لم تكن قضية الأمن الغذائي بالدول العربية هينة في الوضع الطبيعي، إذ تعرضت هذه الدول لتقلبات الأسعار بالسوق الدولية، سواء في أزمة الغذاء العالمي عامي 2006 و2007، أو في أزمة التغيرات المناخية عام 2010.
والحال نفسها في ظل أزمة كورونا، التي استمرت خلال عامي 2020 و2021، حيث ارتفعت أسعار الغذاء على نحو ملحوظ، بنحو 35% خلال عام 2021، كما أثرت أزمة الإمدادات الغذائية بظلالها السلبية على الاقتصادات العربية.
لكن أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا أصبحت أكثر تهديدا للوضع الغذائي، ليس فقط على الدول العربية بل على العالم عامة، وإن كانت الدول العربية تأثرت بشكل مباشر وسريع، نظرا لاعتماد العديد منها في تدبير الحبوب والزيوت على روسيا وأوكرانيا.
معاناة 30% من العرب
وبحسب تقرير أممي نشر في مارس 2023 فأن ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية في عام 2021، كما حذر التقرير من أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد قد واصل منحاه التصاعدي، ليؤثر سلباً على ما يقدر بنحو 154.3 مليون شخص في عام 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليون شخص عن العام السابق.
وقال عبدالحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، إن 30% من سكان المنطقة العربية مهددون بالجوع، والسبب الرئيسي في هذا الأمر هو انتشار النزاع سواء في سوريا أو اليمن أو السودان، خاصة أن النزوح يؤدي إلى حالات نزوح كبيرة وترك الأرض والزراعة، مما يؤدي إلى انهيار المنظومة الغذائية.
وتابع خلال تصريحات إعلامية أن حجم هدر الطعام يصل إلى 30%، وفي المنطقة العربية يصل لـ40%، خاصة في مصر ومنطقة الخليج، وبعض الدول الأخرى، وأضاف أن هناك 800 مليون شخص في العالم يذهبون إلى النوم يوميًا بدون طعام، رغم هدر الطعام في كثير من الأماكن بنسبة كبيرة، خاصة في شهر رمضان المبارك.
أزمة كوفيد ضربت سلاسل الإمداد
وأوضح أن أزمة كوفيد ضربت سلاسل الإمداد بصورة كبيرة، وبالتالي انخفضت كمية المنتجات على مستوى العالم، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على سلاسل الإمداد، وعلى صعيد الكويت أشاد الصندوق العالمي لتنوع المحاصيل بجهودها في تعزيز الأمن الغذائي العالمي والتنمية المستدامة، جاء ذلك في لقاء جمع المدير التنفيذي للصندوق ستيفان شميتز، وسفير الكويت في ألمانيا الاتحادية نجيب البدر.
وقال شميتز، وفق بيان للسفارة الكويتية في برلين، إنه «بحث مع السفير البدر سبل تعزيز التعاون مع الكويت في مجال الوصول إلى زراعة مستدامة، والإسهام في جهود تعزيز الأمن الغذائي».
وأكد المسؤول الألماني أنه قدم خلال اللقاء دعوة للكويت للمشاركة في مؤتمر القمة العالمية لتنوع المحاصيل، المقرر عقده في 14 نوفمبر المقبل بالعاصمة الألمانية (برلين)، موضحاً أنه سيتم خلال المؤتمر مناقشة المسائل المتعلقة بتمكين «بنوك البذور» لمكافحة تغيرات المناخ، وتشجيع التنوع البيولوجي والأزمات الغذائية التي تواجه العالم. من جانبه، قال السفير البدر إنه «اطلع على طبيعة عمل ونشاط الصندوق، ودوره الأساسي في تعزيز تحديات الأمن الغذائي العالمي».
وأضاف: «اللقاء تطرق إلى سبل تعزيز التعاون بين الصندوق العالمي والكويت، ونقل خبراته في مجال تحسين حفظ الموارد الوراثية النباتية، وذلك في ضوء عدد من التحديات التي تواجهها الكويت، المتصلة بعوامل التغير المناخي، وندرة المياه، ومدى تحمُّل الحرارة والجفاف والمُلوحة، والمحافظة على التنوع البيولوجي للنباتات».
نقص الإمدادات الغذائية
فيما أطلقت شركة مارمور مينا إنتليجنس، الذراع البحثية للمركز المالي الكويتي «المركز»، تقريراً بعنوان «نقص الإمدادات الغذائية في الفترة من 2020 إلى 2022: دول الخليج تواجه مشكلة إتاحة وليست مشكلة إمكانيات»، ويناقش التقرير الإجراءات التي اتخذتها حكومات الخليج لمواجهة هذه الاضطرابات، ويقدم بعض التوصيات للكويت كخطط طويلة المدى لمواجهة مشكلة نقص المواد الغذائية العالمية.
