إلى فخامة الرئيس إمام علي رحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُوجه لكم هذا الخطاب، سائلاً الله (عز وجل) لكم التوفيق والسداد، وأن يفتح على أيديكم أبواب الخير والرحمة والإصلاح والإحسان، وتكون سبباً في عِزّة الإسلام وأهله في بلدكم العزيز “طاجيكستان”، والذي يُعتبر شعبه من بين أكثر الشعوب في آسيا الوسطى والعالم الإسلامي، اِلتزاماً وتمسكاً بالقيم الإنسانية، والأخلاق الإسلامية الرفيعة، وهو الشعب الذي اِعتز بانتمائه إلى الإسلام، وبأجداده المسلمين الفاتحين، وسَلاطينه الكبار، وعُلمائه الميامين، وقَدَّم في تاريخه أبهى صور ومعاني التسامح الفكري، والاعتدال الديني، والعطاء الإنساني، والإبداع الحضاري.
يا فخامة الرئيس
اسمك الذي يحمل مفهوم معاني الرحمة من اسم الله الرحمن الرحيم، وأنت الذي أكدت في أكثر من مناسبة على انتمائك الإسلامي، وهويتك الثقافية التي أساسها المذهب السني الحنفي، وفي حثّك العلماء والفقهاء المسلمين على تعليم الناس التراحم الاجتماعي، والعطف على الفقراء، وقد قرأنا عن سيرتك الحميدة في هذا المضمار، وفي دعوتك لدار الإفتاء في طاجكستان ولجمهور العلماء المسلمين بالسهر على راحة فقراء المجتمع، بقولك: “إن الفقراء يحتاجون إلى دعم العلماء أكثر من الأغنياء”، وقد طلبت من مجلس علماء طاجيكستان أن يُوضِّحوا فضل الصدقات، والزكاة، ووجوه صرفها، وذلك لتتحقق العدالة والانتعاش الاقتصادي في البلاد.
يا فخامة الرئيس
منذ وصل الإسلام إلى طاجيكستان، وعبور الفاتح الإسلامي الكبير قتيبة بن مسلم الباهلي منطقة وادي فرغانة (في هذه المنطقة توجد جمهورية طاجيكستان)، ومع اكتمال الفتح مع أخيه صالح بن مسلم الباهلي، وذلك في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، وانتشر الإسلام واللغة العربية، ترسخت الهوية الثقافية الفارسية السنية الإسلامية للشعب الطاجيكي، وغدت طاجكستان بفعل موقعها الجغرافي مركزًا لتلاقح الثقافات والأفكار، وأسهم قادتها في صياغة جزء كبير من التاريخ الإسلامي.
ولقد ذاعَ صيت رجال وقادة بارزين في طاجكستان من أمثال إسماعيل الساماني (849-907 م)، وهو مؤسس الدولة السامانية، والتي كانت إحدى أبرز الدول الإسلامية الكبرى في آسيا الوسطى، وعُرف بحكمه العادل، ودعمه للعلماء والمفكرين. ونصر بن أحمد الساماني (إمارة 914-943 م) الذي ازدهرت العلوم والحضارة الإسلامية في عهده. وكما ازدانت طاجكستان في عهد السلاطين الغزنويين من أمثال سبكتكين ومحمود الغزنوي، وهم الذي مثّلوا أرقى صور الدعوة إلى لله، والتسامح، والتمكين لدين الله تعالى. وحتى في ظل الانضمام الطاجيكي للاتحاد السوفيتي، ورغم الغُمّة الشيوعية، والتضييق على المسلمين فيها، فقد تمسك الشعب الطاجيكي بدينه، وقِيمه، وثقافته التاريخية الإسلامية المتوارثة.
كما برع من شعب طاجكستان عُلماء عاملون ومفكرون مبدعون، قدموا نتاجاً عظيماً للحضارة الإسلامية والإنسانية، ومن أبرزهم أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، وهم من بين أكبر علماء الطب في التاريخ الإنساني، والإمام البخاري، وهو من أشهر المحدثين في الإسلامي، وينتمي إلى ثقافة منطقة طاجكستان في ذلك الزمان، والإمام المحدث الترمذي، والفقيه الحنفي الإمام الشهير برهان الدين الزرنوجي، وهو مؤلف كتاب “تعليم المتعلم في طريق التعلم”. وعُرف من الطاجيك المحدث والفقيه الحاكم النيسابوري، وهو صاحب المستدرك في الصحيحين (صحيح البخاري ومسلم).
