توقع خبراء أن تتصاعد المواجهات بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال خلال الأيام المقبلة، خاصة بالضفة الغربية في ظل تواصل العمليات العسكرية فيها، وتحذيرات الفصائل من “رد قاس” على اقتحام مخيم جنين.
ويستبعد الخبراء، في الوقت ذاته، أن ينتقل التصعيد العسكري على المدى القريب إلى قطاع غزة بمواجهة مفتوحة بين الفصائل الفلسطينية الاحتلال الصهيوني، لكنهم توقعوا موجة تصعيد محدودة في القطاع إذا تواصلت الانتهاكات الصهيونية بالضفة الغربية.
والخميس، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية “استشهاد” 10 فلسطينيين (أحدهم في القدس) بينهم سيدة مسنة، وإصابة 20 آخرين جراء اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين لنحو 4 ساعات صباحا.
من جانبها، ذكرت هيئة البث الصهيونية أن قوات الأمن نفذت عملية داخل المخيم “بعد ورود معلومات استخبارية عن نية تنظيم الجهاد الإسلامي تنفيذ هجوم كبير”، دون تقديم دليل أو تفاصيل.
وهذه العملية من قبل جيش الاحتلال في مخيم جنين هي الأكبر منذ انتفاضة الأقصى (الثانية) التي اندلعت عام 2000.
ومنذ مطلع العام الماضي (2022) ينفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية سريعة في مدينة جنين ومخيمها، قتل خلالها 78 فلسطينيا، بينهم 19 في العام 2023.
** مواجهة متواصلة
ويقول الكاتب السياسي الفلسطيني، جهاد حرب، إن عدة عوامل عززت المواجهة المسلحة في جنين، مشيرا أن العملية من قبل جيش الاحتلال الأخيرة سيتبعها عمليات أخرى ورد فعل فلسطيني.
وأضاف حرب: “لماذا تقاوم جنين الاحتلال بالسلاح؟ ذلك يعود إلى طبيعة تعامل الكيان الصهيوني مع جنين ومخيمها، المدينة الفلسطينية تعرضت لانتهاكات جيش الاحتلال كبيرة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية”.
وتابع: “عملية السور الواقي في العام 2002 خلقت أزمة وأجواء مناهضة للاحتلال وبالتالي هذه المدينة ومخيمها لديهم الرغبة في المواجهة المسلحة أكثر من المناطق الأخرى”.
وتعد عملية “السور الواقي” أوسع عملية عسكرية نفذتها إسرائيل منذ عام 1967، حيث اجتاحت قوات كبيرة يقدر عددها بمائتي دبابة ومدرعة وناقلة جند، وأعداد كبيرة من قوات المشاة والمظليين والقوات الخاصة مدن الضفة الغربية.
وأسفرت العملية عن مقتل أكثر من 200 فلسطيني وأسر نحو 5 آلاف، حسب بيانات فلسطينية رسمية، بينما قتل 29 جنديا صهيونياً، وفق إحصائيات إسرائيلية رسمية.
وتابع الخبير: “مخيم جنين بعيد عن الاستيطان أيضا وبالتالي المواجهة تكون مع القوات التي تقتحم المخيم”، وقال “لا أعتقد أن مخيم جنين سيهدأ”.
وأشار حرب إلى أن الأراضي الفلسطينية تعيش حالة مواجهة مستمرة منذ مارس/آذار العام الماضي، وهي “مرشحة لمزيد من التصعيد”.
وفي الإطار ذاته، قال المحلل السياسي سليمان بشارات، إن “المواجه بين الفلسطينيين والجانب الصهيوني مرشحة للتصاعد في الأيام المقبلة”.
وأضاف، أن أحداث مخيم جنين “خلقت حالة من المواجهة، حيث شهدت الضفة الغربية وقفات ومسيرات ومواجهات”.
وأشار بشارات إلى أن جميع العمليات العسكرية الصهيونيةالمتلاحقة “لم تستطع أن تقضي على الفصائل الفلسطينية المسلحة في المخيم”.
وتابع: “حكومة الاحتلال تريد أن تعاقب جنين ومخيمها، لكن مع كل عملية وسقوط شهداء تتطور المواجهات”.
