فقه التربية الإسلامية منهج شامل يهدف إلى تنمية شخصية الطفل من كل جوانبها وفقاً لما يرضاه الله وتبعًا لما شرع، ولتحقيق هذا الهدف تستخدم التربية الإسلامية مجموعة من الأدوات والمفاهيم التي تعزز التنمية الشخصية وتوجه السلوك داخل الأطر الإسلامية، وفي هذا المقال سنتناول بعضًا من هذه الأدوات التي لا يُستغني عنها.
1- الرفق واللين:
من أهم صفات المربي البعد عن العنف ولين الجانب، وهذا الخلق هو ما امتدح الله تعالى به مربي الأمة الأول محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: 159)، وهذا عكس ما هو دارج في التصورات من أن المربي لا بد أن يتحلى بالقسوة حتى يُصلح حال من يربي، والمتأمل في الهدي النبوي يجد خلاف ذلك، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، وقوله: «إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق».
فالرفق واللين يساعدان على شرح الصدور ورهف الشعور والقرب بين المربي ومن يربيه، بعكس العنف والقسوة التي تجعل النفوس تنفر عن التوجيه والنصح، وكفى بأمر الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام أن يقول لفرعون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه: 44).
وهذا التواصي بالرفق لا يعني التساهل مع الأخطاء وغض النظر عن تقويمها، فالمربي يحتاج أيضًا إلى الحزم وقت اللزوم حسب قدر الخطأ.
2- الحب والحزم:
لا تعارض البتّة بين اللين والحزم، فدافع الحب يجعل المربي راغبًا في الخير لمن يربيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فِيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَخْ كَخْ، ارْمِ بها، أما علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة»، فحب النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه ورحمته به لم تمنعه من توجيهه بحزم حين قال: «ارم بها»، ثم تعليمه سبب المنع، كل هذا في جملة واضحة موجزة دون محاضرة طويلة أو ارتفاع للصوت أو تعنيف لا حاجة له، فطول الحديث قد يُشتته عن المراد فيضره ولا ينفعه.
3- فهم الدوافع:
إذا لم يُعرف سبب التصرف فلن يتم توجيه النصيحة بشكل صحيح، ولذا علمنا من النبي صلى الله عليه وسلم أهمية فهم الدوافع، كما حصل في موقفه مع خادمه أنس رضي الله عنه حيث قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن أحسنِ الناسِ خُلُقًا، فأرسلوني يومًا لحاجةٍ، فقلتُ: واللهِ لا أَذْهَبُ وفي نفسي أن أَذْهَبَ لما أَمَرَني به نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، قال: فخرَجْتُ، حتى أَمُرُّ على صِبْيانٍ، وهم يلعبون في السُّوقِ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قابضٌ بقَفَايَ مِن ورائِي، فنظَرْتُ إليه وهو يَضْحَكُ، فقال: «يا أُنَيْسُ، اذهبْ حيث أمرتُك»، قلتُ: نعم، أنا أَذْهَبُ يا رسولَ اللهِ، قال أنسٌ: واللهِ لقد خدَمْتُه سبعَ سنين -أو تسعَ سنين– ما علمتُ قال لشيءٍ صنعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كذا وكذا، ولا لشيءٍ تَرَكْتَ: هلَّا فعلتَ كذا وكذا.
فتفهُّم دافع اللعب عند الأطفال يجعل المُربي يتغافل عما يجده من نسيانهم أحياناً بسببه، وبالتالي ففهم خصائص وسمات كل مرحلة تجعل المربي يفسر سلوكيات الطفل فيوجهه بأفضل ما يمكن.
4- التربية بالموقف:
المربي الحكيم هو الذي يفهم دوافع الأفعال فيستطيع استغلال المواقف في غرس القيم وتهذيب السلوك وتوجيه من يربي إلى أخطاء أخرى ربما لم ينتبه إليها، جاء في الحديث أن ناسًا جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فلعلكم تأكلون متفرقين»، قالوا: نعم، قال: «فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه».
فهذا التوجيه في أمر بسيط كالاجتماع على الطعام وفعل سننه مفهم لقيمة الاجتماع عامة في أمر الدين وأهمية الاعتصام بالسنن، وهو من أسمى ما يُطلب.
5- الصبر على توجيههم وتهذيبهم:
يغفل كثير عن الحاجة إلى الصبر على التعليم والتربية دون التوبيخ أو الإشعار بالنقص، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بغلام وهو يسلخ شاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنحَّ حتَّى أريَكَ»، فأدخل يده بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى.
فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينهره أو يوبخه، بل باشر تعليمه الأمر عمليًا ليكون أدعى لثباته في ذهنه، فينبغي للمربي مهما كان انشغاله من بذل الجهد والوقت والصبر على التوجيه.
هذه بعض أدوات التربية التي لا غنى عنها للمربي، وعلى من يخشي صعوبتها أن يذكر قول الله تعالي: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه»، وهذا أعظم دافع لكل مربٍّ لكي يبذل جهده دون خوف من أي فشل قد يحدث، فلن يضيع الرحمن الرحيم من جاهد لينفذ مراده في تعبيد الناس له والقيام بحقوق من استرعاه فيهم.