وهؤلاء العلماء وغيرهم من الطاجيك، قدموا إسهامات عظيمة في شتى المجالات من الدعوة والطب، والأدب، والفلسفة، والفقه الإسلامي، وكان لهم أثر كبير على الثقافة الإسلامية والعالمية.
يا فخامة الرئيس
أمام هذا الإرث الحضاري الطاجيكي الإسلامي العريق، الذي يجب المحافظة عليه ورعايته؛ لأن الأمم لا تنهض إلا بإرثها وتاريخها، والعمل على البناء عليه، وهذه مهمة الدولة، ومهمتكم يا فخامة الرئيس، وتعاوناً منا مع فخامتكم في ذلك، وتقديماً للنصيحة الخالصة النابعة من القلب، فإن تلك القرارات التي صدرت لا تخدم هذا الإرث، مثل منع الحجاب، وإخضاع المساجد لقواعد صارمة، ومنع الأسماء ذات الأصول العربية، ومنع اللباس التقليدي الإسلامي، وحظر اللحية، ومنع ارتياد المساجد للنساء والأطفال دون سن 18 عاماً، ومنع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً من الذهاب للحج، ومنع الدراسة في المدارس الإسلامية خارج طاجيكستان أو استيراد وتصدير الكتب الإسلامية دون موافقة رسمية، فضلاً عن منع استخدام مكبرات الصوت لبث الأذان، ومنع تشكيل الأحزاب السياسية الإسلامية، وجاء ذلك على لسان سيادتكم: «تقليد ثقافة دخيلة في اللباس كارتداء ملابس أجنبية مثل الحجاب، تشكل مشكلة أخرى للمجتمع الطاجيكي». وكل ذلك بحجة محاربة أيّ توجهات متطرفة مصدرها الإسلام، وبأن بلاده بسبب تلك المظاهر تُعاني من “غربة ثقافية”، بقوله: «علينا تجنب تغلغل ما يسمى بالملابس الدينية التي لا تلبي احتياجاتنا الدينية، والغريبة عن عاداتنا وثقافتنا، من أجل حماية حقيقتنا وقيمنا الوطنية».
كيف يكون ذلك يا فخامة الرئيس، وتاريخ طاجيكستان الإسلامي، وتراثها المعماري، وممارساتها الثقافية، خير دليل على الأثر العميق للإسلام في حياة الشعب الطاجيكي، ويبدو لكل من يزور هذا البلد الحضاري، بروز التقاليد الإسلامية في أنماط الحياة اليومية، وأصالة الهوية الإسلامية القوية للمجتمع الطاجيكي، وبأنها تشكل النسيج الثقافي للبلاد، وتعكس روح المجتمع وحضارته العريقة؟!
يا فخامة الرئيس
إن القيم الاجتماعية والثقافية والروحية الطاجيكية أساسها الإسلام السُّني، وعلى منهج الإمام أبو حنيفة النعمان، ففي آخر إحصاء سكاني أجرته لجنة الدولة الإحصائية الطاجيكية، تبين بأن تعداد السكان الطاجيك تجاوز الـ 10 ملايين مواطن، وبأن غالبيتهم العظمى من المسلمين السُّنة (أكثر من 90%)، رغم كل التغييرات الثقافية، والعسف السوفيتي خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وكذلك، تم إحصاء أكبر عدد من المساجد في آسيا الوسطى في دولة طاجيكستان، وبلغ عدد المساجد في جميع أنحائها أكثر من 3 آلاف مسجد. وطبقًا لما قاله المسؤولون الطاجيك للصحافة المحلية، فقد تم إنشاء أكبر عدد من المساجد في آسيا الوسطى عندهم، ومن بعدها تأتي “كازاخستان” في الترتيب الثاني، حيث يوجد بها 2228 مسجدًا. فكيف يمكن لبلد يحمل هذا الإرث، وفيه هذه الأصول الحضارية الإسلامية أن تعتبره بأنه في غربة ثقافية، أو أنه يمكن أن يتحمل مثل هذه القرارات التشريعية التي تهدد حريته وأمنه واستقراره وثقافته!؟
ولا شك في أن بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة، قد تستغل هذه القرارات في تحقيق أهدافها ومصالحها في تقويض وحدة واِستقرار المجتمع الطاجيكي، فإن من أهم أسباب الإرهاب والتطرف هو إنكار قيادة الدولة لحقوق الإنسان، وخصوصاً العقائدية والثقافية والاجتماعية.
