ ولماذا؟
– ما الذي تعلمه من هذه القصة؟
2 – اطلب منه إعادة سرد القصة بأسلوبه الخاص.
3 – اطلب منه أن يعبّر عن خلاصة القصة في جملة واحدة أو برسم صور تعبر عنها إذا كان يستطيع ذلك.
4 – شجعه على أن يقوم بتمثيل القصة أو بعض مواقفها أمامك، فهذا يزيد من قدرته على الإبداع، ويكشف عن مواهبه.
5 – شجعه على أن يحكي القصة لإخوته ولأقرانه من الأقارب والمعارف.
6 – خصص مكاناً جيداً فـي بيتك تتوافر فيه الإنارة المناسبة والراحة الكاملة لطفلك، واجعل فيه مكتبة خاصة به، وضع فيها ما قرأته معه من قصص، حتى يعود إليها كلما رغب في ذلك.