“قرأت العديد من المقالات، وشاهدت بعض الفيديوهات، وحضرت بعض الدورات التدريبية حول تربية الأولاد، ورغم ذلك استمرت مشكلتي في عدم قدرتي على التعامل مع أولادي بطريقة ناجحة، فأنا أشعر بالعجز في تطبيق ما أعرفه”.. هذه شهادة أحد الآباء الذي يعبر عن مشكلة يواجهها كثير منهم في تربية أولادهم، حيث يعانون من عدم قدرتهم على ترجمة ما يعرفون من معارف إلى تصرفات وسلوكيات تساعدهم بطريقة عملية في تربية أولادهم تربية سليمة شاملة متوازنة.
وفي السطور التالية، نحاول أن نضع بعض القواعد العملية التي نرجو أن تسهم في انتقال الآباء من المعرفة النظرية التربوية إلى واقع يمارسونه مع أولادهم.
زيادة الدافعية
1- استحضار عظم المهمة:
استحضر دائماً عظم المهمة التي تقوم بها، فتربية الأولاد من أعظم المهام في الحياة، وقل لنفسك: إن كل أمر عظيم يحتاج إلى جهد وصبر ومثابرة، واستعن على تعميق هذا المعنى في نفسك بتذكر حديث النبي صلى الله عليه: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، وعلم يُنتفع به، وولد صالح يدعو له» (رواه النسائي)، ويمكنك أن تكتب هذا الحديث أو غيره من الأحاديث أو الكلمات في هذا الباب، وتضعها في مكان بارز؛ لتذكرك بعظم ما تقوم به.
2- استشعار المسؤولية:
ذكِّر نفسك دائماً بأن أولادك أمانة لديك، وأن الله تعالى سيسألك عما بذلته من جهد في حسن تربيتهم، وضع نصب عينيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ..» (متفق عليه).
3- التفكير في الآثار السلبية:
فكر في الآثار السلبية التي يمكن أن تطال شخصية أولادك؛ نتيجة عدم تطبيقك الأساليب التربوية الصحيحة، فمثلاً إذا كنت لا تستطيع تمالك نفسك وتضبط انفعالك عند ارتكاب طفلك لسلوك خاطئ، فكن كثير التذكير لنفسك بالآثار السلبية التي ربما تحدث لطفلك نتيجة عدم ضبطك لانفعالك، التي منها: الإيذاء البدني الذي قد يقع عليه، أو الآثار النفسية التي قد تترك جروحاً غائرة في شخصيته.. إلخ.
خريطة عمل
1- رفع الواقع:
وذلك بأن تجلس مع نفسك وتحضر ورقة وقلماً، ثم تسجل المواقف التي لا تلتزم فيها بمبادئ التربية السليمة، ونقاط الضعف التي تنتابك في هذه المواقف، وكذلك تحدد الأسباب التي تدفعك لممارسة السلوكيات غير التربوية مع أولادك.
2- معالجات عملية:
وبعد أن تضع السلوكيات السلبية في تربيتك لأولادك وأسبابها، ابدأ في وضع خطة عامة لمعالجة هذه السلوكيات لديك، موضحاً فيها كل سلوك على حدة، وكيفية معالجة هذا السلوك، فمثلاً لو كنت سريع الانفعال تجاه سلوكيات الأولاد الخاطئة، فيمكن وضع بعض الإجراءات العملية التي تساعدك على ضبط غضبك واستعادة توازنك مثل: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، الإكثار من ذكر الله تعالى، أخذ نفس عميق وبطيء لعدة مرات، العد تنازلياً من 10 إلى 1، تغير الوضع الذي أنت عليه؛ من الوقوف إلى الجلوس، ومن الجلوس إلى الاتكاء، المسارعة إلى الوضوء، خفض صوتك، وهكذا في كل سلوك تعاني منه في عملية التربية.
3- ترتيب الأولويات:
وفي خطوة تالية لتحديد السلوكيات السلبية التي تمارسها مع أولادك وكيفية علاج كل منها، ضع ترتيباً لأولويات هذه السلوكيات، وما الذي سيكون له الأولوية في البدء بمعالجته، وما الذي سيتم تأجيله من هذه السلوكيات.
4- فترة زمنية:
بعد اختيار السلوك الذي ستبدأ به، حدّد فترة زمنية تعمل خلالها على تعديل هذا السلوك، مثل الصبر وتمالك النفس على سلوكيات الطفل السلبية، ولتكن شهراً أو أكثر مثلاً.
5- تقمص دور المربي الناجح:
احرص على أن تتقمص دور المربي الناجح، وأن تتكلف الالتزام بهذا السلوك الإيجابي في تربيتك لأولادك خلال الفترة الزمنية المحددة، وبالتأكيد ستجد صعوبة بتنفيذه في بداية الأمر، لكن مع الاستمرار والمداومة في تطبيقه ستشعر بتحسن، وسيصبح الأمر أفضل مع الإصرار على التطبيق.
6- لوحات تذكيرية:
من الأمور التي تساعدك على الالتزام بتنفيذ السلوكيات الإيجابية مع أولادك، أن تكتب السلوك الذي حددته في ورقة، ثم تعلقه في غرفتك أو في أي مكان يذكرك دائماً بما عليك القيام به، مثل: احذر الانفعال، التزم الصبر، لا تغضب، أجّل قرارك… إلخ.
