ضاعت على طاولة الاختلاط في المدارس والشوارع والبيوت والجامعات، وغياب المفاهيم والأخلاق الإسلامية تحت عناوين التحرر والتنوير، جملة من الأخلاق التي ميزت يوماً المسلمة الملتزمة بدين ربها عن غيرها من المتحررات من الدين والموروثات والعادات الأصيلة، فصارت المقارنة دوماً بين الفتاة الملتزمة والأقل منها التزاماً.
وأصبح التنافس على أمور لا تمس الدين من قريب أو من بعيد، وأصبح التفضيل لأكثرهن متابعة على «تيك توك» و«فيسبوك» وغيرهما من المواقع التي استحوذت على شغف الفتيات والنساء؛ فأخذت منهن الاهتمام الأول وربما الوحيد في يومهن المعتاد.
ووجدت بعضهن دفاعاً من أولياء الأمور أن بناتهن ونساءهن أفضل من غيرهن اللاتي يتكشفن دون حد أو ردع، وأصبح السلوك الديني مظهراً ثانوياً، وليس ثقافة وهوية ومرجعاً وعملاً، ودخلت على بيوتنا أخلاقيات كنا نستهجنها، وصار الدين غريباً كما بدأ، ومن ثم فقد أصبح لزاماً على الآباء أن يتوقفوا قليلاً ليسألوا أين هم مما تقع فيه بناتهن في تلك الساحة الفوضوية والأخلاق الغريبة على مجتمعاتنا؟
على المربين والعلماء أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم تجاه منهجية تربية الفتيات ومقارنتهن بقوانين الإسلام ومنهاجه، وليس مقارنتهن بالموجود على الساحة والمفروض علينا كمجتمع شرقي مسلم، لقد آن الأوان لتصحيح المسار وإعطاء الاهتمام الملائم بحجم قضية تربية جيل من الأمهات يعتمد عليهن في تكوين جيل من الرجال يصلح ما أفسده الآخرون في بلادنا.
سنقدم هنا ثلاثة من أهم السلوكيات العامة والمؤثرة اجتماعياً لتجنبها وغرس ما يجب أن تكون عليه الملتزمة:
أولاً: آداب التعامل على صفحات التواصل:
وسائل التواصل الاجتماعي بكافة فروعها من «فيسبوك» لـ«إنستجرام»، لـ«تيك توك» عبارة عن شارع مفتوح تختلط فيه كافة المستويات الاجتماعية، وقد أصبحت تلك الوسائل فرضاً على أبنائنا لا يمكن نكرانها أو غلقها أو حجبها عن البيوت، وإلا فهناك الكثير من الوسائل التي تدفع الأبناء للتواصل عبرها دون علم الآباء إن هم حاولوا جبرهم على منعها.
فالاعتراف بها لم يعد خياراً لأولياء الأمور، وقد وجب التعامل معها وتقنينها ومراقبتها، وفي ذات الوقت إعطاء قدر من التربية يقوي من إرادة الأبناء في تجنب آثارها السلبية واختيار نوعية الأصدقاء بها، وكما يجب على الفتاة أن تتحرز في الأماكن العامة من الغرباء، فكذلك يجب عليها أن تتحرز من تلك المواقع، فلا اختلاط، لا للكلمات المخجلة، لا للتواصل الخاص مع الرجال، لا خضوع بالقول باختيار ألفاظ الهيام ووصف المشاعر، لا لنشر الصور وإن كانت بحجابها، لا لنشر أسرار البيوت، لا للتواصل مع زملاء الدراسة بحجة تبادل مواد تعليمية وأنها علاقات بريئة، لا للتواصل الخاص مع أبناء العم والخال وما إلى ذلك بحجة القرابة، إنها مهمة الآباء والأمهات والمعلمين لإنقاذ فتياتنا ونسائنا من السقوط.
