الداعية المجدد الشيخ محمد الغزالي(*)
حين أكتب عن الشيخ محمد الغزالي السقا، فإنما أكتب من خلال معرفتي به عن قرب، ومعايشتي له، وقراءتي وسماعي له، وهذا بعض حقه عليَّ، وشيء من الوفاء لمن تتلمذت على يديه، وهي ذكريات وخواطر مضى على بعضها قرابة نصف قرن، وقد سبقني للكتابة عنه في حياته وبعد مماته الكثير من الإخوان الذين يعرفون قدر الغزالي ومنزلته، وعلى رأسهم العلامة د. يوسف القرضاوي الذي كان أكثر قرباً، وأطول رفقة، وإنني في هذه الحلقة التي أنشرها أشير إلى بعض تلك الكتابات السابقة.
عرفت أستاذنا الغزالي من خلال ما كنت أقرأ له من مقالات في مجلة “الإخوان المسلمون” التي كانت تصل إلينا بمكتبة الإخوان المسلمين في الزبير سنة 1946م.
ولما قدمت إلى مصر للدراسة الجامعية سنة 1949م تعرَّفت إليه عن طريق الإخوة الزملاء: مناع القطان، محمد بكري، يوسف القرضاوي، يعقوب عبدالوهاب، أحمد العسال، محمد الصفطاوي، محمد الدمرداش، الحاج وهبة حسن وهبة.
كانت لنا مع شيخنا الغزالي لقاءات متكررة كثيرة يزودنا فيها بالعلم النافع، ويثير في نفوسنا الحماس للعمل في سبيل الله والمستضعفين، ويبصِّرنا بمكائد الأعداء في الداخل والخارج، ويكشف مخططاتهم الماكرة لحرب الإسلام والمسلمين، ويفضح دعاوى الشيوعية والاشتراكية والعلمانية والقومية والماسونية والإلحاد والوجودية والصليبية والصهيونية، ويحذِّرنا من التحالف المشؤوم بين قوى الشر ضد الإسلام ودعاته، ويوضِّح لنا سبل التصدي لمقاومة هذه الهجمة الشرسة من قوى الكفر مجتمعة.
إن أستاذنا الشيخ الغزالي داعية متوقد الذهن، جياش العاطفة، عميق الإيمان، مرهف الإحساس، قوي العزم، شديد المراس، بليغ العبارة، يتأثر ويؤثر، حلو المعشر، رقيق القلب، كريم الطبع، يلمس هذا فيه كل من عاش معه، أو رافقه أو التقاه، فهو لا يحب التكلف، ويكره التعالم والتحذلق، يعيش الواقع بكل مشكلاته، ويتصدى للمعضلات، ويكشف الحقائق، ويدق ناقوس الخطر، ليحذر الأمة من الوقوع في المهالك والسقوط في الهاوية التي يقود إليها شياطين الإنس والجن في الشرق والغرب على حد سواء.
والشيخ الغزالي من أعلام الإسلام في العصر الحديث، وهو داعية قل نظيره في العالم الإسلامي اليوم، يتمتع ببديهة حاضرة، وديباجة مشرقة تأخذ بمجامع القلوب، حتى إنني كنت أحفظ مقاطع بل صفحات كاملة من كتبه، وأرتجلها في الخطب بنصها، وقد ذكر ذلك د. القرضاوي في كتابه “الشيخ الغزالي كما عرفته”، فقال: «أذكر أن الأخ عبدالله العقيل حين كان يدرس في كلية الشريعة بالأزهر في أوائل الخمسينيات، كان يحفظ مقدمة الطبعة الثانية لكتاب “الإسلام والأوضاع الاقتصادية”، ومطلعها: لم تستذل شعوب كما استذلت شعوب الشرق، ولم يُستغل شيء في هضم حقوقها كما استغل الدين.. إلخ».
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه القيِّم “مذكرات سائح في الشرق العربي”: «كنت حريصاً على الاجتماع بالشيخ محمد الغزالي الذي حدثني عنه الطالب عبدالله العقيل وأثنى عليه بصفة خاصة وأهداني بعض مؤلفاته، فهو من شخصيات الإخوان المسلمين البارزة، وأحد كتَّاب النهضة الدينية بمصر، وقابلت مؤلف “الإسلام والأوضاع الاقتصادية”، و”الإسلام والمناهج الاشتراكية”، و”الإسلام المفترى عليه”، و”من هنا نعلم”، قابلت الرجل الذي يغذي جماعة الإخوان المسلمين بالغذاء الفكري والروحي الصحيح والأدب الإسلامي الدسم، وسررت لهذه المقابلة لأني رأيت فيه رجلاً صالحاً مثقفاً نشيطاً صاحب قلب حيٍّ وعقل نيِّر، ووجه يفيض بالبشر، ورأيت أن كلاً منا يعرف صاحبه عن طريق الكتب والرسائل ويرى في هذه الكتب صورة أفكاره ومبادئه..» انتهى.