7- الصبر والمثابرة:
بلا أدنى شك ستجد صعوبة في تنفيذ ما وضعته؛ لأنه يخالف ما تعودت عليه من أسلوب في تربية أولادك، لكن ذكِّر نفسك دائماً بالأجر والمسؤولية تجاه تربيتهم، واحرص على التزام الصبر والمثابرة في تنفيذه.
8- تقييم الأداء:
احرص على أن تقيِّم أداءك بشكل مستمر؛ ففي نهاية كل يوم قف مع نفسك واسألها: هل التزمت اليوم بما هو مطلوب منك أم لا؟ وكن موضوعياً في تقييمك لنفسك، فلا تجاملها ولا تجلدها بشكل مبالغ فيه، فالهدف هو أن تعرف جوانب القوة والضعف لتطور أداءك التربوي.
9- قراءة التصرفات:
احرص على أن تكتب المواقف التي شعرت أنك لم تكن موفقاً في طريقة تعاملك فيها مع أولادك، وراجع قراءتها، فمثلاً إذا كنت كثير الغضب تجاههم، اكتب ما يسبب غضبك، والمواقف التي غضبت فيها، وكيف كان تصرفك، وكيف كان شعورك وقتها، والنتائج التي ترتبت على تصرفك، وعاود قراءة ذلك كل فترة، فهذا يساعدك على تحسين طريقة تعاملك في هذه المواقف.
10- الثواب والعقاب:
مما يعينك على تقويم سلوكياتك التربوية أن تطبق على نفسك مبدأ الثواب والعقاب، فإذا وجدت منك التزاماً في التطبيق، فاعمل على مكافأة نفسك بأن تشتري طعاماً أو شيئاً تحبه أو غير ذلك مما هو محبب لنفسك، وإن وجدت تقصيراً، فعاقب نفسك بأن تقوم ببعض الأعمال الشاقة وغير المحببة إلى نفسك.
عوامل داعمة
1- استشارة أصحاب الخبرات:
من الأمور التي تساعدك على تعديل سلوكياتك تجاه الأولاد أن تجالس وتستشير أصحاب الخبرات العملية في تطبيق ما لديك من معارف.
2- تخفيف الضغوط:
خصِّص لنفسك وقتاً للترفيه وممارسة أنشطتك وهواياتك المفضلة؛ فهذا يساعدك على تفريغ انفعالاتك السلبية، ويمنحك قدرة أكبر على احتمال الضغوط، ويجعلك أكثر هدوءاً في التعامل مع سلوكيات أولادك السلبية واستفزازاتهم.
3- استيعاب المشكلات:
عوِّد نفسك على استيعاب المشكلات اليومية التي تمر بك مع أولادك، وذلك باسترجاع الذاكرة بأنك قد مر بك العديد من المواقف المحبطة من قبل وأمكنك التغلب عليها، وقل لنفسك: إنك قادر على التغلب عليها أيضاً هذه المرة.. وهكذا.
4- تقبل الإخفاقات:
تقبل إخفاقاتك مع أولادك بصدر رحب، وابحث عن أسبابها بكل حيادية وموضوعية، وبعيداً عن التأثر النفسي السلبي بنتائجها، فهذا يساعدك على تلافيها في المستقبل، بل ويجعلها دافعاً ومنطلقاً للنجاح في تربيتهم، وقل لنفسك: إنك لست وحدك الذي تعاني من أعباء التربية، وإن طبيعة الحياة تفرض علينا أن نسقط ونقف، نرسب وننجح، وبمرور الوقت تزداد خبراتنا ونتعلم من أخطائنا.
5- تجنب المتشائمين:
ابتعد عن المتشائمين وناشري الإحباط في تربية الأولاد؛ لأن كثرة كلامهم عن الإخفاقات ومصاعب تربية الأولاد تثير في النفس الشعور بالعجز، وعدم القدرة على تحقيق ما تهدف إليه مع أولادك.
6- النصف الممتلئ:
انظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، وذلك ببحثك عن جوانب القوة والسلوكيات الجيدة التي يتمتع بها طفلك، ولا تجعل كل تركيزك على الجوانب السلبية فقط، فهذا يقلل من إحباطك، ويجعلك أكثر قدرة على التعامل مع سلبياته بطريقة أفضل.
7- خصائص المرحلة:
تعرف على خصائص المرحلة العمرية التي يمر أولادك بها؛ لأننا في كثير من الأحيان نظن أننا فشلنا في تربيتهم ونصاب بالإحباط لصدور بعض السلوكيات منهم، رغم أن هذه السلوكيات ربما تكون من طبيعة المرحلة التي يمرون بها.
8- الاستعانة بالله:
وفي النهاية، توجه إلى الله تعالى بالدعاء، وأَلِـحّ عليه سبحانه أن يعينك على تعديل سلوكياتك السلبية في تربية أولادك، وأن يكون لك عوناً في تربيتهم بشكل عام، واحرص على أن تدعو لهم بأن يجعلهم الله من الصالحين الموفقين.