يستخدم مجرمو الإنترنت الشبكة لاصطياد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي عبر المحتوى الإباحي، وهو ما تصاعدت وتيرته في الآونة الأخيرة، خاصة مع انتشار تطبيق «تيك توك» الذي بات مسرحاً يصل بعض المحتوى فيه إلى مستوى الإباحية الصريحة؛ ما استدعى تحذيرات عديدة من خبراء الأمن الإلكتروني.
وبحسب تحذيرات الخبراء، فإن المجرمون يستخدمون طرقاً عدة لنصب مصيدة الإباحية، منها إنشاء حسابات وهمية بأسماء شخصيات حقيقية، وإرسال رسائل نصية أو بريد إلكتروني إلى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي على روابط لمواقع إباحية، والتعليق على منشورات المستخدمين بتعليقات ذات إيحاءات جنسية، واستغلال نقاط الضعف العاطفية للمستخدمين، مثل الشعور بالوحدة أو العزلة، لإرسال رسائل ذات محتوى جنسي لهم، حسبما أوردت دراسة لمجلة «Journal of sex research».
وبمجرد أن يتمكن المجرم من جذب انتباه المستخدم، يبدأ في بناء علاقة معه، وقد يتظاهر بأنه صديق أو حبيب، وقد يحاول معرفة المزيد عن حياة المستخدم الشخصية.
وبعد ضمان ثقة المستخدم، يبدأ المجرم في طلب صور أو مقاطع فيديو إباحية منه، وبعد الحصول عليها يصبح المستخدم فريسة سائغة تحت التهديد الدائم بنشر هذه الصور والمقاطع إذا لم يفعل ما يريد المجرم في أوي وقت لاحق.
50 % من مستخدمي شبكات التواصل تعرضوا للتحرش عبر الإنترنت
وعادة ما يستهدف المجرمون اختراق حسابات المستخدمين عن طريق الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، وابتزازهم للحصول على المال أو معلومات حساسة، بحسب الدراسة.
وأظهرت دراسة، أجرتها جامعة كاليفورنيا، أن 50% من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي تعرضوا للتحرش الجنسي عبر الإنترنت، فيما أوردت دراسة أخرى أجرتها جامعة ستانفورد أن 25% من مستخدمي الشبكات تعرضوا للابتزاز الجنسي.
ووفقًا لدراسة «Journal of Sex Research»، فإن المشاهدة المفرطة للمحتوى الإباحي يمكن أن تؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب وانخفاض رضا الذات.
كما يُظهر تقرير نُشر في مجلة «Cyberpsychology, Behavior, and Social Networking» أن الأشخاص الذين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مفرط يشعرون بالوحدة والقلق والضغط.
الوعي الأمني
وتُعد شبكات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لهذه لهجمات المصايد الإباحية بسبب الكم الهائل من المعلومات الشخصية التي يتم تبادلها فيها ونقص الوعي الأمني لدى بعض المستخدمين.
وبحسب الدراسات ذاتها، فإن الأكثر عرضة للاصطياد الإباحي هم الأطفال والمراهقون والأشخاص ذوو المستوى التعليمي المنخفض والعزاب ومن يعانون من اضطرابات نفسية.
واللافت للنظر أن الذكور أكثر عرضة للاصطياد الإباحي من الإناث، بحسب الإحصاءات الواردة في الدراسات المشار إليها.
كما أن التكاليف الاجتماعية للضحية قد تشمل التمييز والتنمر والتهديد والابتزاز من قبل الجاني أو من قبل الأشخاص الذين شاهدوا المحتوى الإباحي، وقد يفقد الضحية علاقاته مع أسرته أو أصدقائه أو شركائه، بسبب خيانة الثقة أو عدم التفهم أو الخجل، وقد يواجه صعوبات في إيجاد عمل أو دراسة أو سكن، بسبب سمعته المتضررة.
هذا فضلاً عن التكاليف الاقتصادية للضحية، التي قد تشمل خسارة فرص العمل أو الترقية أو التعليم، بسبب التشهير أو التشويه، وقد يضطر إلى دفع مبالغ مالية لإزالة المحتوى الإباحي من مواقع التواصل، أو للاستشارة النفسية أو القانونية، أو أن يخسر ممتلكاته أو حقوقه، بسبب التلاعب أو التزوير.
الأطفال والمراهقون والعزاب الأكثر عرضة للاصطياد الإباحي
وقد تمتد التأثيرات المجتمعية للاصطياد الإباحي إلى انخفاض مستوى الأمان والثقة بين الأفراد، وزيادة مستوى العنف والجريمة، وقد يؤدي هذا إلى ضعف التكامل والتعاون والابتكار في المجتمع، وخلق صورة نمطية سلبية عن المرأة أو المجموعات المستضعفة، وزيادة التمييز والظلم ضدها، حسبما أورد تقرير الانتقام الإباحي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا عام 2019م.
وإزاء ذلك، فإن خطورة اصطياد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي عبر المحتوى الإباحي تتجاوز تشكيل تهديد للأمان الرقمي والخصوصية الشخصية للمستخدمين، إلى مستوى تهديد الأمن القومي للدول في كثير من الأحيان، بحسب الدراسات.
وتُظهر الدراسات ذاتها أن الهجمات القائمة على المحتوى الإباحي تزداد في التعقيد والتطور مع تقدم التكنولوجيا واستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل سلوك المستخدمين وتوجيه هجماتهم بشكل أكثر دقة وفعالية.
ولذا، فإن مواجهة هذا النوع من الهجمات يتطلب جهودًا من مختلف الأطراف، بما في ذلك الحكومات، ومقدمي خدمات الإنترنت، والمنصات الاجتماعية، والمستخدمين أنفسهم.
ويوصي خبراء باتباع بعض الإجراءات لمواجهة مثل تلك الهجمات، مثل تقليل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، والتحدث مع الأطفال والمراهقين بشأن الأخطار المحتملة للمحتوى الإباحي، والبحث عن برامج تصفية المحتوى الإباحي، والتحدث مع المستشارين النفسيين في حال الحاجة.
كما يوصي خبراء الفضاء السيبراني بعدم قبول طلبات الصداقة من أشخاص مجهولين على أي منصة اجتماعية، وعدم فتح الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني من أشخاص مجهولين، والحذر عند النقر على الروابط في الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني، وعدم نشر أي معلومات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والإبلاغ عن أي محتوى إباحي عليها.
وفي حال تعرض الضحية للتحرش الجنسي أو الابتزاز الإلكتروني، فمن المهم أن يتحدث إلى شخص يثق به، مثل أحد الوالدين أو المعلم أو المعالج النفسي، وأن يبلغ السلطات فوراً عن الجريمة دون خشية تهديدات المجرم.
ويمكن أن يؤدي تطور الابتكار التقني دورًا حيويًا في مكافحة هذه الظاهرة، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات للكشف المبكر عن أنماط الهجمات ومنعها مستقبلاً، وهو ما يمكن تطويره عبر شبكات متخصصة من المطورين في عالمنا العربي.
وعلى مستوى الأمن الإلكتروني، يجب أن يكون للمستخدمين على وعي عال بأخطار الاستخدام غير الآمن لوسائل التواصل الاجتماعي، وأن يحذروا من التعامل مع المحتوى المشبوه وعدم مشاركة المعلومات الشخصية مع الغرباء، إضافة إلى ضرورة تطوير أدوات لحماية الخصوصية، تمكن المستخدمين من التحكم في خصوصيتهم ومنع انتشار المحتوى المرئي دون موافقتهم.