نشـأتــه
لقد ولد شيخنا الغزالي في يوم 22/9/1917م في قرية «نكلا العنب» من إيتاي البارود بمحافظة البحيرة بمصر.
ونشأ في أسرة محافظة يغلب عليها العمل بالتجارة، وكان والده من حفظة القرآن الكريم، وقد نشأ الابن على ذلك، حيث حفظ القرآن الكريم وعمره عشر سنوات، وتلقى تعليمه في كتَّاب القرية، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، حيث أكمل المرحلة الابتدائية والثانوية، ثم انتقل إلى القاهرة، حيث درس بكلية أصول الدين سنة 1937م، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1941م، ثم تخصص في الدعوة والإرشاد، حيث نال شهادة الماجستير سنة 1943م، وقد تزوج وهو طالب بكلية أصول الدين ورزق بتسعة من الأولاد.
ومن أهم مشايخه الذين تأثّر بهم فترة الدراسة الشيخ عبدالعزيز بلال، والشيخ إبراهيم الغرباوي، والشيخ عبدالعظيم الزرقاني.. وغيرهم.
وبعد تخرجه عمل إماماً وخطيباً في مسجد «العتبة الخضراء» ثم تدرج في الوظائف حيث صار مفتشاً في المساجد، ثم واعظاً بالأزهر ثم وكيلاً لقسم المساجد، ثم مديراً للمساجد، ثم مديراً للتدريب، فمديراً للدعوة والإرشاد، وقد قضى في معتقل الطور سنة 1949م حوالي السنة، وقضى في سجن طرة عام 1965م فترة من الزمن، وفي سنة 1971م منح صلاحيات وكيل الوزارة، وفي سنة 1977 أعير للمملكة العربية السعودية كأستاذ في «جامعة أم القرى» بمكة المكرمة، وفي سنة 1981م عُيِّن وكيلاً للوزارة، كما تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبدالقادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة خمس سنوات.
أول معرفته بالإمام البنَّـا
وعن صلته بالإمام الشهيد حسن البنا، يروي أ. محمد المجذوب، في كتابه «علماء ومفكرون عرفتهم»، على لسان الغزالي قوله: «.. كان ذلك أثناء دراستي الثانوية في المعهد الديني بالإسكندرية، وكان من عادتي ملازمة مسجد عبدالرحمن بن هرمز في منطقة رأس التين بعد المغرب من كل يوم لمذاكرة الدروس، وذات مساء، وإذا بالإمام البنا يلقي على الناس موعظة قصيرة شارحاً فيها الحديث الشريف: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، وكان حديثاً مؤثراً يتصل بأعماق القلب، فما إن فرغ منه حتى وجدت نفسي مشدود القلب إليه، ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به، ومضيت معه عقب صلاة العشاء إلى مجلس يضم بعض رجال الدعوة، ثم استمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الداعية العملاق إلى أن استشهد سنة 1948».
وكتب الغزالي في مقدمة كتابه «دستور الوحدة الثقافية للمسلمين»، فقال: «.. مُلْهم هذا الكتاب وصاحب موضوعه الأستاذ الإمام حسن البنا، الذي أصفه ويصفه معي كثيرون، بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، فقد وضع الإمام البنا جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، وتعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسُنة نبيهم، وتتناول ما عراهم من خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء بيد آسية، وعين لماحة، فلا تدع سبباً لضعف أو خمول..».
وعن المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان المسلمين، كتب الغزالي يقول: «.. من حق الرجل أن أقول عنه، إنه لم يسع إلى قيادة الإخوان المسلمين، ولكن الإخوان هم الذين سعوا إليه، ومن حقه أن يعرف الناس عنه، أنه تحمَّل بصلابة وبأس، كل ما نزل به فلم يجزع ولم يتراجع، وبقي في شيخوخته المثقلة عميق الإيمان واسع الأمل حتى خرج من السجن.
