الحمد لله، نصر عبده، وصدق وعده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران: 12)، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال: 36)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249)، (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر)؛ هذه السورة القصيرة، كما تحمل البشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر الله والفتح، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وكما توجهه حين يتحقق نصر الله وفتحه واجتماع الناس على دينه إلى التوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار(1).
لقد اجتمع الطغيان، في 7 أكتوبر 2023م لمواجهة «طوفان الأقصى»، الطغيان الذي كان يريد اقتلاع المسلمين أهل فلسطين من ديارهم وأموالهم وتهجيرهم إلى يريد ويقرر، واجتمعت قوى العالم من كل حدب وصوب لقتال مسلمي فلسطين؛ (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) (الأحزاب: 10).
فباغتهم ليوث الإسلام من جند «القسام» ورفاقهم من حيث لم يحتسبوا؛ فألقى الله الرعب في قلوب بني صهيون؛ فأصبحوا خائفين وجلين مذعورين جامدين لا يعرفون تصرفاً ولا حراكاً، رغم سلاحهم القوي والعصري، ورغم دعمهم من القوى العالمية؛ فإنهم سقطوا صرعى من أول الضربات، إنه سلاح المباغتة القرآني؛ (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة: 23).
الحمد لله على نعمة النصر على الصهاينة المجرمين؛ لقد انكسر غرورهم وساءت حالهم وانحطت معنوياتهم ودُكت الأرض المغتصبة التي اغتصبوها ظلماً وعدواناً، وعظم خوفهم وعويلهم وصراخهم، وازدحم مطارهم، والكثير منهم حجز للسفر ولم يحدد تاريخ العودة!
لقد ألقى الله الرعب في قلوبهم؛ (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 151)، لقد هزم الله تعالى الصهاينة وأحل بهم العذاب والنقمة والذل والعار والانكسار، فهم ما بين قتيل وأسير وجريح، بل أصيبوا بخسائر اقتصادية بالمليارات، كما دمرت دباباتهم ومعداتهم وأجهزتهم العسكرية وبأعداد هائلة!
لقد دُمرت دولة الصهاينة إعلامياً، وفُضحت إنسانياً، وتبين للعالم أن هذا كيان عنصري إرهابي مغتصب جبان، قوته على الأطفال والنساء والمرضى في المستشفيات، ولا قوة له ولا قدرة لمواجهة الجيش وجهاً لوجه في ساحات القتال وجبهات المعارك، كما انخفضت الرغبة في التجنيد الإلزامي، بل هناك الهروب الكبير من الخدمة العسكرية حتى لا يواجهوا الموت والقتل، وتضررت مختلف شركاتهم، وتدنت عملتهم، وانخفضت سنداتهم، وتراجعت أسهمهم السوقية مع تعطيل المصانع والخدمات!
إن أهل فلسطين والشام هم الطائفة المنصورة بإذن الله تعالى؛ «لا تَزالُ طائفةٌ مِن أُمَّتي على الدِّينِ ظاهرينَ لعَدوِّهم قاهرينَ، لا يَضُرُّهم مَن خالَفَهم، إلَّا ما أصابَهم مِن لَأواءَ حتى يَأتيَهم أمْرُ اللهِ وهم كذلك»، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وأين هم؟ قال: «ببَيتِ المَقدِسِ وأكنافِ بَيتِ المَقدِسِ».
لقد كسر جند «القسام» اليأس فتولد لهم النصر، وأعتقد أن جند «القسام» وإخوانهم سيواجهون الصهاينة بما لا يتوقعونه من قوة واستعداد وعتاد وعدد وعدة وأسلحة، وسيفرح المؤمنون الصادقون في مشارق الأرض ومغاربها، وسيحزن المخذّلون والمطبّعون والمنافقون، وعدونا لا يعرف إلا القوة؛ فهي ترعبه وتخوفه وتهزمه وتخرجه من أرض المسلمين صاغرا ذليلاً!
ألف ألف مبروك إطلاق أسرى المسلمين في سجون العدو الصهيوني؛ قال الإمام مالك: «يجب على المسلمين أن يفكوا أسراهم ولو استغرق ذلك جميع أموالهم»، وهذا معْلم من معالم انتصار «طوفان الأقصى».
اللهم لك الحمد، استنصرناك فنصرتنا، وسألناك فأجبتنا، ودعوناك فأعطيتنا، أعطيتنا قوة بعد ضعف، وعزاً بعد ذل، ونصراً بعد هزيمة، ووحدة بعد فرقة، وأمناً بعد خوف، وعافية بعد بلاء، اللهم أتمم علينا عافيتك ونصرك وسترك وفتحك المبين، أكرم شهداءنا، واشف مرضانا، وداو جرحانا، واجمع كلمتنا، وثبت أقدامنا واغفر لنا، اللهم أتمم نصر المقاومة الفلسطينية بفتح مبين للمسجد الأقصى المبارك وتحرير كل فلسطين.
والحمد لله رب العالمين، والله أكبر ولله الحمد!
___________________________________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج6.