ثانياً: آداب الزيارة:
زيارة بيوت الأهل والأصدقاء لها مناسك وآداب وطقوس إسلامية خاصة حين تطول الزيارة وتستغرق ساعات قد تعطل أهل البيت أو تسبب لهم حرجاً، ومن أول آداب الزيارة أن يسبقها أخذ موعد بوقت كاف ليستعد أهل البيت لها، إلا إذا كانت الزيارة لأمر طارئ لن يستغرق دقائق مثلاً، فإذا تم الاتفاق على وقت الزيارة تدق الأخت الباب 3 مرات بين المرة الأولى، والثانية مقدار أربع ركعات على أساس أن أصحاب البيت يمكن أن يكونوا في الصلاة، وأقصى صلاة أربع ركعات متواصلة، فإذا لم يُجب أحد انسحبت الأخت دون غضب، فهي لا تعلم حال البيت حتى لو كانت على موعد، ربما جد جديد، وربما حدث طارئ يمنع استقبال ضيوف في هذا الوقت.
تدق جرس الباب وتعطي ظهرها للباب، حتى لا يقع بصرها على شيء يجب ألا تراه بمجرد فتحه، ستفتح لها الأخت وتدخل معها إلى حيث تذهب بها في مكان الاستقبال، دون أن ترسل نظرها هنا وهناك فترى ما لا يجب الاطلاع عليه، تسير غاضة بصرها وبهدوء دون أن يسمع لها أحد في البيت صوتاً، تذكر الله بالتسمية، ثم تجلس بالمكان المعد لتتسم الزيارة بالآتي:
– تبقى بالبيت على قدر ما يحتاج موضوع الزيارة، ولا يمتد لساعات دون مراعاة انشغالهم أو تقييد حركتهم بالبيت أو احتياج بعضهم للراحة.
– إذا قُدم لها شيء بسيط أو لا تحبه لا تعيبه، ولها أن تتناوله شاكرة أو ترفضه بلطف.
– لا تحيل الزيارة لمجالس غيبة أو نميمة ومعصية لرب العالمين.
– لا تنتقد أهل البيت أو تقارنهم بغيرهم أو تتلفظ بما يجرح مشاعرهم أو يهينهم أو يقلل من شأنهم أو يحزنهم على أقدارهم، كأن تذكرهم بفقرهم مثلاً، أو إخفاق أحد أبنائهم، أو تقصير زوجها في حقها، أو تذكر لها شقاوة الأبناء وتعبهم في أن الأخرى ليس لديها أطفال؛ فتنتهي الزيارة وقد غرست الضغينة بين أهل البيت.
– بعد انتهاء الزيارة عليها الانصراف الفوري بعد السلام بمكان الاستقبال، وليس لها أن تقف بالباب ساعة أخرى لتودعها.
– بعد الخروج من البيت على الزائرة أن تنسى ما قد تكون قد رأته داخل البيت، فالبيوت أسرار وعورة وأمانة، إذا رأت عيباً تستره، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {27} فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور).
ثالثاً: سلوكها في الشارع:
الشارع والطرق والأماكن العامة مناط اختبار السلوك الإنساني مع الناس، ومن خلال السير فيه يمكنك أن تميز بين صاحب خلق إسلامي، وإنسان لا يعرف دينه، والسمات التي يجب أن تميز الملتزمة في الأماكن العامة، هي:
– الالتزام بالزي الشرعي الذي يحقق شروط الحجاب، يكون فضفاضاً، لا يصف، لا يشف، ألوانه هادئة غير لافتة، يقول تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31).
– غض البصر، وقد جعل الله عز وجل غض البصر مقدمة لحفظ الفرج وحفظ الأعراض.
– خفض الصوت حتى لو كان الحوار مع فتيات أخريات، فالشارع يعج بالرجال يسمعون للصوت والضحكات.
– إذا قابلت إحداهن فلا تسأليها: فيم كنت؟ وأين؟ ولماذا؟ فقد تضطريها للكذب إذا كانت لا تريد لك معرفة من أين أتت ولأين تمضي، فلماذا تدفعين صديقتك للكذب؟ وماذا سوف يعود عليك إذا عرفت؟
– الوقوف على قارعة الطريق، لا تقفي أو تسيري بوسط الشارع أو في مكان ظاهر أو يدفعك للاحتكاك بالسائرين بالطريق، عليك التزام جانب الطريق ولا تطيلي الوقوف فتضايقي الخلق أو تدفعيهم للتساؤل فتشاركيهم إثم سوء الظن.