الحق يُقال إن صبره الذي أعز الإيمان، رفعه في نفسي، وأن المآسي التي نزلت به وبأسرته، لم تفقده صدق الحكم على الأمور، ولم تبعده عن منهج الجماعة الإسلامية منذ بدأ تاريخنا، وقد ذهبتُ إليه بعد ذهاب محنته وأصلحت ما بيني وبينه ويغفر الله لنا أجمعين».
وعن أ. عمر التلمساني، المرشد الثالث للإخوان المسلمين، كتب الغزالي يقول: «.. في سنة 1949م ونحن في معتقل الطور مع الألوف من الإخوان بعد استشهاد الإمام حسن البنا، رأيت أ. عمر التلمساني في خطواته الوئيدة، ونظراته الهادئة، يمشي في رمال المعتقل باسماً متفائلاً، يُصبِّر الإخوان على لأواء الغربة وقسوة النفي ويؤمل الخير في المستقبل، ورأيتني أمام رجل من طراز فذ، تحرِّكه في الدنيا مشاعر الحب والسلام، وكان يكره الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، ويؤْثر العزلة، ويرى أنسه في الانقطاع إلى الله، ولم تكن رذائل الرياء والتطلع تعرف طريقاً إلى فؤاده، ذهبتُ إليه لأتعاون معه في خدمة الإسلام فقال لي: تعلم إن هذا عبء ثقيل تحملته برغمي وقبلته وأنا كاره، قلت: نعم أعلم ذلك، فأنت ما سعيت إلى صدارة، ولا تطلعت إلى إمارة، ومثلك جدير برعاية الله وتسديده..».
هذا الذي قاله الغزالي عن الإمام البنا، ثم الهضيبي، ثم التلمساني، يكشف لنا عن نفسية الشيخ الغزالي وأصالته ونفاسة معدنه.
شهادات بحق الغزالي
وحسبه فخراً واعتزازاً أن يتلقى وهو في مرحلة الشباب الرسالة التالية من الإمام حسن البنا سنة 1945م وهذا نصها: «.. أخي العزيز الشيخ محمد الغزالي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: قرأت مقالك «الإخوان المسلمون والأحزاب» في العدد الأخير من مجلة «الإخوان المسلمون»؛ فطربت لعبارته الجزلة، ومعانيه الدقيقة، وأدبه العف الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب دائماً وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حسن البنا».
يقول د. عبدالصبور شاهين: «.. ما أكتبه هنا شرف لي قبل أن يكون تقديماً للكتاب، والحق أن كتاباً يوضع على غلافه اسم الأستاذ الغزالي لا يحتاج إلى تقديم، فحسبه في تقديري أن يتوَّج بهذا العلم الخفاق وقد قرأت الدنيا له عشرات الكتب في الإسلام ودعوته، وتلقت عنه ما لم تتلق عن أحد من معاصريه، حتى إن عصرنا هذا يمكن أن يطلق عليه في مجال الدعوة عصر الأستاذ الغزالي».
ويقول أ. عمر عبيد حسنة، مدير تحرير مجلة “الأمة” القطرية: «.. كتابات الشيخ الغزالي تحمل عاطفة الأم على وليدها المريض، الذي تخشى أن يفترسه المرض، وبصيرة الطبيب الذي يقدم العلاج، وقد يكون العلاج جراحة عضوية إن احتاج الأمر إلى ذلك، وكانت كتبه تواجه التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء، ونجد الشيخ الغزالي في الخندق الأول، حيث أدرك الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الإسلام».
ويقول أ. قطب عبدالحميد قطب: «إنني واحد من عشرات الألوف المؤلفة التي تعشق من أعماق قلوبها الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي.. وأشهد أن حبي لهذا العالم الكبير والداعية الشهير أكثر من حبي لنفسي، فهو من القلة النادرة التي تربى على علمها وفضلها أكثر من جيل، لا في مصر وحدها، ولكن في كثير من البلدان العربية والإسلامية، كيف لا وهو الذي تربى في أحضان الدعوة ورضع من لبانها وتتلمذ على جهابذة العلم وأساتذة الفكر وأساطين الدعوة، وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا».
ويقول د. عبدالستار فتح الله سعيد: «.. لا ينسى تاريخ الإسلام، ما قام به الأئمة الأعلام من جهد ناصب لرد الغارة الجاهلية العارمة، وحشد الأمة حول معالم الإسلام الشامل، الذي لا يقبل التجزئة والتفريق، ولقد قامت أفواج متلاحقة تذود عن معالم الوحي والحق، وفي ظلال المدرسة الربانية المجاهدة، التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا تربى شيخنا محمد الغزالي وحمل أعباء الدعوة مع رجالها الكبار، ثم صار -بفضل الله تعالى- علماً من أعلامها، ومضى يرفع لواءها شامخاً في وجه الاستبداد والإلحاد، ويذود عن شرف الإسلام بقلمه ولسانه، ويجلي حقائق الوحي الأعلى، ويقارع الجاهلية الطامسة يوم ضرب الطغيان على أمتنا ليلاً بهيماً».
