كما سبق من مقالات في سلسلة «المدرِّب المتألِّق»، نستمر في عرض وسائل التدريب الآسرة للمتدربين، والجاذبة لانتباههم، وكنا قد عرضنا في المقال السابق وسيلة «توجيه الأسئلة وتخمين الإجابات»، ومن أجل تأكيد أهميتها نعرض المثال التالي:
في إحدى الدورات التدريبية التي قُدمت للحرس الوطني الكويتي، بعنوان «أسرار القيادة الفعالة»، عُرضت 4 وظائف حكومية للمتدربين، وطُلب منهم تخمين الصورة التي ارتسمت في أذهانهم تجاه كل وظيفة: أترسم صورة رجل أم امرأة؟
أما الوظيفة الأولى فكانت وظيفة «الطبيب»؛ فقد رسمت صورة لرجل وصورة لامرأة على قدر سواء.
في حين كانت الوظيفة الثانية «المدير»؛ فقد رسمت صورة لرجل.
أما الوظيفة الثالثة فكانت «الممرض»؛ فقد رسمت صورة لامرأة.
وجاءت الوظيفة الرابعة فكانت «المربي»؛ فقد رسمت صورة لرجل في بيئة العمل، وأخرى لامرأة في المنزل.
وكان الهدف من هذا التمرين إبراز أهمية اختيار المدرب لكلمات إيجابية من أجل رسم صور إيجابية في أذهان المتدربين.
ومن الأسئلة الرائعة التي وُجِّهت للمتدربين في دورة إعداد قياديي المستقبل في وزارة التربية، التي عقدت بتاريخ 17 يناير 2010م السؤال التالي: متى آخر عمل جديد قمت بأدائه في حياتك لأول مرة؟
من سمات المدرِّب المتألِّق التجديد والابتكار والإبداع في الدورة ولو بنسب بسيطة
والعجيب في إجابة هذا السؤال، أن بعض المتدربين لم يقوموا بعمل جديد منذ عدة سنوات! وكانوا يعيشون حياة روتينية متكررة لا جديد فيها! وهذه دعوة مني للمدربين أن يأتوا بوسيلة جديدة في التدريب على الأقل مرة واحدة في كل دورة تدريبية، وليس شرطاً أن يكون الجديد جديداً بنسبة 100%، بل يكفي أن يكون هناك جديد لافت للانتباه لا تتجاوز نسبته 1%؛ لذلك، من سمات المدرب المتألق أنه يأتي بدورات فيها تجديد وابتكار وإبداع ولو بنسب بسيطة.
ونأتي إلى وسيلة أخرى من وسائل التدريب، وهي:
– الكتابة في ورق أو على السبورة:
يجب أن يدرك المدرب المتألق أن استعمال وسيلة «الكتابة في ورق أو على السبورة» يساعد في شد انتباه المتدربين وزيادة تركيزهم.
مثال (1): في دورة تدريبية بعنوان «برنامج إدارة العمل بالأهداف»، التي قُدمت لشركة المشروعات السياحية في الكويت، في 3 أكتوبر 2010م، تم كتابة 3 عوامل على السبورة في كيفية الإقناع، وكانت تؤكد أهمية التفكير أولاً، ثم الشعور ثانياً، ثم التصرف ثالثاً، في احتواء الأزمات عند وضع أهداف لحلها، وكيفية إقناع الآخرين بها.
وطُلب من المتدربين كتابتها في ورقة أمامهم، ومن ثم مناقشتها معهم، مع ضرب أمثلة في ذلك.
مثال (2): في إحدى الدورات التدريبية التي أنجزت لمركز ابن الهيثم للتدريب أثناء الخدمة، في 19 سبتمبر 2021م، بعنوان «فن حل المشكلات واحتواء التوتر وضغوط العمل»، طُلب من المتدربين كتابة 6 مبادئ في حل المشكلات، على أن يجهر أحدهم بصوته في مراجعتها بعد كتابتها، وكانت المبادئ الستة، هي:
1- إن الشخص الناجح ليس الذي تخلو حياته من المشكلات، وإنما هو الذي يعرف كيف يحلها.
2- ما لم تواجه المشكلات، فلا يوجد حل لها.
3- إن أفضل وقت لحل المشكلات فور وقوعها.
4- إذا وصلت المشكلات لمرحلة الأزمة فإنها تكون مكلفة.
5- إن قيمتك في نظر الناس تقاس بحجم المشكلة التي تحلها لهم.
6- إذا أتقنت مهارة حل المشكلات، فأنت قيمة مضافة للمجتمع.
مثال (3): في إحدى الدورات التدريبية للصحبة الصالحة التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي، بعنوان «بطاقة الأداء المتوازن في كتابة الأهداف»، تم توزيع جداول الأداء المتوازن، وطُلب من المتدربين تعبئتها.
فابتدأنا بكتابة الرؤية المراد تحقيقها في حياة كل متدرب، والرؤية تجيب عن السؤال: ماذا أريد أن أحقق في حياتي؟
ثم قمنا بكتابة الرسالة في حياة كل متدرب، والرسالة تجيب عن السؤال: لماذا أريد تحقيق رؤيتي في الحياة؟
وبعدها كتبنا الهدف العام في حياة كل مدرب، والهدف العام يجيب عن السؤال: وكيف أحقق رؤيتي؟
وأتبعنا ذلك بكتابة 3 – 4 أهداف تفصيلية لكل متدرب، ومؤشر قياس واحد لكل هدف تفصيلي، واسم شخص واحد يدعمني في تحقيق كل هدف تفصيلي، والزمن المطلوب لتحقيق كل هدف تفصيلي.
