ما أجمله من صوت ندي يتلو به الطفل أحمد رمضان عمر آيات القرآن الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة الناس على جلسة واحدة رغم أن عمره لم يتجاوز ثماني سنوات فكان أصغر سارد بين أقمار “صفوة الحفاظ2” الذين تجاوز عددهم 1470 حافظاً وحافظة لكتاب الله تعالى.
كانوا مثل اللؤلؤ المكنون وهم يرتدون ملابسهم البيضاء النقية مثل نقاء قلوبهم الطاهرة التي نشأت على آيات الرحمن في ربوع مساجد غزة العزة.
استوقفتني طفولة أحمد كثيراً كما استوقفت الملايين من شاهده من فلسطين وخارجها؛ ليتردد السؤال بما يذهل العقل كيف لمثل هذا الطفل أن يسرد القرآن الكريم كاملاً بجلسة واحدة؟!
جلسة واحدة سرد في ساعاتها المباركة من صلاة الفجر إلى ساعات تسبق صلاة المغرب أي أنه أنهى تلاوة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة والأعراف طوال السور المباركة وقصارها كذلك.
ما بين أكبر حافظ وأصغر حافظ في مسابقة "صفوة الحفاظ 2".. هكذا يتوارث أهل #غزة #القرآن الكريم جيلًا بعد جيل pic.twitter.com/1PZSV14nQW
— المجتمع (@mugtama) August 16, 2023
اظفر بذات الدين
الأمر لم يكن بالتأكيد وليد يوم وليلة؛ بل كان أكثر من ذلك بكثير، وليس فقط السنوات والشهور التي بذلت بها عائلته ومدرسته “التابعين الشرعية” الجهود الكبيرة؛ لتحقيق ذلك بل سبقه الكثير من الأمور بالغة الأهمية، والتي سبقت وجوده أصلاً، أي حتى قبل أن يكون جنين في أحشاء والدته.
لابد أن يكون أحمد ثمرة زواج مبارك كانت حكايتها بعد التوفيق من الله تعالى، تطبيق قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن اختيار الزوجة حيث أرشد كل رجل مُقبل على الزواج أن يُحسن الاختيار من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: “تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ” (صحيح البخاري).
حيث ذكر الخصال التي يرغب بها الرجل في اختيار الزوجة والتي منها: المال، والحسب والنسب، والجمال، وذكر أهما صلاح الدين أي المرأة الصالحة الملتزمة بشرع الله تعالى والمقتضية بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فهذه رسالة لك أيها الرجل بأن لا تهرول بالزواج من امرأة تحمل الحُسن في جمالها، أو الغنى في مالها، أو أنها من عشيرة يشار لها البنان إن لم تكن صاحبة دين فذلك حتماً سيحرمك من خير الدنيا والأخرة.
سيحرمك من يعينك على طاعة الله تعالى، سيحرمك من الذرية الطيبة تكون لك خيراً في حياتك وبعد مماتك فتذكر قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: ” إِذَا مَاتَ الإِنسان انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيةٍ أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” (صحيح مسلم).
فالمرأة الصالحة كما قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدُّنْيَا مَتَاعٌ. وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ” (صحيح مسلم).
ثمرة الأم الصالحة
وهذا يؤكد على أن الطفل أحمد كانت ثمرة أم صالحة علمت دورها الحقيقي في هذه الدنيا علمت أن مسؤولياتها كبيرة لإنشاء جيل صالح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعكفت على محرابها في الصلاة والذكر والقرآن على مسامع أحمد وهو جنين في أحشائها فهي تعلم أنه حاسة السمع لديه تكون في شهر حملها السادس.
https://twitter.com/SerajSat/status/1691709989629419527?s=20
إدراكها المعنى الحقيقي أن تكون “أم” جعلها لا تنساق خلف وسائل الاتصال الاجتماعي ما بين الفيس واليوتيوب، وغيرهما الكثير؛ لتعرض جسدها وزينتها، أو حياتها العائلية، أو تفاصيل يومها منذ أن تستيقظ حتى تنام من أجل الحصول على الشهرة الكاذبة ودراهم بخس معدودة.
حافظت على عفة ملبسها، وحياء أنوثتها، وخاضت غمار الأمومة من خلف طهارة نقابها فهي تحاول جاهدة أن تنهي مسؤولياتها اليومية حتى تتفرغ لساعات مع طفلها أحمد ما بين التحفيظ والتسميع وتكرير الآيات رغم إشفاقها عليه، لصغر سنه إلا أن ذلك يزول حينما كان أحمد يتلو السورة والجزء؛ بل الأجزاء بدون خطاء.
جيل القرآن جيل التحرير
هذا الأمر جعلها تدرك كما أدركت المئات من نساء فلسطين أنهن مُختلفات عن غيرهن فمسؤولياتهن كبيرة جداً فهن يدركن أن فلسطين مُحتلة، وأن الأقصى في خطر، ومعركة التحرير تحتاج لإعداد جند ليس مثل أي جند، هذا جعلهن يعملن على إعداد العدة في تنشئة جيل قرآني يكون قادر على خوض معركة التحرير.