هو عبدالرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي (1753 – 1825م)، ولد وتوفي بالقاهرة، وهو مؤرخ مصري صاحب المؤلف الشهير «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» المعروف بـ«تاريخ الجبرتي»، وقد حكى قصة عجيبة شاهدها بنفسه، حيث كان أبطالها أباه وزوجتيه.
قال الجبرتي: تزوج والدي الشيخ حسن الجبرتي بنت رمضان جلبي، وكانت به بارة وله مطيعة، ومن جملة برها له وطاعتها أنها كانت تشتري له من السراري الحسان من مالها، وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن إليه وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك، وكان يتزوج عليها كثيراً من الحرائر ويشتري الجواري فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة.
ومن الوقائع الغريبة أنه لما حج في عام 1156هـ واجتمع به الشيخ عمر الحلبي بمكة، أوصاه الحلبي بأن يشتري له جارية بيضاء تكون بكرًا دون البلوغ، وصفتها كذا وكذا، فلما عاد من الحج طلب الجواري لينتقي منهن المطلوب، فلم يزل حتى وقع على الغرض فاشتراها، وأدخلها عند زوجته المذكورة حتى يرسلها مع من أوصاه بإرسالها، صحبته، فلما حضر وقت السفر أخبرها بذلك، فقالت: إني أحببت هذه الوصيفة حبًا شديدًا، ولا أقدر على فراقها وليس لي أولاد، وجعلتها مثل ابنتي، وبكت الجارية أيضًا، وقالت: لا أفارق سيدتي، ولا أذهب من عندها أبداً، فقال: وكيف يكون العمل؟ قالت: أدفع ثمنها من عندي، واشتر أنت غيرها ففعل.
ثم إنها أعتقتها، وعقدت لزوجها عليها، وجهزتها وفرشت لها مكانًا على حدة، وبنى بها والدي في عام 1165هـ، وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها ضرتها، وولدت له أولادًا، ومرضت الجارية، فمرضت لمرضها وثقل عليها المرض، فقامت الجارية في ضحوة النهار، فنظرت إلى مولاتها وكانت في حالة الإغماء، فبكت وقالت: إلهي إن كنت قدرت موت سيدتي، اجعل يومي قبل يومها.
ثم رقدت، وماتت لتلك الليلة، فأضجعوها بجانبها، فاستيقظت مولاتها الليل، وجدتها بيدها وصارت تقول: زلیخا! زليخا! فقالوا لها: إنها نائمة، فقالت: إن قلبي يحدثني أنها ماتت، ورأيت في منامي ما يدل على ذلك، فقالوا لها: حياتك الباقية، فقامت وهي تقول: لا حياة لي بعدها.
وصارت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار، وغسلوها بين يديها وحملوا جنازتها، ورجعت هي إلى فراشها، وماتت آخر النهار وخرجوا بجنازتها في اليوم التالي، وهذا من أعجب ما شاهدته ورأيته ووعيته، وكان سني إذ ذاك أربع عشرة سنة.