أما شيخ الأزهر د. عبدالحليم محمود، فقد كان يقدِّر الشيخ الغزالي ويعرف له حقه وفضله، ويفخر به ويعتز ويقول: «ليس لدينا إلاَّ غزالي الأحياء والإحياء» يعني الغزالي المعاصر، والغزالي أبي حامد صاحب “إحياء علوم الدين”.
لقد استفاد شباب الصحوة الإسلامية المباركة من علم الشيخ الغزالي وجرأته وصراحته، وصدقه ووضوحه، وكان له تلامذة في الأزهر في مصر وفي أم القرى في مكة المكرمة وفي كلية الشريعة في قطر وفي جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية في الجزائر، ومن خلال الخطب والدروس والمحاضرات والندوات والكتب والمقالات والاجتماعات والمؤتمرات، وهؤلاء التلامذة يعدون بالألوف من أنحاء العالم الإسلامي، وهم أوفياء لدعوة الإسلام حملوا الراية مع أستاذهم وشيخهم وانطلقوا يبلغون دعوة الله وينشرون رسالة الإسلام ويقودون الأمة إلى مواطن الخير والفلاح والنصر والنجاح.
وقد برز منهم أساتذة كبار وعلماء فحول، تقرّ بهم العيون وتعلّق عليهم الآمال ومن هؤلاء العلامة د. يوسف القرضاوي، والشيخ مناع القطان، ود. أحمد العسال، ود. عبدالصبور شاهين.. وغيرهم.
إنتاجه العلمي:
إن لشيخنا الغزالي مؤلفات كثيرة جاوزت الستين كتاباً في مواضيع مختلفة([1])، بالإضافة للمحاضرات والندوات والخطب والمواعظ والدروس والمناظرات التي كان يلقيها داخل مصر وخارجها، وإن خطبه في الجامع الأزهر وجامع عمرو بن العاص لها شأن عظيم وأثر بالغ كبير، حيث كان يحضرها الألوف من الناس، ومن أهم مؤلفاته التي طبعت أكثر من مرة في مصر وخارجها: “الإسلام والأوضاع الاقتصادية”، “الإسلام والمناهج الاشتراكية”، “من هنا نعلم”، “الإسلام والاستبداد السياسي”، “عقيدة المسلم”، “خلق المسلم”، “فقه السيرة”، “ظلام من الغرب”، “قذائف الحق”، “حصاد الغرور”، “جدد حياتك”، “الحق المر”، “ركائز الإيمان بين العقل والقلب”، “التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام”، “مع الله”، “جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج”، “الطريق من هنا”، “المحاور الخمسة للقرآن الكريم”، “الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر”، “دستور الوحدة الثقافية للمسلمين”، “الجانب العاطفي من الإسلام”، “قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة”، “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث”، “مشكلات في طريق الحياة الإسلامية”، “سر تأخر العرب والمسلمين”، “كفاح دين”، “هذا ديننا”، “الإسلام في وجه الزحف الأحمر”، “علل وأدوية”، “صيحة تحذير من دعاة التنصير”، “معركة المصحف في العالم الإسلامي”، “هموم داعية”، “مائة سؤال عن الإسلام”، “خطب في شؤون الدين والحياة” (خمسة أجزاء)، “الغزو الفكري يمتد في فراغنا”، “كيف نتعامل مع القرآن الكريم”، “مستقبل الإسلام خارج أرضه كيف نفكر فيه”، “نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم”، “من كنوز السنة”، “تأملات في الدين والحياة”، “الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين”، “كيف نفهم الإسلام؟”، “تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل”، “قصة حياة”، “واقع العالم الإسلامي في مطلع القرن الخامس عشر”، “فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء”، “حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي”، “دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين”، “الإسلام والطاقات المعطلة”، “الاستعمار أحقاد وأطماع”، “حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة”، “نظرات في القرآن”، “ليس من الإسلام”، “في موكب الدعوة”.. إلخ.
ولقد ترجم الكثير من هذه المؤلفات القيمة إلى العديد من اللغات كالإنجليزية والتركية والفارسية والأوردية والإندونيسية وغيرها.