يا فخامة الرئيس
إن قرارات التضييق على أبناء الشعب الطاجيكي في المعتقد، والعبادة، وممارسة الشعائر الدينية الإسلامية، تتنافى مع إعلان حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والصادر عام 1948م، حيث اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الدين أو المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لدى الشعوب جميعها، حيث تنص المادة 18 منه على أن: “لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره”، وهو ما يمكن اعتباره وثيقة دولية تمنع الاضطهاد على أساس الدين والمعتقد، وقد صادقت عليها القيادة الطاجيكية في وقت مبكر، وذلك انسجاماً مع الشرعية الدولة، وللمحافظة على الأمن والاستقرار المجتمعي والديني داخل الدولة.
يا فخامة الرئيس
إن إجراءات مثل منع الحجاب، والتضييق على المساجد، ومحاربة شعائر الدين الإسلامي، إنها لأمر عظيم، بل إنها حرب على الله تعالى، وهو خالق هذا الكون، وخالقكم، وخالق الناس أجمعين، إذ بيّن لنا الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم دور الإنسان في هذه الحياة، واعتبرها دار عبور وابتلاء للبشر؛ ليميز الخبيث من الطيب، والخير من الشر، ومن هو الثابت على المنهج الرباني القوم في الاستخلاف وعمارة الأرض، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ “الذاريات: 56”.
إن هذه الحياة فانية، وأمدها قصير، وأسعد الناس من عمل للقاء الله، بل إن الحاكم العادل يظله الله يوماً لا ظل إلا ظله وهو مع الصديقين والصالحين، وقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للإمام العادل الرفيق بالأمة كما دعا لمن شق عليهم كما في صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): “اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ”.
فمن كان عادلاً رفيقاً بالأمة كان من خيار الخلق عند الله، وشملته دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وندعو الله أن تكون منهم يا فخامة الرئيس.
يا فخامة الرئيس
إن تلك القوانين التي تضيق الخناق على الشعب الطاجيكي (وغالبيته من المسلمين السنة الأحناف)، تفتح المجال لعمل الشيطان، وجنده من إنس وجن، وتدفع الناس للإجرام، وتخلق حالة من الفوضى داخل المجتمع، وتدفع للتشكيك في الإيمان بالله، واليوم الآخر، وكل ما نخشاه أن تكونوا من تسبب في كل ذلك، فمنع الحجاب، وإقفال المساجد، ومحاربة الإسلام في عقائده وعباداته وشعائره، لا شك عند العقلاء، وأصحاب الفِطر السليمة، وعلماء الأمة الإسلامية لهو منهج للباطل لا يختلف فيه اثنان، فطريق مصادرة حرية العبادة هو اعتداء على حقوق الإنسان، وعلى الشرائع السماوية، والقيم الإنسانية الراسخة.
يا فخامة الرئيس
إن موازين الله تعالى عادلة لا جور ولا ظلم لأي بشرٍ كان حاكماً أو محكوماً، وجاء ذلك في الذكر الحكيم في قول الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء: 47). وإنه في ذلك اليوم العظيم (يوم القيامة) يتقاضى الناس فيما بينهم، فالحساب شامل ظلم العبد لنفسه، وظلمه لغيره من الناس، وأعظم خطيئة يرتكبها في ظلم الناس؛ لأن القصاص يومئذ لا يكون بالمال ولا السجن ولا غير ذلك، ولا بإزاحتك عن السلطة وللحكم، ولكن يكون بجنة أو بنار، وتأتي في ذلك اليوم، وخصومك شعب بأكمله ظلمته جراء تلك القوانين التعسفية، وجاء في الذكر الحكيم: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ (طه: 111).
يا فخامة الرئيس
إننا ندعو إلى مراجعة ما صدر من قرارات ظالمة بحق الشعب الطاجيكي، وتتوب إلى الله، وترفع المظالم، وتُقبل على الجبار الكبير المتعال، فإن واجب الحكام والزعماء السياسيين تجاه شعوبهم احترام حرية الناس، وثقافتهم، وأديانهم، والحث على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتشجيع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحرية الحج، وتهيئة ظروف الصيام وقيام الليل في المساجد، وهذا واجب الحكام إذا ما ابتغوا العدل، ولقاء الله وهم بقلب سليم، وعمل صالح، وقد قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 41).
