راحة البال نعمة يفتقدها كثير من الناس، وسط ضغوطات الحياة، وتزايد الصراعات السياسية والاقتصادية، مصحوبة بنمط مادي بات يحكم جميع المجتمعات.
قال الله في محكم كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُم) (محمد- آية2)، أي: أصلح شأنهم وحالهم، وقلوبهم وعقولهم ونفوسهم، وقال -تعالى- عن الشهداء الذين قٌتلوا في سبيله (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ . وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (محمد – آية:5-6).
من أجل نيل راحة البال، يمكن عمل الآتي:
- طاعة الله، والتقرب إليه سبحانه وتعالى، والمحافظة على الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، والتزام الذكر والدعاء، وقيام الليل، ستجني حال ذلك الطمأنينة وراحة البال.
- الصدق مع النفس، ومع الآخرين، يحقق الرضا والسلام النفسي للإنسان، بينما يتسبب الكذب في إفساد علاقاتك مع الآخرين، وسيأتي يوم يؤنبك ضميرك إذا كنت كاذبا وتتحرى الكذب.
- الاعتماد على النفس، وتحمل المسؤولية، وعدم انتظار العون من الآخرين، أو الاتكالية عليهم، فتصاب بالخيبة والحزن حال تخلوا عنك.
- عدم الانشغال بالدنيا، والجري وراء الملذات والشهوات، هذه حالة ستحقق لك السمو الروحي، وراحة البال، حيث تعلم نفسك أن الدنيا دار فناء، ومتاعها قليل، وأنها تنتظر الأجر والثواب في الآخرة.
- احترام الجميع، وتفهم طبائع البشر، واختلاف العباد، دون تمييز أو عنصرية، ودون تأثر بجنس أو لون، ما يمنحك مصالحة مع مجتمعك، ومع الآخرين، تجلب لك راحة البال.
- الكمال لله، فلا تبحث عن الكمال والمثالية، ولا ترهق نفسك، ولا تجلد ذاتك، ولا تكثر من انتقاد الآخرين، ولا تعش في الماضي، ركّز على ما تمتلكه لتصل إلى السلام الداخلي.
- العفو والصفح؛ لأن الشحناء ستزيد من آلامك، وسترهقك نفسيا، ولنا القدوة الحسنة في هذا الرجل الذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلع رجل من الأنصار، تَنْطِفُ لحيته من وضوئه، قد تَعَلَّق نَعْلَيه في يده الشِّمال، فلمَّا كان الغد، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرَّجل مثل المرَّة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثَّالث، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرَّجل على مثل حاله الأولى، فلمَّا قام النَّبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إنِّي لَاحَيْت أبي فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُـؤْوِيَني إليك حتَّى تمضي، فَعلتَ. فقال: نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثَّلاث، فلم يره يقوم من اللَّيل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه، ذَكَر الله عزَّ وجلَّ وكبَّر حتَّى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أنِّي لم أسمعه يقول إلَّا خيرًا. فلمَّا مضت الثَّلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنِّي لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مِرَار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلعت أنت الثَّلاث مِرَار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق)).