«الإلحاد العاطفي» خطر يعد الأكبر في هذا العصر، يواجه الأشخاص الأغلى على قلب كل منا (الأبناء)، تلك النبتة التي نرعاها بروحنا ودمنا وجهد السنين، ونخاف عليها ونحميها من نسمات الهواء.
خطر يقتل الفطرة التي جبل عليها الإنسان بأن له خالقاً، وينخر في طمأنينة نفوسهم، يروج له بكل الوسائل الممكنة من حولهم، بصرياً وسمعياً وعاطفياً وعقلياً، والأسوأ أن البعض منا يدفعهم نحوه دون وعي!
لا تتفاجأ، نعم، وبكل الأسف، قد تدفع أبناءك نحو الإلحاد العاطفي دون أن تدري أو تشعر!
فما هذا الإلحاد العاطفي؟
الإلحاد العاطفي هو عدم الاعتقاد بوجود الله تعالى والدين، وهو فقدان للإيمان بالقيم الروحية والأخلاقية والفلسفية وتجربة الشعور بالفراغ والعدمية، فهو ليس إلحاداً عقلياً ولا فلسفياً ولا منطقياً ولا علمياً، هو فقط تصميم على إنكار وجود الله وفكرة الألوهية من الأساس، لا يستند إلى أي برهان عقلي، وإنما إلى مجموعة من الانطباعات الشعورية والانفعالات.
ما أسباب الإلحاد العاطفي؟
ينتشر الإلحاد العاطفي بين المراهقين والشباب في الوطن العربي بسبب العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية، مثل التغيرات السريعة في المجتمع والثقافة والتكنولوجيا، والتحولات الديموغرافية والاقتصادية والسياسية، والتحرر الأخلاقي والجنسي.
ضغوط الحياة، ضعف الشخصية، واضطراب الفكر، وقلة العلم، مهلكات تجتمع في نفوس هؤلاء الشباب.
ثم تتوالى الأسباب التي تدفعهم دفعاً إلى الإلحاد العاطفي، كمصائب الحياة وضعف مناعتهم النفسية على تحملها وتجاوزها، فيبدأ التساؤل: لماذا أنا؟ وإذا كان الله موجوداً وعادلاً وواسع الرحمة، فكيف يقع هذا الظلم؟
تحتار نفوسه، وتضطرب وتخشى أن تتلمس طريق الإجابة، فيثار الشك حتى تصل لإنكار في وجود الله.
السبب الثاني، ولعله ذو انتشار واسع إلى حد ما في وقتنا الحالي هو غياب العقلية النقدية، فنحمل الفكرة مساوئ من ينتسبون إليها، فيرى الأبناء نقائص وأخطاء بعض المتدينين أو مدعي التدين، التي قد تكون من نقص بشري كالعجز والظلم والجهل والشهوة والكسل، أو أخطاء تتعلق بالخلل في تطبيق الدين نفسه أو تأويل نصوصه، فينسبونها تلقائياً للدين نفسه، ثم يقفزون من نقد الدين لإنكار وجود الله.
والأسوأ تأثيراً على الإطلاق هو أن يكون هذا المتدين أحد الوالدين، فيشعر الأبناء دائماً بالحاجة لكسر قيوده الدينية التي يكرهونها والتحرر منها.
السبب الآخر هو عدم قدرة هؤلاء على تحمل الشرائع والتكاليف، لأنهم ببساطة لم تتم تربيتهم على ربط التكاليف أو الفروض بمصادرها الروحية ودلالتها التربوية، فبالتالي يرونها قيوداً على حريتهم الشخصية، فيحاولون التملص منها، وبالتالي يقعون في حرج فكري بين الإقرار بوجود الله ورفض الالتزام بشرائعه، وهذا التناقض العقلي يؤدي بهم للفرار إلى الإلحاد من باب الاضطرار العاطفي لا الاستدلال العقلي.
وقد شرح الغزالي ذلك بعبارة بليغة موجزة، قال: فإن الفاسق بأدنى شبهة ينخلع عن الدين؛ فإن ذلك يحل عنه الحجر ويرفع السد الذي بينه وبين الملاذ فلا يحرص على إزالة الشبهة بل يغتنمها ليتخلص من أعباء التكليف.
أي: ضعف الرابطة الدينية والانغماس في الشهوة، يجعل الإنسان أكثر استعداداً وقبولاً للشبهات، ليتخفف من تأنيب الضمير وأعباء التكليف.
وفي القرآن إشارات كثيرة لهذا التناسب، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وقال: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}، وقال: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
السبب الرابع والأخير هو التأثر بالمادية الغربية، حيث تهيأ لهم أن التطور العلمي والحضاري في الغرب ليس لسبب إلا لأنهم عزلوا الأديان عن العلم، ونحوا فكرة الإله الخالق عن الأذهان، وأننا كمسلمين بقينا عالقين في مستنقعات التأخر العلمي والانهيارات الحضارية والتردي الثقافي، وهي بالطبع حجة عاطفية لا تصمد أمام أي نقد عقلي.
