أثار إغلاق «المجتمع»، الجريدة الإسلامية التي انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي، رد فعل واندهاشاً كبيرين، تمثل في سيل من الرسائل التي وردت إلينا من مختلف العواصم الإسلامية!
وكانت الدهشة أعظم حين علم المثقفون المسلمون بهذا السبب الذي من أجله أغلقت جريدتهم الإسلامية لمدة أسبوعين!
ثم ما تلاه أيضاً من إغلاق امتد أسبوعين آخرين.
جريدة «المجتمع» التي أخذت على كاهلها بعث روح التدين ونشر العقيدة والوقوف في وجه التيارات الإلحادية واليسارية التي يعلم الجميع أنها تدق كثيراً من الأبواب، فمن إذن سيقف للدفاع عن الكيان الإسلامي الكويتي؟!
هذا سؤال خطير فمن يجيب عنه؟!
والذي لا شك فيه أن هذا الإغلاق قد كشف مفهوماً قديماً خاطئاً يعزل الدين الإسلامي عن الحياة.
ومن باب تكرار البديهيات أن نقول: إن الإسلام عبادة وجهاد، وإنه اقتصاد وسياسة، وإنه ما من شأن من شؤون الحياة إلا ونظمه هذا الدين العظيم أحسن تنظيم.
وعودة إلى تاريخنا لنرى كيف فعل رسولنا | عندما جاء بدعوة الحق.
لقد أسس الدولة.
وكوَّن الجيش.
وجاهد لتكون «كلمة الله» هي العليا.
وقد كان، وفُتحت له الدنيا ولأصحابه.. فأداروا الأقطار سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
فهل كان مفهومهم أو شريعتهم –التي هي شريعتنا- أن الدين معزول عن السياسة؟
إننا حين نهتم بقضية فلسطين وبالحفاظ عليها؛ فلذلك لأن فلسطين لم تكن على مدار التاريخ سوى قضية إسلامية.
فهل يخفى اهتمام العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بها؟
فبماذا نعتذر للعالم الإسلامي عن الكويت إذا نحن لم نطرق باب الدفاع عن قضية فلسطين شعباً وأرضاً؟
أليس واجبنا يتجاوز مجرد الكتابة إلى تنفيذ أوامر الله بحمل السلاح وإعلان الجهاد لإنقاذ كل شبر من الأرض الإسلامية الذي تقرر بوضوح في المؤتمر الإسلامي المنعقد في جدة؟
نعم.. صدقت يا رسول الله: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
إذن، فماذا ارتكبت جريدة «المجتمع»؟!
ألا يعطي هذا الإغلاق فرصة للمتربصين بنظامنا بالقول بفكرة مضادة عن تطبيقنا للنظام الديمقراطي بالكويت؟
والذي لا ينبغي أن يفوتنا الإشارة إليه بهذه المناسبة هو هذه النداءات والشكاوى والصرخات بل والرجاءات التي طالما وجهها كل حريص على بيته ووطنه الكبير من أهل الكويت، محذرين من «غزو إعلامي» مدبر اتسم باللاأخلاقية، وهدفه طعن المجتمع الكويتي في صميم تكوينه الذي يعتمد عليه للمستقبل.
وكل ذي بصيرة يدرك المقصود من الغزو بالصورة العارية والقصة الجنسية والفيلم الماجن والصحف الهدامة.. وغير ذلك، وماذا يمكن أن تحدث في نفس شاب يدرج في مدارج الرجولة؟ وإلى أي الأشياء ستوجه اهتماماته؟
لماذا تغمض الوزارة عينيها إذن عن هذا العبث بالأخلاق الذي حرمته مواد قانونية أثبتها «قانون المطبوعات»، وأيضاً في كلتا المادتين (26) و(37)؟
ولماذا تحتشد كل هذه المجلات الجنسية العارية بالعشرات في واجهة أغلب مكتبات الكويت المستورد منها والمحلي دون ما تتخذ الوزارة أي خطوة لمنعها ومراقبتها وإغلاقها؟!
إن المواد تحرم مجرد فكرة «خدش» الأخلاق، أفلا تعتبر كل هذه البركة الآسنة من القاذورات الجنسية خادشة للحياء؟
ألا يعتبر هذا التداول للمطبوعات التي يرد معظمها من الخارج محطمة لفكرة النظام العام الهادفة لحماية الأسرة الكويتية المسلمة التي يحميها الدستور.
إن «السكوت» عن قول الحق هو الذي سبب لأمتنا كوارث لم تزل آثارها تفيض علينا وعلى الأرض الإسلامية الوبال والهزائم المتكررة.
ولقد قال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في بيانه، ما يوضح المتاعب التي تعانيها البلاد وما يجب المسارعة إلى عمله مع تأكيده على إيمانه بالنظام الديمقراطي السليم: «إني إذ أحدثكم اليوم كرئيس للحكومة، وكواحد منكم فاتحاً لكم قلبي في إخلاص وباسطاً إليكم يدي في صدق فلكي أوكد لكم أولاً:
– إيماني بنظام الحكم الديمقراطي السليم.
– ولكي أصارحكم بما تعانيه بلادنا من «علل اجتماعية» ومشكلات وأخطاء.
– ولنضع لها العلاج.. ونرسي لها دعائم الإصلاح، لنجنب بلادنا كل سوء، ولنسير بها -بمشيئة الله- إلى بر الأمان، ولنحفظ لها مبادئ الحرية والشورى من الزوال!
وإني أطالب كل واحد منكم بأن يشاركني عبء هذه الأمانة بتحمل نصيبه منه، كأفراد أسرة واحدة، يقوم كل واحد منهم بما يتوجب عليه، في تعاون صادق وحرية شاملة نؤمن بها جميعاً».
والآن أين قانون المطبوعات من تطبيق نداء رئيس الوزراء؟ أين نحن من هذه الدعوة لمعالجة العلل والأخطاء بالحرية والديمقراطية اللازمنية؟ حين نهتم بتحمل نصيبنا من الأمانة كأسرة واحدة، فننبري للأخطاء والأخطار نواجه كلتيهما.
[1] العدد (28)، عام 1970م، ص6.