وأفاد التقرير بأنه لا يكمن التحدي الذي يواجه الأمن الغذائي بالكويت في القدرة على تحمل التكاليف، بل في إمكانية الحصول على المواد الغذائية؛ وذلك بسبب اعتمادها على الواردات، التي تعتبر مرهونة بعوامل مختلفة. وتتطلب معالجة هذه المسألة اتخاذ تدابير لتعزيز الإمدادات الغذائية المحلية، وتنويع مصادر الاستيراد، وتبسيط إجراءات مراقبة الحدود. ومن خلال التركيز على هذه المجالات، يمكن للكويت تقليل اعتمادها على المصادر الخارجية وتعزيز أمنها الغذائي على المدى الطويل.
توصيات يمكن للبلاد تعزيز أمنها الغذائي من خلالها
من أجل ضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل في الكويت، فإن تقرير مارمور مينا إنتليجنس يقدِّم توصيات من خلال تنفيذها يمكن للبلاد تعزيز أمنها الغذائي على المدى الطويل، والحد من التعرض لاضطرابات سلاسل التوريد وتعزيز الاستقرار في توافر المواد الغذائية الأساسية، وهي كالتالي:
1 – تعزيز الإمدادات الغذائية المحلية.
2 – تنويع مصادر الاستيراد.
3 – تبسيط إجراءات مراقبة الحدود.
4 – يمكن لممارسات مثل الزراعة المائية والري بالتنقيط وأعمال الزراعة أن تعزز كفاءة استخدام المياه.
5 – الاستثمار في الدول المتقدمة التي تتمتع بالأمن الغذائي يعد خياراً أفضل من الاعتماد على المناطق التي تعاني انعدام الأمن الغذائي.
6 – يمكن لإجراءات مراقبة الحدود الفعالة واستخدام الشهادات الإلكترونية أن يسهما في تيسير الشحن الزراعي.
نقص المواد الغذائية
بيَّن التقرير أن جائحة كوفيد-19، وارتفاع تكاليف الشحن، وتغير المناخ، وارتفاع أسعار الأسمدة، كانت من ضمن العوامل الرئيسية التي ساهمت في نقص الغذاء وارتفاع التضخم. كما أثرت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل كبير في أسعار المواد الغذائية العالمية. وقد أثرت الاضطرابات في سلسلة الإمدادات الغذائية على كل من الدول منخفضة الدخل ومرتفعة الدخل؛ حيث تعاني أميركا والمملكة المتحدة انعدام الأمن الغذائي ونقص الغذاء بسبب حظر صادرات الأغذية من قبل بلد المنشأ.
وأشار الى أن دول الخليج، التي تمتلك احتياطيات مالية كافية، تمكنت من ضمان توافر الإمدادات من الواردات الغذائية، واستيعاب أي تقلبات مفاجئة ومتقطعة في الأسعار؛ وذلك لعدم وجود مخاوف بشأن القدرة على تحمل التكاليف. إلا أن الاعتماد على الواردات من المنتجات الزراعية والغذائية يثير بعض المخاوف بشأن تأثير اضطرابات سلاسل التوريد على أسعار المواد الغذائية ونقصها.
تكلفة الشحن
ولفت التقرير الى أن الكويت تعتمد على الواردات في %95 من احتياجاتها الغذائية. وفي يناير 2022، أفادت التقارير بأن تكلفة شحن الإمدادات الغذائية إلى الكويت زادت 10 أضعاف؛ من 1400 دولار إلى 14 ألف دولار للطن. وبلغ تضخم أسعار المواد الغذائية %7.46 على أساس سنوي في مارس 2023، بعد أن تسارع من %7 على أساس سنوي في الشهر السابق. وفيما يتعلق بالإمدادات الغذائية، يبدو أن التأثير كان مختلطاً. فقد كان القمح أحد السلع التي تم تسليط الضوء عليها والتي تأثرت بالحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث كانت هذه الدول مصدراً رئيسياً له. إلا أن الكويت لم تتأثر بشكل مباشر لأنها تستورد القمح من أستراليا، وذلك وفقاً لشركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية، المستورد الوحيد للقمح في الكويت. وفي مارس 2022، ذكرت الشركة أن لديها مخزوناً إستراتيجياً يكفي لتغطية ستة أشهر.