وبالطبع يساعد الترويج من خلال المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت على نشر الأفكار الإلحادية بين المراهقين والشباب بشكل فعال.
كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في ترويج الأفكار الإلحادية بين الشباب والمراهقين؟
تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت للترويج لأفكار الإلحاد بين الشباب العربي بطرق مختلفة، ومنها:
1- إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتعزيزها بالمحتوى الذي يدعو إلى الإلحاد بواجهة عن التفكير العلمي، وتوفير المساحة للنقاش والحوار المفتوح حول هذه الأفكار.
2- توفير الدورات التعليمية والمحاضرات العلمية والمنتديات والمؤتمرات المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتوفير الفرصة للشباب للمشاركة فيها بسهولة وبشكل مجاني.
3- توفير المواد التعليمية المختلفة على الإنترنت، مثل الكتب الإلكترونية والمقالات والفيديوهات، التي تدعو إلى الإلحاد، وتوفير الفرصة للشباب العربي للوصول إليها بسهولة.
4- استخدام الإعلانات المدفوعة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، للترويج للصفحات والمجموعات والمواقع التي تدعو إلى الإلحاد والتفكير.
5- توفير الدعم والمساندة للشباب العربي الذين يتبنون أفكار الإلحاد، وتوفير الفرصة لهم للتواصل والتعاون مع بعضهم بعضاً والترويج لهم ليصبحوا مشهورين.
كيف نحمي أبناءنا من السقوط في هوة الإلحاد العاطفي؟
يعتبر تعزيز المناعة النفسدينية لدى الأطفال من الأمور المهمة التي تحميهم من الأسباب التي تؤدي بهم إلى الإلحاد العاطفي، وفي النقاط التالية بعض الطرق التي قد تساعدك في تقوية المناعة النفسية لطفلك:
1- التواصل الجيد: يجب التواصل بشكل جيد مع الأطفال وتقديم الدعم النفسي والعاطفي لهم، مما يمكنهم من التغلب على الصعوبات والتحديات النفسية.
2- التشجيع على النشاط البدني: يساعد النشاط البدني على تحسين المزاج والحالة النفسية للأطفال، ويحسن من مناعتهم النفسية.
3- تعليم الأطفال التفكير الإيجابي: يمكن تعليم الأطفال التفكير الإيجابي عن طريق تحفيزهم على الانتباه إلى الأشياء الجيدة في حياتهم، وتشجيعهم على التفكير بإيجابية والتفاؤل.
4- تعزيز الثقة بالنفس: يمكن تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم عن طريق تشجيعهم على تحقيق الأهداف الصغيرة والتقدير لجهودهم.
5- تقديم الدعم الاجتماعي: يمكن تعزيز المناعة النفسية للأطفال من خلال تقديم الدعم الاجتماعي والاهتمام بالحوار العائلي والتفاعل مع المجتمع المحيط بهم.
كما يمكن تعزيز المناعة الدينية لهم عن طريق الخطوات التالية:
1- تعليم الأطفال القيم والمعتقدات الدينية: يجب تعريف الأطفال بالقيم والمعتقدات الدينية المهمة التي تميز الدين الذي يتبعونه، وتعزيز علاقتهم بالله والإيمان بالخير والشر.
2- الاهتمام بالجانب الروحي والمعنوي: يجب التركيز على الجانب الروحي والمعنوي للأطفال، وتشجيعهم على الصلاة والقراءة الدينية وحضور الأنشطة الدينية المختلفة.
3- تقديم الدعم العاطفي: يجب توفير الدعم العاطفي للأطفال، والاستماع إلى مشاكلهم ومخاوفهم، وتفهم مشاعرهم وتقديم النصائح والإرشادات الدينية المناسبة.
4- توفير الأدوات التعليمية المناسبة: يجب توفير الأدوات التعليمية المناسبة للأطفال، مثل الكتب الدينية والأناشيد والأفلام الدينية، والتأكد من أنها تتماشى مع قيم ومعتقدات الدين الذي يتبعونه.
5- الحفاظ على الأخلاق الدينية: يجب تعزيز الأخلاق الدينية لدى الأطفال، مثل الصدق والأمانة والتسامح والرحمة، وتشجيعهم على ممارسة هذه الأخلاق في حياتهم اليومية.
6- تعليم الأطفال الحكمة والتفكير النقدي: يجب تعليم الأطفال الحكمة والتفكير النقدي، وتشجيعهم على البحث والاستفسار عن الأمور الدينية المختلفة، وتوفير المساحة الكافية للتحدث والنقاش حول هذه الأمور.
وفي النهاية، يجب علينا التكاتف جميعاً كمربيين ومعلمين ورجال دين وحتى كأفراد حتى نحمي أبناءنا، وحتى نبني حولهم نسيجاً فكرياً قوياً، يحمي عقولهم وفهمهم من الأفكار المضللة والأقوال المزينة بالألوان والزخارف الخادعة، كما يجب تأسيس الآباء والمربيين وتأسيسهم بالعلم القوي الذي يؤهلهم لمواجهة هذه الأفكار المضللة والمنحرفة التي تستهدف عقول أبنائهم.