ومعظم الذين قاموا بهذه التراجم هم من تلامذة الشيخ الغزالي ومحبيه وعارفي فضله والذين استفادوا من فيض علمه وعطائه.
صفاتــه:
يقول العلامة د. القرضاوي: «قد تخالف الغزالي أو يخالفك في قضايا تصغر أو تكبر وتقل أو تكثر، ولكنك -إذا عرفته حق المعرفة- لا تستطيع إلا أن تحبه وتقدِّره، لما تحسه من إخلاص لله، وتجرد للحق واستقامة في الاتجاه، وغيرة صادقة على الإسلام، صحيح أنه أُخِذَ على الشيخ أنه سريع الغضب، وأنه إذا غضب هاج كالبحر حتى يُغرق، وثار كالبركان حتى يُحرق، وسر هذا أن الرجل يبغض الظلم والهوان لنفسه وللناس، ولا يحب أن يَظلم أو يُظلم، ولا أن يستخف بكرامة أحد، كما لا يستخف بكرامته أحد كما أنه لا يطيق العوج والانحراف، وبخاصة إذا لبس لبوس الاستقامة، أو تستر بزي الدين، فهو الذي يقاتله سراً وعلانية.
ثم إن من صفات الشيخ الغزالي أنه -إن كان سريع الغضب- فهو سريع الفيء رجَّـاع إلى الحق إذا تبيَّن له، ولا يبالي أن يعلن خطأه على الناس علانية، وهذه شجاعة لا تتوافر إلاّ للقليل النادر من الناس، فهو شجاع عندما يهاجم ما يعتقده خطأ، شجاع عندما يعترف بأنه لم يحالفه الصواب فيما كان قد رآه.
قد يأخذ الناس على الشيخ الغزالي بعض آرائه وفتاويه، لأنها ليست على مشربهم، ولكن الذي أعلمه أن الشيخ الغزالي لم يخرج في فتوى أو رأي على إجماع الأمة المستيقن، وقد اتُّهم شيخ الإسلام ابن تيمية قديماً، بأنه خرق الإجماع في قضايا الطلاق، وما يتعلق به، وهي التي قال فيها تلميذه الحافظ الذهبي: «وله فتاوى نيل من عرضه بسببها وهي مغمورة في بحر علمه».
والغزالي يعترف بالفضل لإخوانه وزملائه أمثال الشيخ سيد سابق، والشيخ عبدالمعز عبدالستار، والشيخ زكريا الزوكة، والشيخ إسماعيل حمدي.. وغيرهم.
بل كان يخجلني بقوله أمام الملأ: “اسألوا يوسف القرضاوي فهو أولى مني، لقد كان فيما مضى تلميذي، وأما اليوم فأنا تلميذه”، وهذه منزلة لا يرقى إليها إلا الصادقون». انتهى.
لقد كثرت لقاءاتي مع الشيخ الغزالي وتعددت منذ التقيته أول مرة بمصر سنة 1949م وإلى أن لقي ربه.
فقد زار الكويت أكثر من مرة وخطب وحاضر، وسعدنا به في الندوة الأسبوعية مساء الجمعة، وكانت آخر ندوة له هي التي شاركه فيها الشيخ عبدالعزيز علي المطوع، ود. عصام البشير، كما كانت زياراتي له بالقاهرة أكثر من مرة، وآخرها قبل فترة وجيزة من وفاته.
ثم شاء الله تعالى أن يحضر مؤتمر الجنادرية ليشارك في ندوة «الإسلام والغرب»، وكنت وقتها في زيارة لسورية بدمشق، فإذا بالأنباء توافينا بالخبر الذي زلزل كياني حزناً على فقده، فهو شيخي وأستاذي وأنا مدين له بفضل كبير.
لقد كان الغزالي علماً شامخاً، وداعية مجدداً، ومجاهداً صلباً، ومقاتلاً شجاعاً، وكاتباً قمَّة في البلاغة والأدب قلَّ نظيره في دنيا العروبة والإسلام، كما ذكر ذلك الأستاذ عبدالعزيز عبدالله السالم في جريدة “الرياض”.
وقد تُوفي في الرياض يوم 9/3/1996م، ونقل إلى المدينة المنورة، حيث دفن في مقابر البقيع، وكان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود دوره المشكور في تقدير الرجل وتكريمه في حياته وبعد مماته ومواساة أسرته.
رحم الله شيخنا الجليل الشيخ محمد الغزالي السقا وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين، وحشرنا الله وإياه مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
والحمد لله رب العالمين.