نستخلص من ذلك، أن إدراك المدرب أهمية التخطيط لإنجاز أهدافه، هو طريقه للنجاح، بل لنجاح الآخرين من حوله.
استخدام «الكتابة» أثناء عرض الدورة يساهم في تثبيت أهم المبادئ بأذهان المتدربين
مثال (4): في إحدى الدورات لنادي الارتقاء التابع لجمعية المعلمين الكويتية، في 9 يناير 2024م، بعنوان «القرآن الكريم تدبر وعمل»، طُلب من المتدربين كتابة فضائل سورة «الفاتحة»، وإرسالها عبر تطبيق «واتساب» إلى المدرب في اليوم نفسه؛ وعليه يحصل المتدرب على نسخة مهداة له من كتاب «القرآن تدبر وعمل»، وقد كان لهم ما يريدون، وهذا رابط تحميل الكتاب: https://archive.org/details/TQuran/T-J_01/.
مثال (5): في إحدى الدورات التدريبية لشركة نفط الكويت، بعنوان «فن إدارة الوقت بكفاءة»، طُلب من المتدربين كتابة 11 مهمة عاجلة ينبغي تنفيذها في ذلك اليوم، وإليكم مثالاً واحداً لأحد المتدربين الذي كتب هذه المهمات كما يلي:
الاتصال بالحارس للتأكد من قفل المخزن، تأكيد موعدي مع طبيب الأسنان ليوم غد، أخذ موعد مع المعلم في المدرسة لمراجعة أداء ابني في دروسه، الذهاب للجمعية التعاونية لشراء حاجات البيت، توزيع مهمات اليوم على الموظفين لديَّ، ترتيب مهمات اليوم في جدول، ضبط المنبه لتذكيري بموعدي مع الإدارة العليا، تغيير أثاث أحد المكاتب، تصوير جدول الأعمال لاجتماع الأسبوع القادم، إنهاء إجراءات اللقاء مع مسؤول ضبط الجودة في قسمنا، الاتصال بزوجتي وتأكيد المودة بيننا.
ثم طُلب منه ترتيبها بحسب أهميتها ودرجة استعجالها في ذلك اليوم، وذلك من أجل الاقتصاد في الوقت، والجودة في إدارته.
وجاء ترتيبه لهذه المهمات، بحسب أهميتها ودرجة استعجالها، كما يلي:
1- ترتيب مهمات اليوم في جدول.
2- توزيع مهمات اليوم على الموظفين لديَّ.
3- إنهاء إجراءات اللقاء مع مسؤول ضبط الجودة في قسمنا.
4- ضبط المنبه لتذكيري بموعدي مع الإدارة العليا.
5- الاتصال بزوجتي والتأكيد على المودة بيننا.
6- أخذ موعد مع المعلم في المدرسة لمراجعة أداء ابني في دروسه.
7- تأكيد موعدي مع طبيب الأسنان ليوم غد.
8- تصوير جدول الأعمال لاجتماع الأسبوع القادم.
9- الاتصال بالحارس للتأكد من قفل المخزن.
10- تغيير أثاث أحد المكاتب.
11- الذهاب للجمعية التعاونية لشراء حاجات البيت.
وكان الهدف من هذا التمرين كتابة ما تريد إنجازه من مهمات في يومك بورقة، وترتيب ذلك وفق أهميتها، ودرجة استعجالها.
مثال (6): في دورة القطاع النفطي لشركة نفط الكويت حول «فن إدارة الوقت»، قمنا بتطبيق مبدأ «باركنسون» في إدارة الوقت بكفاءة، وطلبنا من المتدربين كتابة العبارة التالية بخط جميل وبإتقان: «دولة الكويت هي دولة تقع في الشرق الأوسط من جنوب غرب القارة الآسيوية»، وطلبنا منهم حساب الوقت المستغرق في كتابتها، ثم طلبنا منهم إعادة كتابتها بسرعة، ولكن بخط مقروء، وحساب الزمن المستغرق في كتابتها.
وأخذنا المتوسط للمتدربين في نسبة توفير الوقت؛ فوجدناه بحدود 50%، فأكدنا أهمية تطبيق مبدأ «باركنسون» بالاقتصاد في الوقت، الذي مفاده: تنفيذ المهمة يمتد زمنياً، بحسب الوقت المتاح لها، فاقتصد في إدارة وقتك في نصف الزمن المتاح لك.
ونخلص من ذلك بنتيجة، مفادها: أنه عند استخدام المدرب أسلوب الكتابة في عرض دورته، فإن ذلك يساهم بشكل فعَّال في تثبيت أهم المبادئ التي وردت بالدورة في أذهان المتدربين، وقديماً قيل: «العلم صيد والكتابة قيده»!
في مقالنا القادم، بإذن الله تعالى، سنعرِّج على وسيلة أخرى، وهي: أهمية الزيارات الميدانية في شد انتباه المتدربين.