“زاملته أعواما عديدة، لم أعهده فيها رحمه الله إلا حركة دءوبة لخدمة دعوته ونصرة قضايا أمته، موقظا للوعي ومرشدا لشباب الصحوة، ورائدا من رواد العمل الطلابي الإسلامي وعونا لكل المؤسسات الإسلامية العاملة”..
بهذه الكلمات البسيطة اختصر نائب المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمين” إبراهيم منير سيرة المفكر والداعية الإسلامي الشهير مصطفى محمد الطحان، الذي وافته المنية في مدينة إسطنبول الأربعاء عن عمر ناهز 79 عاما.
وفي إسطنبول، التي ارتبط بها فكريا؛ عندما قدم إليها لاستكمال دراسته العليا في ستينيات القرن الماضي، يواري الطحان الثرى في مقبرة “مركز أفندي”، الجمعة، ليدفن في تراب مدينة أحبها وعشق ترابها.
والمفارقة أن الراحل سيدفن في نفس المقبرة التي يتواجد فيها جثمان رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان (1996-1997)، الذي أبدى الطحان إعجابه به أثناء فترة دراسته في إسطنبول، ليدفن الرجل بالقرب ممن أحب.
والطحان من مواليد بلدة “كوشا” شمالي لبنان عام 1940. وبعد الانتهاء من دراسته الجامعية، قدم إلى إسطنبول عام 1959؛ حيث نال درجة الماجستير في الهندسة الكيميائية من جامعة إسطنبول عام 1964.
وعن فترة دراسته في تركيا، يقول الراحل في كتابه: “تركيا التي عرفت من السلطان إلى أربكان”: “في هذه الفترة ساقتني الأقدار للدارسة في كلية الهندسة في إسطنبول.. لأجد نفسي في المقاعد الأولى في مسرح الحياة السياسية التركية.. قريبا من مؤسس الحركة الإسلامية (أربكان).. معنيا بالأحداث.. وصلة الوصل بين أجزاء الحركة الإسلامية.. حتى بدأ الناس في داخل تركيا وخارجها يشيرون إليّ كناطق غير رسمي باسم هؤلاء.. وكان الأستاذ أربكان خاصة يحيطني بالرعاية والعناية.. وكنت بالمقابل شديد الإعجاب بحيويته وذكائه وألمعيته وحبه.. لقد بادلته حبا بحب.. والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف!!”.
وعن نفسه يضيف في الكتاب ذاته: “لقد كنت باستمرار من أنصار القضية الإسلامية التي تذكرنا بالخلافة الإسلامية، فقد كانت هذه القضية هي مركز الصراع.. ليس في تركيا وحدها.. بل وفي جميع البلدان الإسلامية الأخرى.. فقد كان الغرب.. وجميع الأحزاب التي أنشأها وباركها ومكّنها تهاجم العثمانيين وتخص منهم السلطان عبد الحميد.. ومقابل ذلك كان الإسلاميون يحنون إلى التاريخ المجيد.. وإلى البطولات العثمانية التي نشرت الإسلام في أنحاء العالم.. وكانت أنظارهم مركزة.. تتابع الصحوة الإسلامية الحديثة في تركيا التي أنشأها وأدار حلقاتها بمهارة عالية البروفسور أربكان”.
وبعد إتمام دراسته العليا في إسطنبول، عمل الطحان في الكويت، حيث كانت تقيم أسرته، في قسم التكرير في شؤون النفط حتى العام 1979.
وساهم في تأسيس “الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية” (IIFSO) عام 1969، وانتخب عضوا في الأمانة العامة في الدورات 1969، 1971، 1975، 1977. وانتخب أمينا عاما للاتحاد في يوليو/تموز 1980، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى وفاته.
وأشرف مباشرة على مشروع الكتاب الإسلامي وترجمته إلى أكثر من 70 لغة ضمن سلسلة كتب الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.
كما أشرف مباشرة على إصدار مجلة الأخبار باللغتين العربية والإنجليزية منذ صدورها عام 1969.
وشارك في تأسيس “الندوة العالمية للشباب الإسلامي” في الرياض، وتم اختياره عضوا في الأمانة العامة للندوة.
وللراحل عدة مؤلفات في الفكر والحركة، تمت ترجمة بعضها إلى عدة لغات كالإنجليزية والتركية والأوردية والإندونيسية والكردية والفارسية والفلبينية والمالوية وغيرها.
ومن أبرز مؤلفاته: “تحديات سياسية تواجه الحركة الإسلامية” (1998)، و”التربية ودورها في تشكيل السلوك” (2006)، و”تربية الأبناء وفق منهج النبوة” (2009)، و”أمهات المؤمنين في مدرسة النبوة”، و”المرأة في موكب الدعوة” و”الفكر الإسلامي الوسط” و”إدارة الوقت” و”تركيا التي عرفت من السلطان إلى أربكان” (2007).
رحيل الرجل ترك غصة لدى كبرى الحركات الإسلامية وأعلامها؛ حيث نعاه الكثيرون، مشيدين بخصالة والإرث الفكري الثري الذي تركة للأمة الإسلامية.
إذ نعاه نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، وقاله عنه إنه “كان حركة دؤوبة لخدمة الدعوة ونصرة قضايا الأمة وكان موقظا للوعي ومرشدا لشباب الصحوة”.
كما نعاه “الحزب الإسلامي العراقي”، وعده من “أبرز رواد الإصلاح وقادة العمل الاسلامي”، مستذكرا “دوره المهم حين كان رئيسا للاتحاد العالمي للطلبة المسلمين، وأثره الفاعل في ترجمة ونشر العديد من الكتب النافعة .
ونعت الفقيد أيضا حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ حيث عدته أحد أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة.
وقالت الحركة عنه: “رحم الله أبا أيمن، الذي يغادرنا، بعد حياة حافلة قضى جلّها في العمل الفكري، والدعوي، والحركي، والنقابي، وكان خلالها علما من أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة”.
ويوارى جثمان الطحان في مقبرة “مركز أفندي” بإسطنبول بعد تشييع جثمانه عقب صلاة اليوم الجمعة من مسجد الفاتح، ليستقر في مثواه الأخير بإسطنبول، المدينة التي أحبها وأقر بفضلها الكبير في تشكيل فكره ووعيه حيث قال عنها في كتابه”تركيا التي عرفت من السلطان إلى أربكان”: “في هذا البلد العريق عشت أهم أيام حياتي، فيه تفتحت عيناي على أمور جديدة، وفيه عشت مفاهيم جديدة.. وخرجت منه بعد ست سنوات إنساناً آخر.. غير ذلك القروي الذي أذهلته أضواء المدينة”.
المصدر: وكالة الأناضول