أقاموا الصلاة: لتعزيز السمو والارتقاء الروحي لدى الناس، وآتوا الزكاة: لنشر العدالة الاجتماعية بين الناس، وأمروا بالمعروف: لتحقيق التعاون بين أبناء المجتمع الواحد ونَهوا عن المنكر: للتعاون على مكافحة الشر، والجريمة، والفساد، والظلم.
فتلك هي النتائج المترتبة على الحكم الرشيد الذي يجب يميز علاقة حكام المسلمين وشعوبهم، وإن الحاكم مسؤول أمام الله على إقامة العدل، ورفع الظلم، ودعم حريات الناس، وحماية حقوق الإنسان التي جعلها الله من إنسانيتهم التي خلقهم عليها. وجاء في حديث الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ” (أخرجه البخاري: 2554).
يا فخامة الرئيس
إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نقدم لكم النُّصح الخالص، ومن باب الحرص الشديد على دلالتكم لما ينفعكم في دُنياكم وآخرتكم، وكل خوفنا أن لا تتحمل عاقبة هذه القرارات، كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ (العنكبوت: 13).
وإننا كدعاة وعلماء في ديننا الحنيف من واجبنا النفع والنصح والإرشاد، وبيان الحقائق، والإتيان للقيم العظيمة التي غرسها الخالق العظيم سبحانه وتعالى في الفِطرة الإنسانية العظيمة؛ كالتوحيد، وإفراد العبادة له، وتعريف الناس بحقيقة الحياة، والوجود، وحياة البرزخ، والتذكير بيوم العرض الأكبر “يوم القيامة”، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهم ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ (غافر: 52).
يا فخامة الرئيس
إننا ندعوك، وسائر حكام الأمة الإسلامية للسير على منهج نبي الله داود (عليه السلام) وسليمان (عليه السلام)، وذو القرنين في حُكمهم الرشيد في ترسيخ العدل، وحماية المستضعفين، والالتزام بقيم الحق، ومحاربة الظلم، واحترام الإنسان، والنهوض بإمكاناته وطاقاته الكامنة معنوياً ومادياً لعمارة الأرض كما أمر الله عباده الصالحين.
وإنه من حِرصنا عليكم وعلى أهلنا من أبناء الشعب الطاجيكي، ومن دافع محبة الخير، ندعوكم إلى التفكر في مواقفكم، ومراجعة قراراتكم، وفقاً لفقه الميزان الرباني المتمثل في كتاب الله العزيز، وسنة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، والاطلاع على سيرته العطرة، وأخلاقه الكريمة، ومنهجه السياسي والأخلاقي والروحي والعقائدي والاقتصادي والحضاري في إدارة الدول، وفي سنة الاستخلاف والتمكين.
إن تعزيز الوعي الاجتماعي، وتعزيز تعاليم الدين الإسلامي بمنهجه الوسطي، ونشر الأخلاق الحميدة هو أساس التوحد الوطني الطاجيكي، والركن المتين في الهوية الوطنية لهذا الشعب العظيم، إذ يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: 2).
ولذلك، لا بد من اتخاذ إجراءات متوازنة تحمي المجتمع، وتعزز القيم الإنسانية، وتُعطي المرأة الطاجيكية حريتها في ارتداء اللباس، وحرية العبادة، والمشاركة في الحياة العامة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وأمام هذا التحصين القانوني والقِيمي، وانتشار العدل الاجتماعي، لا يمكن للتيارات الفكرية المتطرفة أو التي تسعى لتشويه القيم الثقافية الطاجيكية أن تخترق المجتمع، والذي اتصف بأغلبيته الساحقة بإيمانه بالله وحده، ويتبعون مذهباً واحداً هو “المذهب الحنفي”، وهذا يؤدي دون شك للاستقرار والسلام والرخاء في بلدكم العزيز “طاجيكستان”.
أسأل الله أن يوفقكم، ويُعينكم، ويبارك في خطواتكم
على طريق تحقيق الخير والعدل للأمة الطاجيكية وعموم الأمة الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين.
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
د. علي محمد الصَّلّابي أ.د. علي محيي الدين القره داغي