نموذج الرفاه
أشار التقرير الى أنه في الكويت، يشمل نموذج الرفاه الذي تتبناه الدولة دعم المواد الغذائية الأساسية من خلال البطاقات التموينية، إلا أن الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية المدعومة أدى إلى زيادة الإنفاق الحكومي. وخلال تفشي فيروس كوفيد-19، فرضت الكويت أيضاً ضوابط على أسعار المنتجات الغذائية الأساسية للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على المستهلكين. ومع ذلك، ومع استمرار ارتفاع الأسعار العالمية، أعاد الموردون توجيه منتجاتهم إلى أماكن أخرى، مما جعل من الصعب على المستوردين الحصول على السلع بالأسعار العالمية. وقد أثر ذلك في توافر المنتجات والخيارات للمستهلك.
مواجهة الاضطراب
أوضح التقرير أنه على الرغم من اعتماد دول الخليج على الواردات، فإنها حافظت على قدرتها في الحصول على المواد الغذائية الأساسية بسبب تدابير الأمن الغذائي الطويلة الأجل التي تبنتها بعد أزمة الغذاء 2007-2008. وتبنت دول مثل الإمارات وقطر والكويت إستراتيجيات مختلفة لتعزيز أنظمة الأمن الغذائي لديها؛ بما في ذلك صياغة إستراتيجيات غذائية وطنية لتعزيز الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الاستيراد، والحد من الهدر الغذائي، وتعزيز الاحتياطيات. وبالإضافة إلى ذلك، تتبنى هذه الدول التكنولوجيا الزراعية، مثل الزراعة الرأسية والأدوات الرقمية، لتعزيز سلاسل التوريد وزيادة إنتاج الغذاء. واستجابةً للظروف المناخية غير المواتية للزراعة، استثمرت السعودية والإمارات أيضاً في الأراضي الزراعية في الخارج.
التحدي الاستراتيجي
وكان الدور الرقابي حاضراً في تبني قضية الأمن الغذائي حيث أكد النائب د. حسن جوهر أن التحدي الاستراتيجي الذي تواجهه الدولة في قضية الأمن الغذائي يجب أن يكون على سلم الأولويات التشريعية، مطالباً الحكومة بأن تبذل قصارى جهدها في استشراف المستقبل وبناء منظومة متكاملة تضمن من خلالها الوصول إلى الإمدادات الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الثروة النباتية والحيوانية.
وشدد على ضرورة تغطية احتياجات المجتمع مع بناء مخزون استراتيجي يجنبها إلى أقصى حد ممكن النتائج المصاحبة للأزمات والكوارث التي يصعب التكهن بتوقيتها، وقال إن تعهد الحكومة الوارد في برنامج عملها للفصل التشريعي السابع عشر (2023- 2027) بشأن إطلاق استراتيجية وطنية للأمن الغذائي لا تزال معالمه غير واضحة بشأن الأدوات التنفيذية التي سيتم استخدامها لتأمين منظومة الأمن الغذائي في دولة الكويت على المدى الطويل.
وأوضح جوهر أنه في الوقت الذي تبين فيه الحكومة في برنامج عملها الحالي بأنها عهدت إلى وزارة التجارة والصناعة بإطلاق هذه الاستراتيجية، إلا أنها أغفلت تحديد موقفها بشأن مشروعِ قانونٍ مرسل من حكومة سابقة في سنة 2014 لا يزال مدرجاً على جدول أعمال مجلس الأمة متعلق بتجديد امتياز شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية في احتكار استيراد الدقيق والقمح لـ 50 سنة أخرى بعدما انقضت قانوناً فترة امتياز احتكارها لهاتين السلعتين الاستراتيجيتين الممنوح لها منذ تأسيس الشركة في سنة 1961.
وأكد أنه انطلاقاً من أهمية المبررات الواردة في ذلك المشروع بأنه من الحكمة تجديدُ مدة امتياز الشركة في احتكار استيراد الدقيق والقمح بحسبانه أحد ركائز الأمن الغذائي لدولة الكويت، لأنها الشركة الوحيدة القادرة على تأمين المخزون السلعي من الدقيق والقمح دون التأثر بتقلبات الأسعار العالمية، فقد تم توجيه سؤال برلماني إلى وزير التجارة والصناعة لاستطلاع الرأي حول مدى تمسك الحكومة بهذا المشروع بقانون أم أنها غيرت قناعاتها بشأنه.
وأضاف أن السؤال يشمل استفسارات عدة حول عدد المؤسسات والشركات المرخص لها استيراد الدقيق والقمح إلى دولة الكويت بعد انقضاء امتياز احتكار شركة المطاحن في استيراد تلك السلعتين الاستراتيجيتين ومدى رصد الوزارة لأي مخالفات في شأن الارتفاع المصطنع بأسعارهما أو وجود ممارسات ضارة بالأسواق في هذا الجانب.