[1] العدد (1142)، عام 1995م، ص22.
«المجتمع».. بين الأمس واليوم[1]
يسرني وقد مضى على تأسيس «المجتمع» وصدورها خمسة وعشرون عاماً، فدخلت -بفضل الله مع صدور هذا العدد- عامها السادس والعشرين، أن أتقدم لإخواني وزملائي الذين واكبوا مسيرتها فتحملوا -والذين ما زالوا متحملين- مسؤولية هذه الأمانة طوال مسيرتها بأصدق الدعوات والتمنيات بأن يتقبل الله منهم هذا البذل الذي يقومون به، وهذا العطاء الذي يقدمونه بسهرهم ودأبهم وتحملهم لمسؤولية الدفاع عن أمتهم والذود عن دينهم، فهم يقفون على ثغر، نسأل الله لنا ولهم وللمسلمين الثبات عليه إلى أن نلقاه غير مبدلين ولا مغيرين.
لقد كان هدفنا حينما فكرنا في إصدار «المجتمع» في أواخر الستينيات هو أن ننشئ مجلة تدافع عن قضايا المسلمين، وتعبر عن آرائهم، وتحمل أفكارهم، وتتحدث عن قضاياهم وما يتعرضون إليه، وتربط حاضرهم بماضيهم، وتنشر الرؤى والتصورات الصحيحة لمستقبلهم، وفضح خطط الاستعمار وحبائله ومكائده، وإعطاء المسلم الصورة الصحيحة لواقعه، ومخاطر الأفكار الهدامة المحيطة به من القومية، والعلمانية، ومطامع الصهيونية، فقد كانت الهجمة على الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت قد بلغت شأواً كبيراً وما زالت، وكانت السجون والمعتقلات في أكثر من قُطر عربي تعج بعشرات الآلاف ممن سُجنوا ظلماً وعدواناً لا لشيء إلا أنهم يقولون ربنا الله بتحريض من أعداء الأمة، وكان القوميون والبعثيون قد وصلوا إلى سدة الحكم في أكثر من قُطر عربي، بدعم غربي مادي وعسكري محكم، ومع ذلك كانت هناك صحوة إسلامية كبيرة بحاجة إلى من يقف معها ليناصرها ويذب ويدافع عنها، وعما تتعرض إليه من محن ومكائد، فولدت «المجتمع» لتقوم بهذا الدور، وكان صدور أول عدد من «المجتمع» بتاريخ 9 المحرم 1390هــ، الموافق 17 مارس 1970م.
تكاليف الطريق:
ومنذ أول يوم صدرت فيه «المجتمع» قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وحتى الآن وهي تشق طريقها -بفضل الله- بعزم وثبات؛ واضحة الهدف، صريحة التوجيه، غزيرة العطاء، فكانت صوت الصحوة الإسلامية الكبرى التي عمت العالم الإسلامي كله، ترشد وتوجه، وتثقف وتُعرّف، وتنقل الأخبار وتناقش القضايا، وتدافع عن المظلومين، وتتبنى قضايا المستضعفين، وتفضح الظالمين، وتطالبهم بأن يكفوا عن ظلمهم، والسادرين بأن يفيقوا من غيهم، فأصبحت -بفضل الله- مرآة تعكس واقع المسلمين وتحمل همومهم، وتعبر عن آمالهم وغاياتهم.
وقد تحملت «المجتمع» مسؤولية إبراز قضايا المسلمين الكبرى طوال ربع قرن مضى، وكانت قضايا المسلمين في كل من: الفلبين، والهند، وأفغانستان، والصومال، وأفريقيا، والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وكشمير، والبوسنة والهرسك، والمسلمين في أوروبا، وجنوب شرق آسيا، والقضية الفلسطينية، وما يحاك حولها من مؤامرات ومكائد هي محاور «المجتمع» وقضاياها الرئيسة.
غير أن هذا قد كلفها الكثير، فحيكت لها المكائد والمؤامرات، وأوصد الطغاة في وجهها الأبواب، ومنعت دخولها وتداولها بعض الأقطار، لأنها تنتقد واقعهم السيئ، وظلمهم لشعوبهم، وحاول أعداء الإسلام أن يسكتوا هذا الصوت، ويجففوا ذلك النبع، إلا أن حفظ الله سبق الجميع، ونسأل الله أن يديم حفظته، وأن يسبغ فضله علينا وعلى المسلمين.
