“فقد الأبناء لا يعني أننا كُسرنا، دماؤهم وقودٌ لإشعال الثورة حتى التحرير”، كلمات لا تفتأ عوائل شهداء قادة “عرين الأسود” في نابلس من ترديدها، مؤكدين تمسكهم بخيار المقاومة والمواجهة مع الاحتلال، وأن تضحيات أبنائهم لن تذهب سدى، وثورة الضفة ستظل مشتعلة بها.
وخلال الشهور الماضية، استهدفت قوات الاحتلال مقاومي “عرين الأسود” بعمليات عسكرية مركزة داخل البلدة القديمة، كان آخرها أمس الثلاثاء، والتي استشهد خلالها القائد بالجماعة المسلحة وديع الحوح إلى جانب أربعة آخرين.
والد الشهيد الحوح، يتحدث عن تأثير مقاومي “عرين الأسود” في نفوس الفلسطينيين، بالقول: “هؤلاء الشباب صنعوا حالة ثورية ألهمت كل أبناء نابلس بل والضفة بأسرها، وأصبحوا حكاية تُروى كما لو أنها أسطورة وليست حقيقة”.
ويضيف الوالد الحوح : “لم نكن نرى شبابنا، آخر مرة رأيت فيها ابني منذ أسابيع؛ لكن قلوب أهالي نابلس ومخيماتها والضفة كلها تلهج بالدعوات لهم”.
وتابع: “كل واحد من هؤلاء الأبطال أصبح يمثل حلمًا لشعبه بالحرية. أصبحت الأجيال تقلدهم وتحاكيهم. إذا سألت طفلا ماذا تريد سيجيبك أكون في العرين”.
وأردف والد الشهيد الثلاثيني: “العرين تجاوز مرحلة الاستئصال، اليوم أصبحت (الجماعة) في قلوب الناس جميعا”، مستدلا على مئات الشباب الذين خرجوا للدفاع عن المقاومين الشهداء أثناء حصارهم.
وتابع: “أهل الضفة أصبحوا على قناعة بأن وجودهم في خطر، وليس أمامهم سوى المواجهة ولو بأغلى ما يملكون”.
لن نتخلى!
من ناحيتها، تقول هدى جرار والدة الشهيد إبراهيم النابلسي: “إن ارتقاء الشهداء لن يهز شعبنا، بل يزيده إصرارا وعنفوانا على المضي بالطريق”.
وتضيف أم الشهيد : “شعبنا لن يتخلى عن سلاحه، وهو عنيد بطبعه وسيظل مقاوما متمسكا بحقه”.
واستقبلت والدة النابلسي نبأ استشهاد الحوح ورفاقه بالأمس كما استقبلت نبأ استشهاد ابنها إبراهيم كما تقول، واصفة إياهم بأنهم أبناءها أيضا.
وتتابع: “هذه كرامة لا يمنحها الله إلا لمن يحبه، ونحمد الله أننا عوائل شهداء”.
وفي رسالة وجهتها للمعتقل لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية المطارد مصعب اشتية، تقول أم الشهيد: “قلبي وروحي معك، أعلم كم يحترق قلبك على رفاق دربك، لكنّ الفرج قريب”.
“لا كرامة بغير المقاومة”
وبدأت معالم “عرين الأسود” تتشكل في نابلس عقب استشهاد أدهم مبروكة ومحمد الدخيل وأشرف المبسلط، بعملية اغتيال نفذتها قوة خاصة إسرائيلية تسللت للمدينة في فبراير شباط 2022م.
وبعد اغتيال الشبان الثلاثة، صعد جيش الاحتلال من استهداف المقاومين في البلدة القديمة، إثر تمكنهم من تنفيذ عمليات إطلاق نار باتجاه المستوطنات والنقاط والحواجز العسكرية المحيطة بنابلس، لتتشكل خلال تلك الفترة مجموعة “عرين الأسود”، من مسلحين من مختلف الفصائل الفلسطينية.
وتقول والدة الشهيد محمد الدخيل: “شعبنا الفلسطيني دون مقاومة والتفاف حولها لن يعيش بكرامة ولن ينالها”.
وتضيف : “لو امتلكنا ملايين الأموال بدون عزة وكرامة لن يكون لها معنى. المسألة واضحة، نحن شعب نعيش تحت الاحتلال يمارس بحقنا أبشع وأقذر أنواع الإذلال، وتكفي الحواجز وحدها لتعبر عن مرارة العيش للمواطن في الضفة”.
وتقول أم الشهيد: “نشهد الله أننا نقدم خيرة أبطال نابلس وشبابها؛ لكننا نشعر أن أرواحنا عادت إلينا بعدما بدأنا نتلمس الكرامة من جديد”.
ومن أبرز شهداء العرين: محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، وابراهيم النابلسي، وإسلام صبوح، وسائد الكوني، ووديع الحوح.
ومنذ 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، تعيش نابلس ومخيماتها تحت حصار مشدد فرضه جيش الاحتلال إثر مقتل أحد جنوده برصاص مجموعة “عرين الأسود”؛ ردًا على اعتداءات الجيش والمستوطنين المتواصلة بحق الفلسطينيين.