بسبب طبيعة «إسرائيل» كدولة وظيفية، حرص الاستعمار على استغلال وجودها لتصفية العداء المصري لسلسلة الأحلاف الاستعمارية، ومنها حلف بغداد الذي كان يتزعم الدعوة إليه وتنفيذه نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي آنذاك، ومع وضوح الموقف المصري صعَّدت «إسرائيل» موقفها العدواني تجاه مصر وعمدت إلى تنفيذ مذبحة في قطاع غزة الذي كانت الإدارة المصرية تشرف عليه.
وبداية، حاولت إدارة الصهاينة توجيه تهديد صريح لمصر بإمكان استعمالها سياسة القوة لتأديب الثورة المصرية وردعها؛ ومن ثم، ففي الوقت الذي كان فيه صلاح سالم، عضو مجلس قيادة الثورة المصري، يجتمع مع نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، في 14 أغسطس 1954م، لإقناعه بالعدول عن ربط العراق بالأحلاف الاستعمارية ودعوته إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع مصر، كانت قوة من الجيش «الإسرائيلي» تتسلل عبر خط الهدنة وتتوغل نحو 3 كيلومترات داخل حدود قطاع غزة حتى وصلت إلى محطة المياه التي تزود سكان غزة بالماء، فقتلت الفني المشرف على المحطة وبثت الألغام في مبنى المحطة وآلات الضخ.
ومع رفض الإدارة المصرية هذه التهديدات ومع استمرارها في الاتجاه الذي اختارته لنفسها، قامت قوات الصهاينة بتنفيذ مذبحة حقيقية في القطاع.
ففي الساعة الثامنة والنصف من مساء 28 فبراير 1955م، اجتازت عدة فصائل من القوات «الإسرائيلية» خط الهدنة، وتقدمت داخل قطاع غزة إلى مسافة تزيد على 3 كيلومترات، ثم بدأ كل فصيل من هذه القوات يُنفذ المهمة الموكولة إليه، فاتجه فصيل لمداهمة محطة المياه ونسفها، ثم توجَّه إلى بيت مدير محطة سكة حديد غزة، واستعد فصيل آخر لمهاجـمة المواقع المصرية بالرشاشـات ومـدافع الهاون والقنابل اليدوية، ورابط فصيل ثالث في الطريق لبث الألغام فيه ومنع وصول النجدة، ونجح المخطط إلى حدٍّ كبير.
وانفجرت محطة المياه، ورافق ذلك الانفجار انهمار الرصاص «الإسرائيلي» على معسكر الجيش المصري القريب من المحطة، وطلب قائد المعسكر النجدة من أقرب موقع عسكري فأسرعت السيارات الناقلة للجنود لتلبية النداء لكنها وقعت في الكمين الذي أعده «الإسرائيليون» في الطريق، وارتفع إجمالي عدد ضحايا هذه المذبحة إلى 39 قتيلاً و33 جريحاً.
________________________
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – المجلد 7 (إسرائيل.. المستوطن الصهيوني)، ص 276.