بين الأمس واليوم:
إننا حينما نتطلع إلى مسيرة «المجتمع» الطويلة التي وصلت -بفضل الله- الآن إلى عددها رقم (1142)، ووصلت في طباعتها إلى ثلاثة وستين ألف نسخة أسبوعياً، لتصبح -بفضل الله- من أكثر المجلات الأسبوعية طباعة وتوزيعاً في العالم العربي، نجد أن عبء المستقبل علينا أثقل من عبء الماضي، فالصحوة الإسلامية أصبح لها الآن شأنها وبروزها ليس في العالم الإسلامي فقط، وإنما في شتى أنحاء الدنيا، وأصبح حصار الأعداء وتكالبهم عليها أشد وطأة، وأكثر جمعاً، فأصبحت قضايا اليوم أكبر من قضايا الأمس، ومحاور الغد أكبر من محاور اليوم، وأصبح سلاح الإعلام -والصحافة جزء منه- من أكثر الأسلحة أهمية لدى الأمم والشعوب، ونحن حينما نتطلع إلى إمكاناتنا البسيطة أمام إمكانات أعداء الصحوة الإسلامية الهائلة، نجد أن المعادلة بمقاييس البشر صعبة، لكننا نتمسك دائماً بمقاييس الله عز وجل، فهو وحده الذي نركن إليه، ونستمد منه وجودنا ونقدم له بذلنا وجهدنا، سائلينه سبحانه أن يرزقنا الإخلاص وصدق النوايا.
مسؤولية القراء تجاهنا:
ويأتي دور قرائنا ومكانتهم لدينا، فهم هدفنا المنشود، ومحور خطابنا ومرآتنا التي تعكس قصورنا وتبصرنا بعيوبنا، ولذلك فإن مسؤوليتهم تجاه مجلتهم «المجتمع» لا تقل عن مسؤولية القائمين عليها، فهي مجلة المسلمين في كل مكان، ومسؤولية إنجاحها ودعمها لإكمال مسيرتها وإرشاد القائمين عليها إلى بعض هفواتها -إن وجدت- حق لنا عند كل منهم لا نفرط فيه، ولا نقبل عذراً له، فكل نصيحة، وكل قول، وكل رسالة، وكل مكالمة هاتفية تردنا من كبير أو صغير لها عندنا كل التقدير، وكبير الاهتمام، وإذا كان بعض قرائنا يعتبون علينا أننا نغض الطرف عن معالجة بعض القضايا وتناول بعض الأخبار، فإن هذا ليس تقصيراً منا، وإنما مراعاة وموازنة في المواقف لكي نستطيع معالجة القضايا بأسلوب يضمن تأدية «المجتمع» رسالتها الكبرى على المدى القريب والبعيد، ولكي تصل رسالة «المجتمع» بانتظام لقرائها.
لذلك، فكل مسلم تصله هذه الكلمات هو معنا في خندق واحد يحمل معنا العبء الذي نحمله، ويبصرنا بعيوبنا ويناصح، فالطريق شاق وطويل، والمسؤولية عظيمة، والإمكانات محدودة وقليلة، والمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ويد الله مع الجماعة، والمسلم للمسلم كالبنيان، ونحن -والله- لا نشعر بوجودنا إلا بكم، فكونوا عوناً لإخوانكم يكن الله حافظاً ومعيناً لنا ولكم، فعلى خطى أسلافنا نسير، وعلى خطانا -إن صحت- سيأتي التابعون من بعدنا فليكن دربنا هو الدرب القويم، وطريقنا هو صراط الله المستقيم.
إن الحديث ذو شجون، وإننا إذ نحمد الله على ما مضى، فإننا نستعينه على يومنا ومستقبلنا، وحسبنا أننا نتمسك بحبله المتين، ونحمل دينه القويم، ونعلي رايته في العالمين، مستمدين سندنا وقوتنا من قوله في محكم كتابه العزيز:
(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) “الحج:38″، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) “محمد:35″، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
[1] العدد (1142)، عام 1995م، ص22.