لم يكن التعليم يومًا رفاهية، بل ضرورة لبناء المجتمعات وحماية أمنها القومي، لكن الواقع اليوم يؤكد معاناة المنظومة التعليمية العربية من مشكلات عدة تسببت في انفصال التعليم عن سوق العمل، واحتياجات المجتمعات.
وعلى الرغم من المحاولات التي تقوم بها بعض الدول لتطوير مستواها التعليمي وربطه بسوق العمل؛ سواء المحلي أو الإقليمي وحتى الدولي، فإن تكوين رأس المال البشري المؤهل للإنتاج يتطلب معايير معينة، لمواكبة وظائف المستقبل التي تعتمد بشكل أساسي على التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والمعلوماتية والإبداع والابتكار وريادة الأعمال.
معدل الأمية بالدول العربية بلغ 27.1% مقارنة بـ16% عالمياً
«المجتمع» تحاورت مع الخبير التربوي والتعليمي د. مجدي حمزة، المستشار السابق لعدد من مؤسسات التعليم في بعض دول الخليج والعالم العربي، حول هذه المسائل.
بداية، كيف تقيّمون وضع التعليم حالياً في العالم العربي؟
– الحقيقة أنه لا يمكن وضع التعليم العربي كله في سلة واحدة، فهناك فرق كبير بين الدول التي تعاني من زيادة سكنية، والدول الأخرى التي لا تعاني من هذه الأزمة، وكذلك هناك فارق كبير بحسب المستوى الاقتصادي للدول، إلا أنه وبشكل عام يعاني التعليم في العالم العربي العديد من المشكلات والأزمات، وبه معوقات كثيرة تعطل تطويره إلى الأفضل.
هناك دول عربية بدأت تتقدم في مؤشرات تقييم مستوى التعليم، مثل قطر والإمارات والسعودية، لكن هذا لا يعني التخلص من كل المشكلات المتعلقة بالتعليم بها، فالتحديات ضخمة والمستهدف كبير، وهناك تطور في المناهج بالإمارات والكويت وقطر والبحرين والسعودية ومصر، لكنه في الوقت ذاته لم يصل إلى الحد المطلوب.
هل حقق التعليم في الدول الخليجية طفرة مقارنة بباقي دول العالم العربي؟
– في الخليج الوضع مختلف تماماً، فهي في النهاية دول قوية اقتصادياً، ومؤخراً باتت تنفق الكثير على التعليم، ولذلك رأينا دولة مثل قطر ضمن قوائم ومؤشرات الدول الأفضل في مستوى التعليم عالمياً، واستطاعت هذه الدول في السنوات الأخيرة إقامة بنية تحتية ضخمة للتعليم، سواء في المدارس أو الجامعات، وكذلك أجور المعلمين وأساتذة الجامعات أفضل أحياناً بالمقارنة بدول أوروبية، وبسبب البنية التحية الجيدة للتعليم في الخليج رأينا أنه أثناء أزمة «كورونا» كان الانتقال إلى التعليم عن بُعد سلساً ودون مشكلات كبيرة، على عكس ما حدث في دول مثل مصر والجزائر وتونس مثلاً.
وأعتقد أن أزمة الخليج الأساسية كانت تكمن في غياب الرؤية التعليمية العامة، لكن تم تدارك ذلك في السنوات الأخيرة، لذلك أصبحنا نرى قطر في المرتبة الأولى عربياً وخليجياً في مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2021م، وفي المرتبة الرابعة عالمياً، ثم الإمارات في المرتبة الثانية عربياً والعاشرة عالمياً، وجاءت البحرين في المرتبة الـ33، والسعودية حلت في المرتبة الـ54، والكويت الـ97، وعمان الـ107.
في تقديرك، أين تكمن أزمة التعليم في الدول العربية؟
– المشكلات كثيرة للآسف، لكن كما قلنا لا يجب وضع كل البلاد العربية في وضع واحد؛ دولة مثل مصر لديها كثافة كبيرة في الفصول الدراسية وحاجة لبناء مدارس جديدة، وتعيين معلمين جدد، وتعديل رواتبهم بما يعكس الدور الكبير الذي يقومون به، وفي حاجة أيضاً إلى تغيير في المناهج لتناسب التطور الكبير على كل المستويات، كل هذا يأتي في ظل أزمة اقتصادية تعاني منها الدولة، وبالتالي نرى أن مصر رغم أنها دولة قديمة في إنشاء المؤسسات التعليمية، فإنها تعاني الكثير من الترهل للأسباب التي ذكرناها.
نحو 6 ملايين طالب باليمن لا يحصلون على حق التعليم
ولدينا دولة فلسطين بها مشكلات في التعليم؛ لأن الاحتلال الصهيوني يمنع بالتأكيد تطور التعليم بها، وعندنا دول أخرى مثل العراق وليبيا وسورية والسودان واليمن في تراجع تعليمي نتيجة للصراعات السياسية والعسكرية.
وفي اليمن، على سبيل المثال، نجد التقارير الأممية تقول: إن عدد الطلاب المتسربين من المدارس بالمراحل التعليمية المختلفة نحو مليوني طالب، إضافة إلى 4 ملايين متضررين من الحرب نفسها، وبذلك يمكننا القول: إن في دولة مثل اليمن وحدها لديها نحو 6 ملايين طالب لا يحصلون على التعليم.