** تصعيد محدود في غزة
وحول إمكانية انتقال التصعيد إلى قطاع غزة عبر مواجهة شاملة بين الفصائل المسلحة وجيش الاحتلال، استبعد الكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم، حدوث ذلك على الأقل على المدى القريب.
وقال إبراهيم إن “العملية العسكرية من قبل جيش الاحتلال في جنين لن تؤدي لتصعيد الأوضاع عسكريا في قطاع غزة”.
وأضاف: “إطلاق الصواريخ من غزة بشكل واسع يترك المجال للاحتلال لترد بشكل أوسع، فهي مستعدة بشكل كبير ومعنية بمثل هذه المواجهة”.
وتابع: “لا أعتقد أن مواجهة عسكرية مفتوحة ستندلع في غزة ضمن تبعات الأحداث الحالية في جنين والضفة الغربية”.
ورأى الخبير الفلسطيني أن “غزة تعيش استقراراً ميدانياً والجميع يعمل على المحافظة عليه وتركيز عمل الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية”.
لكنه لا يستبعد اندلاع تصعيد محدود لساعات بين الفصائل الفلسطينية في غزة وحكومة الكيان الصهيوني.
وفجر الجمعة، قصف جيش الاحتلال عدة مواقع للفصائل العسكرية في قطاع غزة، دون أن يبلغ عن وقوع إصابات.
هذا وقد شنت الطائرات الحربية التابعة للكيان الصهيوني غارات متتالية على مواقع للفصائل العسكرية وسط قطاع غزة.
ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات، لكن تسبب القصف بحدوث انفجارات عنيفة، وأضرار بالمنازل المجاورة لهذه المواقع.
من جانبها، أعلنت “كتائب القسام” الذراع المسلح لحركة “حماس” في بيان، أن دفاعاتها الجوية تصدت لطيران الاحتلال في سماء القطاع “بصواريخ أرض جو وبمضادات أرضية”.
وأعلن جيش الاحتلال في وقت سابق فجر الجمعة، اعتراضه صاروخين “أُطلقا من قطاع غزة” باتجاه المستوطنات المحاذية له.
وقال : “أطلق من قطاع غزة قذيفتان صاروخيتان تجاه الأراضي المحتلة حيث تمكنت القبة الحديدية (منظومة اعتراض) من اعتراضهما”.
** مخيم جنين
وفيما يتعلق بالمواجهات المتلاحقة في مدينة جنين ومخيمها خلال الفترة الماضية، يرى مراقبون أن المخيم يشكل على الدوام “مصدر قلق” للكيان الصهيوني باعتباره “مهد للمقاومة” في الضفة، لذلك لم تكف يدها عن تنفيذ عمليات عسكرية فيه، كان آخرها الخميس.
وقال فلسطيني ملثم من جنين، إن “ما يميز مخيم جنين توحد كافة الفصائل الفلسطينية فيه لمواجهة جيش الاحتلال”.
وأضاف الملثم الذي كان يشارك في تشييع جثامين التسعة الذين قتلهم الجيش الخميس: “نعمل ضمن غرفة عسكرية لمواجهة الكيان الصهيوني وحماية المخيم”.
من جانبه، اتهم كمال أبو الرب، نائب محافظ جنين، جيش الاحتلال بـ”ارتكاب مجزرة في مخيم جنين”.
وقال أبو الرب: “ما حدث في جنين عبارة عن مجزرة رسمية، واجتياح هو الأكبر منذ العام 2002″، على حد تعبيره.
وأضاف: “المشهد شبيه للدمار الذي خلفته حكومة الاحتلال عام 1948 إبان النكبة”، ورأى أن حكومة الاحتلال “تسعى للقضاء على المقاومة الفلسطينية في جنين ومخيمها”.
وفي أبريل/نيسان 2002 اجتاح جيش الاحتلال مخيم جنين خلال عملية “الدرع الواقي”، وقتل 52 من سكانه، وفق تقرير للأمم المتحدة في حينه.
وأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية “أونروا” مخيم جنين عام 1953 ضمن حدود بلدية المدينة، لإيواء لاجئين ينحدرون من منطقة الكرمل في حيفا.
ويسكن نحو 26 ألف فلسطيني في المخيم على مساحة لا تتعدى كيلو متر مربع.