[1] العدد (303)، عام 1976م، ص8.
مرة أخرى.. حول ندوة الأزمة – وأين مجلس الوزراء[1]
لئن كان كل موظف مسؤولاً في دائرته، وكل وزير مسؤولاً في وزارته، فإن المسؤولية الأساسية والتبعة الكبرى يتحملها مجلس الوزراء بصفته التضامنية.
فهو يملك -بحكم الدستور- صلاحيات واسعة، وهو في الوقت نفسه أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.
ولقد وجه النقد الجزئي إلى الأجهزة التابعة لمجلس الوزراء؛ أي الوزارات والمؤسسات الحكومية.
ولا يكون هذا النقد عادلاً وجذرياً إلا إذا تناول مجلس الوزراء نفسه، حيث إن كل جهاز تنفيذي إنما هو صورة مصغرة لمجلس الوزراء أو فرع منه.
ومن ثم تعين نقد الأصل؛ وضعاً للأمور في مكانها الصحيح، وفي حجمها الحقيقي، وتطبيقاً للمعيار العادل الذي يحمل الناس من التبعات بمقدار ما يتحملون من مسؤوليات.
وابتغاء للإصلاح في العمق والقمة، فنحن متأكدون أن كافة الأجهزة التنفيذية في الدولة لن تستقيم كما ينبغي ولن تؤدي عملها بإخلاص وجد وانتباه إلا إذا سبقها إلى ذلك مجلس الوزراء.
إن هذا المجلس الذي يمثل قمة السلطة التنفيذية ليس مصدراً للقرار فحسب.
إنه إلى جانب ذلك ينبغي أن يكون قدوة في التطبيق العملي، قدوة تشحذ إرادة الخير وتبعث معاني الاستقامة والاهتمام العالي وقيم الأمانة وحُسن الأداء في نفوس وعقول كل الذين يعملون في الأجهزة الفرعية.
إن البلد يموج بمفاسد تكاد تغرق الناس وتطويهم في دواماتها الرهيبة.
والإحساس يتزايد يوماً بعد يوم بضرورة مكافحة هذه المفاسد والمناكر.
لكن مجلس الوزراء يبدو وكأنه غائب!
ولعل هذا التعبير أخف وطأة من القول بأن مجلس الوزراء يعلم ولكنه لا يفعل شيئاً، ولا يريد أن يقوم بإجراءات إصلاحية عميقة تطهر البلد من الفساد والانحرافات.
على أن المسألة ليست مسألة تعبير، ذلك أن نتيجة «الغياب» والغفلة كنتيجة العلم أو الإدراك الذي لا يتبعه عمل جاد ولا إرادة إصلاح، فالنتيجة في الحالين هي تراكم الفساد وتضخم الانحرافات.
كل أسبوع يجتمع مجلس الوزراء -وبطريقة منتظمة- ليبحث الرسائل الواردة إلى الكويت، ويتابع الموقف السياسي الخارجي، وينظر في القضايا المحلية.
القسائم السكنية والمسائل الاقتصادية.. إلخ، وهذا من صميم عمل مجلس الوزراء ولا شك، ومع تقديرنا لأهمية تحسين ظروف الناس المادية والمعيشية إلا أن ذلك ليس هو كل شيء.
مثلاً: ما قيمة القسائم السكنية؟ ما جدوى الفيلات الجميلة التي تبنى فوقها إذا أصيب الناس في أخلاقهم بسبب ما تبثه وتنشره أجهزة الحكومة من فسوق وعصيان.
إن العمران الشكلي لا يغني أبداً عن العمران النفسي والخلقي والعقائدي والروحي.
وازدهار السوق التجارية لا يغني عن ازدهار المجتمع بقيم الإسلام وعبادة الله تعالى وازدهار السلوك بحكام الأخلاق وربح الفضيلة؛ (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) “سبأ:37”.
قلنا: إن مجلس الوزراء يجتمع -بانتظام- كل أسبوع ليبحث قضايا محلية وخارجية.
ولكننا لم نسمع أنه خصص جلسة أو جلسات متتابعة لدراسة الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية في البلاد.
بينما الحاجة الملحة تدعو إلى إعطاء هذه القضايا أسبقية خاصة؛ نظراً لأهميتها وحجمها وأثرها على حاضر الوطن ومستقبله.
إن الله قد أرسل أنبياء ورسلاً، وأنزل وحياً لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والفكرية الأخلاقية.
(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) “الشعراء: 142-152”.
وقص القرآن الكريم علينا قصصاً كثيراً تؤكد هذا المعنى وتعمقه:
– (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) “الشعراء:106-108”.