وكذلك كان الوضع في سورية التي عانت الكثير بسبب الثورة، وكان الطلاب أكبر ضحاياها، وتشير بعض التقارير إلى أن هناك أكثر من مليون طفل في سورية غير ملتحقين بالمدارس، وكذلك ارتفاع مستوى الأمية في السودان والعراق.
وبشكل عام، يشير آخر تقرير أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، أن معدل الأمية في الدول العربية بلغ 27.1% مقارنة بـ16% على مستوى العالم.
هل هناك انفصال بين التعليم في الدول العربية وسوق العمل؟
– لا يمكن الرد بشكل قاطع بنعم أو لا، علينا في البداية أن نلقي نظرة سريعة على معدلات البطالة في العالم العربي، خاصة البطالة بين خريجي الجامعات، فوفقاً لاتحاد الجامعات العربية (منظمة غير حكومية مقرها الأردن)، بلغت نسبة البطالة بين خريجي الجامعات العربية نحو 28%، وهذا يعني بطريقة أو بأخرى أن سوق العمل في حاجة إلى نوعية معينة من الخريجين لا يتخرجون في الجامعات العربية الحالية، وهو يؤكد أننا في حاجة إلى تغيير كبير في رؤية الدول العربية لمخرجات جامعاتها.
فعلى سبيل المثال، التقارير الدولية كلها تشير إلى أن نحو 50% من الوظائف التي يمكن تسميتها بـ«التقليدية» قد تختفي تماماً خلال السنوات العشر المقبلة، وستظهر في المقابل وظائف أخرى تعتمد بشكل أساسي على التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والمعلوماتية والإبداع والابتكار وريادة الأعمال، في المقابل يمكن القول: إن السوق العربية بشكل عام متشبعة ببعض المهن؛ مثل الحقوق واللغات والجيولوجيا والآثار والسياحة، وبالتالي يجب أن يكون هناك محفزات للطلاب لدراسة العلم الذي تحتاجه السوق.
هل الأزمة هنا تتعلق فقط بتطور المناهج أم أن هناك أسباباً أخرى؟
– في الحقيقة لا، فالمنظومة التعليمية منظومة مترابطة، وعند وضع حلول لها يجب أن تتم بشكل أفقي، بحيث يتم في البداية معرفة ماذا نريد من التعليم، ثم العمل على تحقيق ذلك بخطى ثابتة، حيث يتم حل المشكلات المتعلقة بالمدارس والجامعات وكفاءتها وجودتها كمكان لتلقي العلم، وفي الوقت ذاته يتم تدريب وتجهيز المعلمين وتطوير أدواتهم، واعتبار وظيفة المعلم من المهن السامية؛ وبالتالي يتم وضع رواتب جيدة لهم، فهذا المعلم هو من يبني المستقبل في الحقيقة، وإلى جانب ذلك يتم تعديل المناهج بعد دراسة ما تحتاجه السوق وما ستحتاجه في المستقبل؛ بمعنى أن تكون لدينا خطط إستراتيجية طويلة المدى للاستفادة من التعليم ومخرجاته.
انفصال بين المناهج وسوق العمل ونسبة البطالة بين خريجي الجامعات العربية 28%
شئنا أم أبينا، التعليم هو العمود الفقري لتطور وتنمية أي مجتمع، وأصبح لدى الأمة العربية حالياً وعي بأهمية التعليم القائد والرائد، لكن المهم أن يتم ترجمة ذلك على أرض الواقع، والمناهج الجديدة يجب ألا تعتمد على كثافة المادة التعليمية، بل تعتمد على القدرة في توصيل المعلومة للطالب بشكل مبسط وتفاعلي، ومساعدة الطلاب على تكوين عقل نقدي، ويمكننا الآن القول: إن المدارس في العالم العربي لم تصل إلى المستوى العالمي.
بتقديركم، هل تسببت المدارس والجامعات الأجنبية في تأخر أم تطور التعليم العربي؟
– لا يمكننا أن ننكر دور هذه المدارس والجامعات في تطور مستوى التعليم بالعالم العربي، لكن في الوقت ذاته يجب ألا نتجاهل أن هناك دولاً غربية تحاول دائماً إضعاف الدول العربية من خلال بث سمومها في التعليم؛ بهدف إما ضرب قضية الأمن القومي العربي، أو نشر أفكارها الغريبة عن مجتمعاتنا، وللأسف انتشار المدارس الأجنبية في الدول العربية تمارس نوعاً من هذا الدور، فمصر من أكثر دول العالم التي بها مدارس أجنبية، وهذه مشكلة كبيرة؛ لأن هذه المدارس لا تستخدم العربية اللغة الأم، وهذا يضرب الأمن القومي العربي في مقتل؛ لأن بذلك يتم القضاء على الهوية العربية.
والشيء السلبي الآخر، أن المؤسسات التعليمية في الدول العربية عادة لا يكون لها سيطرة على المدارس الأجنبية، التي لا تراعي الظروف الأخلاقية والدينية، ولذلك يجب على كل دولة عربية أن تلزم المدارس الأجنبية بدراسة اللغة العربية كلغة أساسية لعودة الهوية العربية والإسلامية مرة أخرى، وأتمنى وضع مناهج عربية موحدة، لتكوين جيل قادر على تطور الدول العربية، والتعليم في الوطن العربي سيأتي ثماره سريعاً في حال وجود إرادة سياسية في تغيير أرض الواقع.