– (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) “الشعراء:124-126”.
– (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) “الشعراء:161-163”.
– (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) “الشعراء:177-179”.
أو ليس من الغرائب المحيرة فعلاً أن يبحث مجلس الوزراء كل شيء ما عدا القضايا العقائدية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية؟
إن مواجهة الفساد الذي استشرى في مجتمعنا هذا لا تحتمل التأجيل.
وهذه بعض مظاهر الفساد وعوامله:
– درجت وزارة الإعلام كل عام على تنفيذ برنامج يسمى ببرنامج «الترويح السياحي».
ومفهوم الترويح السياحي لدى القائمين عليه ليس سوى استيراد فرق الرقص والغناء والتبذل؛ وبالتالي استيراد «الجو» الانحلالي الذي يقترن بالرقص والغناء والتبذل.
وإذا كان الواجب يحتم على الحكومة تطهير البلاد من الفساد المحلي، فكيف تسمح باستيراد مزيد من الفساد من الخارج؟ وهل هذه خطة متعمدة، أم أن القائمين على الترويح السياحي يطبقون على الشعب نزعاتهم الخاصة وأهوائهم الذاتية؟
– وفي جامعة الكويت تسيب أخلاقي واضح، وأراد «المتأمركون» بثه في الجامعة حتى تصير مثل الجامعة الأمريكية ببيروت، وكراً للانحلال والحياة الاجتماعية الأمريكية الفاسقة، ووكراً للتجسس والمؤامرات والتخريب.
وعلى الرغم من رفض الأمة للاختلاط، فإن كثيراً من مسؤولي الجامعة يعملون على تشجيع مظاهر الاختلاط وتطبيقه.
– والفنادق والمؤسسات السياحية تمثل نموذجاً من الحياة الغربية التعسة، الحياة الغربية بانحلالها وظلامها، وبؤسها الاجتماعي والنفسي والأخلاقي؛ من حمامات السباحة المختلطة إلى الرقص إلى الخمور إلى المجون.. إلخ.
– والتلفزيون في الكويت ما زال يواصل إرساله المنحرف ويبث أفلامه التي تحرض على الخيانة الزوجية وشرب الخمر والسرقة والقتل.
وهو إرسال هدد أمن البلاد بخطر محقق؛ لأن الدلائل تشير إلى أن موجة البلاغات عن قنابل في أماكن مختلفة كان وراءها نفر دربه البث التلفزيوني على هذه الأعمال الإجرامية.
– والمذهب المهاريشي الوثني التجسسي ما زال يعبث في المجتمع الكويتي وينشر أفكاره المعادية للإسلام، الكافرة بالغيب والوحي والنبوة.
– والنماذج السيئة المتمثلة في بعض المسؤولين التاركين للصلاة، المقترفين للمعاصي، المنتهكين لحرمات الله، المهملين في أعمالهم، هذه النماذج لا تزال تغري من خلفها بتقليدها ومحاكاتها؛ الأمر الذي يوجب انتقاء العناصر الصالحة -خبرة وسلوكاً- وتوسيد الأمر إليها، وإعادة النظر بطريقة شاملة في الجهاز الوظيفي في الدولة من كبار المسؤولين إلى صغارهم وإصلاحه على أساس معيارين اثنين: الاستقامة والتدين وتقوى الله، والكفاءة العملية.
– ومزارع الرذيلة والفجور والمقامرة ماضية في حياتها الفاسدة المفسدة دون رادع ودون عقاب.
فأين مجلس الوزراء من هذا كله؟ وماذا ينتظر؟
إن مجلس الوزراء ممثلاً في رئيسه وأعضائه مسؤول بين يدي الله عز وجل عن كل ما يصيب الأمة من فساد وانحراف وعصيان وضياع.
لأنه يملك أن يغير ويملك أن يصلح.
ولأن حراسة الدين والقيم والأعراض مقدمة على حراسة الأموال والسلطان والحدود.
ولأن المقصرين يبررون تقصيرهم وتهاونهم بموقف مجلس الوزراء.
مثلاً: الشخص المسؤول عن الترويح السياسي، يكرر في كل سنة قولاً مفاده أن رئيس مجلس الوزراء وافق على كذا، وشجع كذا، ولا بد من حسم هذا التشابك وتمحيص هذا الادعاء، حتى تحدد المسؤولية، وتتعين المحاسبة.
إن السلطة أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها؛ (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) “البقرة:283”.
ونسأل الله ألا يجعلنا من الذين تنطبق عليهم الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) “إبراهيم:28-29”
[1] العدد (303)، عام 1976م، ص8.